ويشمل جميع ذلك قولنا لو نوى المأموم الصلاة على غير من نواه الإمام جاز ( والدفن بالمقبرة أفضل ) منه في غيرها للاتباع ونيل دعاء المارين ، وفي أفضل مقبرة بالبلد أولى .
ويكره الدفن بالبيت كما قاله القفال إلى أن تدعو إليه حاجة أو مصلحة كما سيأتي ، على أن المشهور أنه خلاف الأولى لا مكروه ، وإنما دفن عليه الصلاة والسلام في بيته لاختلاف الصحابة في مدفنه لخوفهم من دفنه بالمقابر من التنازع ، ولأن من خواص الأنبياء دفنهم بمحل موتهم .
واستثنى الأذرعي وغيره الشهيد فيسن أيضا دفنه في محل قتله : أي ولو بقرب مكة أو نحوها مما يأتي .
قال : ولو كانت الأرض مغصوبة ، أو سبلها ظالم اشتراها بمال خبيث أو نحوهما ، أو كان أهلها أهل بدعة أو فسق ، أو كانت تربتها فاسدة لملوحة أو نحوها ، أو كان نقل الميت إليها يؤدي لانفجاره فالأفضل اجتنابها .
قال الشيخ : بل يجب في بعض ذلك ، فلو قال بعض الورثة يدفن في ملكه والباقون في المسبلة أجيب طالبها لانتقال الملك لهم ، ولم يرض بعضهم بدفنه فيه ، فلو تنازعوا في مقبرتين ولم يوص الميت بشيء أجيب المقدم في الغسل والصلاة إن [ ص: 29 ] كان الميت رجلا ، قاله ابن الأستاذ ، فإن استووا أقرع ، فإن كانت امرأة أجيب القريب دون الزوج .
والظاهر كما قاله الأذرعي أن محله عند التساوي ، وإلا فيجب أن ينظر إلى الأصلح للميت فيجاب طالبه كما لو كانت إحداهما أقرب أو أصلح أو مجاورة لأخيار والأخرى بالضد ، بل لو اتفقوا على خلاف الأصلح ، فالأوجه أن للحاكم اعتراضهم فيه نظرا للميت ، وبذلك صرح السبكي ، ولو دفنه بعض الورثة في ملك نفسه لم ينقل ، وقبل دفنه في ذلك لهم الامتناع من دفنه فيها لما فيه من المنة عليهم فيجابون لدفنه في المسبلة ، بخلاف ما لو قال بعضهم يكفن في مالي والباقون في الأكفان المسبلة حيث يجاب الأول لجريان العادة بالدفن في المسبلة من غير عار يلحق بذلك بخلاف الأكفان المسبلة ، ولو دفنه بعضهم في أرض التركة فللباقين لا للمشتري من الورثة نقله ، ويكره لهم ذلك كما في المجموع .
أما لو دفنوه في ملكه ثم باعوه لم يكن للمشتري نقله لسبق حقهم وللمشتري الخيار في فسخ البيع إن جهل الحال ، والمحل الذي دفن فيه للمشتري الانتفاع به بعد بلى الميت أو اتفاق نقله .
قال العبادي : ولا يصير أحق به ما دام حيا ، ووافقه ابن يونس واستثنى ما إذا مات عقبه ، ولا يجوز دفن مسلم في مقبرة الكفار ولا عكسه ، فإن اختلطوا أفردوا بمقبرة كما مر ، ويجوز جعل مقبرة أهل الحرب بعد اندراسها مقبرة للمسلمين ومسجدا إذ مسجده عليه الصلاة والسلام [ ص: 30 ] والسلام كان كذلك
حاشية الشبراملسي
( قوله : ويشمل جميع ذلك قولنا ) أي إذا عبرنا به ( قوله : كما سيأتي ) أي في قوله ولو كانت الأرض مغصوبة ( قوله : ولأن من خواص الأنبياء دفنهم بمحل موتهم ) أي حيث أمكن الدفن فيه ، فإن كان بعاو كأن مات على سقف لا يتأتى الدفن فيه فالظاهر دفنهم تحت الموضع الذي ماتوا فيه بحيث يحاذيه ( قوله : فالأفضل اجتنابها ) هذا واضح في غير المغصوبة .
أما هي فيجب اجتنابها كما يفيده قوله قال الشيخ إلخ ( قوله : أجيب المقدم ) [ ص: 29 ] أي ومنه الأب حيث نازعته الأم فيقدم الأب عليها ( قوله : لهم الامتناع من دفنه ) أي فيها في تلك البقعة ولو قال فيه لكان أولى ( قوله لسبق حقهم ) أي فحيث وضعوه باختيارهم صار مستحقا له فلا يمكن المشتري من إخراجه .
( قوله : وأوجههما إجابة السيد ) ولعل الفرق بين هذا وما مر له من تقديم الحر القريب عليه في الصلاة أن المقصود من الصلاة الدعاء وهي من القريب أقرب إجابة لشفقته وما هنا من مؤن التجهيز وهي واجبة على السيد فليتأمل ( قوله ولا يصير أحق به ما دام حيا ) مفهومه أنه بعد موته يكون أحق به ، ويؤيده قوله واستثنى إلخ ، وينبغي أن محله أيضا ما لم يوص بالدفن فيه ، فإن أوصى بذلك وجب دفنه فيه سواء كانت المقبرة ملكه أو مسبلة ، وأفاد قوله ولا يصير إلخ أنه لا يحرم على غيره الدفن فيه قبل موته ويحرم على غيره الدفن فيه بعده ، ومع ذلك إذا تعدى أحد بالدفن فيه لا يخرج منه الميت ، ولا يجوز نبشه كما لو شرع في الإحياء وتحجر مواتا يحرم على غيره البناء فيه ومع ذلك إذا بناه غير ملكه بالإحياء ، هذا وينبغي أن يعلم أن ما جرت به العادة الآن من حفر الفساقي في المسبلة وبنائها قبل الموت حرام ; لأن الغير وإن جاز له الدفن لكنه يمتنع منه احتراما للبناء ، وإن كان محرما وخوفا من الفتنة ، ونظير ذلك ما تقدم في الصلاة من أنه يحرم بعث السجاجيد لتفرش في المساجد إلى حضور أربابها وعللوه بأن فيه تضييقا على المصلين ، وأنهم وإن جاز لهم رفعها يمتنعون منه خوفا من الفتنة ، ومع ذلك لو تعدى أحد ودفن فيه لا يجوز نبشه ولا يغرم ما صرفه الأول في البناء ; لأن فعله هدر ( قوله : ولا يجوز دفن مسلم في مقبرة الكفار ) أي حيث وجد غيرها ( قوله : كما مر ) أي من أنهم يدفنون بين مقابر المسلمين والكفار ( قوله : ويجوز جعل مقبرة أهل الحرب ) ومثلهم أهل الذمة ، وإنما قيد بهم ; لأن أهل الذمة الأحياء يختصون بمقابرهم فلعل المنع من جهة أحيائهم ( قوله : بعد اندراسها ) قضيته أنه لا يجوز قبل اندراسها ، وفيه أن الحربيين لا احترام لهم ، بل يجوز إغراء الكلاب على جيفتهم [ ص: 30 ] فالقياس الجواز مطلقا قبل الاندراس وبعده
حاشية المغربي
[ ص: 29 ] قوله وأوجههما إجابة السيد ) أي بناء على المرجوح من أن الملك لا يزول بالموت ، إذ لا يلزم من البناء الاتحاد في الترجيح