[ ص: 197 - 198 ] باب ) الضمان شغل ذمة أخرى بالحق ، [ ص: 199 ] وصح من أهل التبرع : [ ص: 200 ] كمكاتب ، ومأذون أذن سيدهما ، وزوجة ، ومريض بثلث
[ ص: 198 ] باب ) في بيان الضمان وأقسامه وأحكامها وما يتعلق بها ( الضمان ) أي حقيقته شرعا المازري الحمالة والكفالة والضمان والزعامة كلها بمعنى واحد في اللغة ، تقول العرب هذا كفيل وحميل وضمين وزعيم ، هذه هي الأسماء المشهورة وتقول العرب أيضا قبيل بمعنى ضمين ( شغل ) بفتح الشين وسكون الغين المعجمين ، أي مصدر شغل بفتحهما مضاف لمفعوله جنس شمل الضمان وغيره ، وإضافته ل ( ذمة ) فصل مخرج لشغل غيرها ونعت ذمة ب ( أخرى ) أي مع الأولى فصل ثان مخرج الحوالة والبيع والإجارة والنكاح والخلع ونحوها ( بالحق ) إما ابتداء أو انتهاء ، فشمل ضمان المال وضمان الوجه وضمان الطلب ، وأل في الحق للعهد أي الأول الذي شغلت به الذمة الأولى فاندفع إيراده أنه غير مانع لشموله بيع شيء بدين ثم بيع سلعة أخرى بدين أيضا والتشريك فيما اشترى ، وأورد أنه يشمل التولية ، ويجاب بخروجها بأخرى كالحوالة ، واندفع بقولي أو انتهاء إيراد أنه غير جامع لعدم شموله ضمان الوجه وضمان الطلب .
وتبع المصنف nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب في تعريفه بما ذكر ، وعرفه ابن عرفة بقوله الحمالة التزام دين لا يسقطه أو طلبه من هو عليه لمن هو له ، وقول nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب تابعا لعبد الوهاب شغل ذمة أخرى بالحق لا يشملها لأن شغل الذمة لازم لها لا نفسها لأنها مكتسبة ، والشغل حكم غير مكتسب كالملك مع البيع . وقول ابن عبد السلام إطلاق الحمالة على الطلب إنما هو مجاز عرفا لا حقيقة ، يرد بمنعه لظاهر إطلاقات المدونة والأمهات المتقدمين والرواة .
" غ " فالضمان في تعريف ابن عرفة منوع إلى التزام الدين والتزام طلب من هو عليه [ ص: 199 ] والضمان عنده مكتسب والشغل لازمه كما أن البيع مكتسب والملك لازمه . البناني حاصله أن قولهم شغل مباين للمحدود فليس بجامع ولا مانع لأن الضمان سبب في الشغل ، فالشغل مسبب عنه لا نفسه وسلمه " غ " وعج ورده ابن عاشر بأن الذي ليس فعلا للشخص إنما هو اشتغال الذمة . وأما شغلها فهو فعل الشخص لأنه متعد ، فقولهم شغل ذمة مصدر مضاف لمفعوله بمعنى أن الشخص شغل ذمته بالحق أي ألزمها إياه ، فهو فعل مكتسب مساو لقول ابن عرفة التزام دين والله أعلم .
واحترز ابن عرفة بقوله لا يسقطه عن الحوالة وبحث فيه بأنها طرح الدين عن ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه ، فلم تدخل في التزام ، فالمناسب أنه لتحقيق الماهية كما هو الأصل في فصول الحد لا لإخراج الحوالة ، ثم ظهر أنه لإخراج بعض صور الحوالة وذلك إذا التزم مدين الدين الذي على دائنه بلفظ يدل على الحوالة ، فهذه تخرج بقوله لا يسقطه ، ويخرج به أيضا التزام دين على آخر أفاده عج .
( وصح ) الضمان ولزم ( من أهل التبرع ) بالمضمون فيه وهو المكلف الذي لا حجر عليه فيما ضمن ، فيه فدخلت الزوجة والمريض بالنسبة للثلث والمكاتب والمأذون بالنسبة لما أذن لهما سيدهما في ضمانه . ومفهوم أهل التبرع فيه تفصيل ، فإن كان زوجة أو مريضا بزائد على الثلث أو رقيقا بغير إذن سيده ، أو مدينا بدين مستغرق ما بيده من المال ، أو مؤجرا نفسه لعمل أو سفر أو ظئرا فضمانهم صحيح غير لازم وإن كان سفيها أو صبيا أو مجنونا فهو فاسد وليس لوليه إجازته .
