( باب ) في بيان شروط وأحكام القضاء وما يتعلق به ( أهل ) أي مستحق ( القضاء ) بفتح القاف وإعجام الضاد ممدودا . ابن راشد وابن فرحون القضاء الإخبار عن حكم شرعي على سبيل الإلزام . ابن عرفة القضاء صفة حكمية توجب لموصوفها نفوذ حكمه الشرعي ولو بتعديل أو تجريح لا في عموم مصالح المسلمين ، فيخرج التحكيم وولاية الشرطة والإمامة . وقول بعضهم هو الفصل بين الخصمين واضح قصوره
. الحط يطلق القضاء في الاصطلاح على الصفة المذكورة كما في قولهم وفي القضاء وقول المصنف أهل القضاء إلخ وعلى الإخبار المذكور كما في قولهم قضى القاضي بكذا ، وقولهم قضاء القاضي بكذا حق أو باطل . لكن في تعريف ابن راشد مسامحات الأولى ذكر الأخبار ، إذ المتبادر منه ما يحتمل الصدق والكذب المقابل للإنشاء ، وليس بمراد ، وإنما المراد به أمر القاضي بحكم شرعي على طريق الإلزام .
الثانية شمول حكم حكمي جزاء الصيد وتنازع الزوجين وحكم المحكم وحكم المحتسب والوالي وغيرهما من ولاة المسلمين إذا حكموا بالشرع ، قول ابن عرفة إن التحكيم يخرج من تعريفه لم يظهر لي وجه خروجه منه ، فإن المحكم لا يحكم ابتداء إلا في الأموال وما يتعلق بها ، وما في معناها مما لا يتعلق بغير المحكمين ولا يحكم ابتداء في القصاص واللعان والطلاق والإعتاق لتعلق حق غيرهما بذلك ، قالوا فإن حكم فيها بغير جور نفذ حكمه والظاهر أن التعديل والتجريح كذلك والله أعلم .
[ ص: 256 ] تنبيهات )
الأول : في الذخيرة عقد القضاء جائز من الجانبين مطلقا كالجعالة والقراض قبل الشروع في عملهما والمغارسة والتحكيم والوكالة ، فللإمام عزله وله عزل نفسه مطلقا كما يأتي .
الثاني : ابن سهل تلخيص خطط الولاية القضاء والشرطة والمظالم والرد والمدينة والسوق ، فمتعلق حكم والي الرد ما استرابه القضاة وردوه عن أنفسهم وصاحب السوق يعرف بصاحب الحسبة لأن أكثر نظره فيها بالأسواق من غش وتفقد مكيال وميزان .
الثالث : علم القضاء أخص من العلم بفقهه لأن متعلق فقهه كلي من حيث هو كلي ومتعلق علمه كلي من حيث صدق كليه على جزئيات ، وكذا فقه الفقيه من حيث كونه فقيها هو أعم من فقه الفقيه من حيث كونه مفتيا ، ثم قال وإذا تأملت ذلك علمت أن حال الفقيه من حيث هو فقيه كحال عالم بكبرى قياس الشكل الأول فقط ، وحال القاضي والمفتي كحال عالم بها مع علمه بصغراه ولا خفاء أن العلم بهما أشق وأخص من العلم بالكبرى فقط ، وأيضا فقه القضاء والفتوى مبنيان على النظر في الصور الجزئية بإدراك ما اشتملت عليه من الأوصاف التي فيها ، فيلغى طرديها ويعمل معتبرها .
