[ ص: 365 ] تفسير الفقهاء
كان الصحابة في عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يفهمون القرآن بسليقتهم العربية ، وإن التبس عليهم فهم آية رجعوا إلى رسول الله فيبينها لهم .
ولما توفي -صلى الله عليه وسلم- وتولى فقهاء الصحابة توجيه الأمة بقيادة الخلفاء الراشدين . وجدت قضايا لم تسبق لهم كان القرآن ملاذا لهم لاستنباط الأحكام الشرعية للقضايا الجديدة . فيجمعون على رأي فيها ، وقلما يختلفون عند التعارض ، كاختلافهم في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها . أهي وضع الحمل ، أم مضي أربعة أشهر وعشر ، أم أبعد الأجلين منهما ؟ حيث قال الله تعالى :
والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ، وقال :
وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ، فكانت هذه الأحوال على قلتها بداية الخلاف الفقهي في فهم آيات الأحكام .
فلما كان عهد الأئمة الفقهاء الأربعة ، واتخذ كل إمام أصولا لاستنباط الأحكام في مذهبه . وكثرت الأحداث وتشعبت المسائل ازدادت وجوه الاختلاف في فهم بعض الآيات لتفاوت وجوه الدلالة فيها دون تعصب لمذهب بل استمساكا بما يرى الفقيه أنه الحق ، ولا يجد غضاضة إذا عرف الحق لدى غيره أن يرجع إليه .
ظل الأمر هكذا حتى جاء عصر التقليد والتعصب المذهبي ، فقصر أتباع الأئمة جهودهم على توضيح مذهبهم والانتصار له ، ولو كان ذلك بحمل الآيات القرآنية على المعاني المرجوحة البعيدة ، ونشأ من هذا تفسير فقهي خاص لآيات الأحكام في القرآن ، يشتد التعصب المذهبي فيه أحيانا ، ويخف أخرى .
وتتابع هذا المنهج إلى العصر الحديث ، وهذا هو ما نسميه بالتفسير الفقهي ، ومن أشهر كتبه :
1- أحكام القرآن
للجصاص - مطبوع .
2- أحكام القرآن
للكيا الهراس - مطبوع .
[ ص: 366 ] 3- أحكام القرآن
nindex.php?page=showalam&ids=12815لابن العربي - مطبوع .
4- الجامع لأحكام القرآن
للقرطبي - مطبوع .
5- الإكليل في استنباط التنزيل
للسيوطي - مخطوط .
6- التفسيرات الأحمدية في بيان الآيات الشرعية
لملا جيون - مطبوع
بالهند .
7- تفسير آيات الأحكام للشيخ
محمد السايس - مطبوع .
8- تفسير آيات الأحكام للشيخ
مناع القطان - مطبوع .
9- أضواء البيان للشيخ
محمد الشنقيطي - مطبوع .
وسنعرف ببعض منها :
1- أحكام القرآن -
للجصاص :
أبو بكر أحمد بن علي الرازي المشهور بالجصاص -نسبة إلى العمل بالجص- من أئمة الفقه الحنفي في القرن الرابع الهجري . ويعتبر كتابه " أحكام القرآن " من أهم كتب التفسير الفقهي ، ولا سيما عند الأحناف .
وقد اقتصر المؤلف في هذا الكتاب على تفسير الآيات التي تتعلق بالأحكام الفرعية ، فيورد الآية أو الآيات ، ثم يتولى شرحها بشيء من المأثور في معناها ، ويستطرد في ذكر المسائل الفقهية التي تتصل بها من قريب أو بعيد ، ويسوق الخلافات المذهبية ، حيث يشعر القارئ أنه يقرأ في كتاب من كتب الفقه ، لا في كتاب من كتب التفسير .
والجصاص يتعصب لمذهب الحنفية تعصبا ممقوتا ، يحمله على التعسف في تفسير الآيات وتأويلها انتصارا لمذهبه ، ويشتد في الرد على المخالفين متعنتا في التأويل بصورة تنفر القارئ أحيانا من متابعة القراءة ، لعباراته اللاذعة في مناقشة المذاهب الأخرى .
ويبدو من تفسير الجصاص كذلك أنه ينحو منحى
المعتزلة في العقائد . فيقول مثلا
[ ص: 367 ] في قوله تعالى :
لا تدركه الأبصار : معناه لا تراه الأبصار ، وهذا تمدح بنفي رؤية الأبصار ، كقوله تعالى :
لا تأخذه سنة ولا نوم ، وما تمدح الله بنفيه عن نفسه فإن إثبات ضده ذم ونقص ، فغير جائز إثبات نقيضه بحال . . فلما تمدح بنفي رؤية البصر عنه لم يجز إثبات ضده ونقيضه بحال . إذ كان فيه إثبات صفة نقص ، ولا يجوز أن يكون مخصوصا بقوله تعالى :
وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ; لأن النظر محتمل لمعان : منها انتظار الثواب ، كما روي عن جماعة من السلف ، فلما كان ذلك محتملا للتأويل لم يجز الاعتراض به على ما لا مساغ للتأويل فيه ، والأخبار المروية في الرؤية إنما المراد بها العلم لو صحت ، وهو علم الضرورة الذي لا تشوبه شبهة ، ولا تعرض فيه الشكوك ; لأن الرؤية بمعنى العلم مشهورة في اللغة “ .
والكتاب مطبوع في ثلاث مجلدات ، وهو متداول بين أهل العلم ، ومن مراجع الفقه الحنفي . "