في النوادر قال محمد بن عبد الحكم من تكفل بوجه رجل فغاب الرجل فأخذ به الكفيل فأقام آخر البينة على أنه استأجر الكفيل قبل ذلك أن يبني له داره أو يسافر معه إلى مكة فالإجارة مقدمة ولا يحبس في الدين لأن كفالة الدين معروف متطوع به ولو كانت ظئرا استؤجرت لرضاع قبل كفالتها فلا تحبس في الكفالة أيضا ، والرضاع مقدم ، فإذا انقضت مدة الرضاع طولبت بالحمالة . [ ص: 200 ] ومثل لأهل التبرع فقال ( ك ) رقيق ( مكاتب و ) رقيق ( مأذون ) له في التجارة ( أذن سيدهما ) لهما في الضمان ، فيصح منهما ، ويلزمهما إن وقع منهما . فإن لم يأذن لهما فيصح ولا يلزم ، بدليل قوله الآتي وأتبع ذو الرق به إن عتق ، ودخل بالكاف قن وذو شائبة كمدبر وأم ولد ومعتق لأجل ، وخصهما بالذكر دفعا لتوهم جواز ضمانهما بلا إذن لإحراز المكاتب نفسه وماله ، ولرفع الحجر عن المأذون بالإذن في التجارة . وقال ابن الماجشون يجوز للمكاتب ولو لم يأذن له لسيده فيه ، وقال غيره لا يجوز له أن يضمن ولو أذن له سيده فيه لئلا يؤدي إلى عجزه . وظاهر المصنف توقف ضمانهما على إذن سيدهما ولو ضمناه وهو كذلك . ومراده بهما غير المحجور عليهما لدين بدليل التمثيل بهما لأهل التبرع ، فاندفع اعتراض الشارح بشمول كلامه المحجور عليهما لدين ، وأجاب تت بأنه أطلق اعتمادا على قوله في الحجر والحجر عليه كالحر . البناني الكاف في المعطوف عليه للتشبيه ، وفي المعطوف للتمثيل فهي من المشترك المستعمل في معنييه .
( و ) ك ( زوجة ومريض ) ضمن أحدهما دينا ( ب ) قدر ( ثلث ) من ماله أو بزائد عليه بيسير كدينار وما خف مما يعلم أن الزوجة لم تقصد به ضررا فيمضي الثلث مع الزائد اليسير لا بكثير ، فلا يلزمها ، وإن ضمنت زوجها أو ضمن مريض وارثه وإن كان كل صحيحا متوقفا على إجازة الزوج والوارث وللزوج رد جميعه إن ضمنت بأزيد كما مر ولو له هو وللوارث رد الزائد فقط ولو له . ابن عرفة فيها كفالة ذات الزوج في ثلثها إن تكفلت بزوجها ففيها عطيتها زوجها جميع مالها جائزة ، وكذا كفالتها عنه . الباجي يريد بإذنه وفيها إن ادعت أنه أكرهها في كفالتها عنه فعليها البينة . ا هـ . فلا فرق بين كفالة زوجها وغيره ، وما نقله ابن عرفة عن الباجي هو نص المدونة ، وهو وإن كاتبت أو تكفلت أو أعتقت أو تصدقت أو وهبت أو صنعت شيئا من المعروف ، فإن حمله ثلثها وهي لا ولاية عليها جاز وإن كره زوجها .
وإن جاوز ثلثها فلزوجها رد جميعه أو إجازته لأنه ضرر عليه ، إلا أن يزيد على الثلث كالدينار وما خف مما يعلم أنها لم ترد به ضرره فيمضي الثلث مع الزيادة ، ثم قال [ ص: 201 ] فيها وإذا أجاز الزوج كفالة زوجته الرشيدة في أكثر من ثلثها جازت تكفلت عنه أو عن غيره ، وإن تكفلت عنه بما يغترق جميع مالها فلم يرض لم يجز الثلث ولا غيره . ا هـ . ولا حاجة لتقييدها بكونها حرة رشيدة لأن غيرهما ليس من أهل التبرع ولا يكون ضمانها لغيره ، فإن ضمنته جاز ولو استغرق جميع مالها لأن جواز هذا مشروط بإذنه كما تقدم ، فالزوج وغيره في هذا سواء ، نعم يقيد كلام المصنف بكون الزيادة على الثلث ليست يسيرة كدينار وما خف وإلا فيمضي كله والله أعلم