ابن عبد السلام علم القضاء وإن كان أحد أنواع علم الفقه متميز بأمور لا يحسنها كل فقيه ، وربما كان بعض الناس عارفا بفصل الخصام ، وليس له باع في غيره من أبواب الفقه ، كما أن علم الفرائض كذلك ، وكما أن علم التصريف من علم العربية ، وأكثر أهل زماننا لا يحسنونه ، وقد يحسنه من هو دونهم في العربية ولا غرابة في امتياز علم القضاء عن غيره من أنواع الفقه ، وإنما الغرابة في استعمال كليات علم الفقه وتطبيقها على جزئياتها الواقعة بين الناس وهو عسير على كثير من الناس فتجد من يحفظ أصولا كثيرة من الفقه ويفهمها ويعلمها غيره ، وإذا سئل عن الواقعة جزئية من مسائل الصلاة أو من مسائل الإيمان لا يحسن الجواب ، بل لا يفهم مراد السائل عنها إلا بعد عسر ، وللشيوخ في هذا حكايات نبه ابن سهل على بعضها . [ ص: 257 ]
الرابع : أقوال الشيوخ واضحة الدلالة على جلالة خطة القضاء وندور السلامة فيه ، قال بعض الناس القضاء من أعظم الخطط قدرا وأجلها خطرا ، لا سيما إذا اجتمعت إليه الصلاة ابن عرفة أراد إمامة الصلاة ومقتضاه حسن اجتماعهما والمعروف ببلدنا قديما وحديثا منع إمامة قاضي الجماعة بها وإلا تنكحه إمامة الجامع الأعظم بها .
الخامس : ابن رشد عن غير واحد الحكم بين الناس بالعدل من أفضل أعمال البر وأعلى درجات الأجر ، والجور فيه واتباع الهوى من أكبر الكبائر ، وهو محنة من دخل فيه ابتلي بعظيم لأنه عرض نفسه للهلاك إذ التخلص فيه عسير . nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله تعالى عنه وددت أني أنجو من هذا الأمر كفافا لا لي ولا علي ، فالهروب منه واجب لا سيما في هذا الوقت . nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك عن عمر بن الحسين رضي الله تعالى عنهما ما أدركت قاضيا استقضى بالمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام إلا رأيت كآبة القضاء عليه وكراهيته في وجهه إلا قاضيين سماهما . ابن عبد السلام ، هذا حين كان القاضي يعان على ما وليه وربما كان بعضهم يحكم على من ولاه ولا يقبل شهادته إن شهد عنده ، وأما إذا صار القاضي لا يعان بل من ولاه ربما أعان عليه من مقصوده بلوغ هواه على أي حال كان ، فإن ذلك ينقلب محرما نسأل الله تعالى السلامة . وأكثر الخطط الشرعية في زمننا أسماء شريفة على مسميات خسيسة .
السادس : حكم تولية القاضي الوجوب . اللخمي وغيره إقامة حكم للناس واجبة لما فيه من رفع الهرج والمظالم ، فعلى الوالي على بلد النظر في أحكامهم إن كان أهلا لذلك ، فإن لم يكن أهلا له أو اشتغل عنه وجب عليه أن يقدم لهم من هو أهل لذلك وإن لم يكن بالموضع وال كان ذلك لذوي الرأي والثقة .
السابع : nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك رضي الله تعالى عنه لم يكن ذلك في زمنه صلى الله عليه وسلم ولا في زمن الخلفاء قاض . هم الذين كانوا يقضون بين الناس . أول من استقضى nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية رضي الله تعالى عنه ، وأنكر أن يكون nindex.php?page=showalam&ids=8علي رضي الله تعالى عنه استقضى nindex.php?page=showalam&ids=16097شريحا ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13270ابن شعبان أن أول قاض استقضي عبد الله بن نوفل ولاه nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية . العراقيون أول من استقضى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وجه [ ص: 258 ] nindex.php?page=showalam&ids=16097شريحا للكوفة وكعب بن سرار للبصرة ، وقيل أول من استقضى علي رضي الله تعالى عنه لما منعته الحروب استقضى nindex.php?page=showalam&ids=16097شريحا ، وقول nindex.php?page=showalam&ids=16867الإمام مالك رضي الله تعالى عنه لم يستقض nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر ولا nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ولا nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان يعني بدار الهجرة وسائر البلاد بعثوا إليها قضاة واستقضى النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=8عليا nindex.php?page=showalam&ids=32ومعاذا وغيرهما رضي الله تعالى عنهم .
الثامن : صفات القاضي المطلوبة فيه ثلاثة أقسام : شروط في صحة توليته وشروط في دوامها وشروط في كمالها ، أشار المصنف إلى الأولى بقوله عدل إلى قوله فأمثل مقلد ، وإلى الثاني بقوله ونفذ حكم أعمى إلى قوله ووجب عزله وإلى الثالث بقوله كورع إلخ .