فصل في بقية الشروط السبعة وقد مر منها أربعة : الثلاثة التي في المتن ، وحلول رأس المال ، والخامس القدرة على تسليمه فحينئذ ( يشترط كون المسلم فيه مقدورا على تسليمه ) بلا مشقة كبيرة ( عند وجوب التسليم ) وذلك بالعقد إن كان حالا وبالحلول إن كان مؤجلا ، لأن المعجوز عن تسليمه يمتنع بيعه فيمتنع السلم فيه ، فإن أسلم في منقطع عند العقد أو الحلول كرطب في الشتاء لم يصح ، وكذا لو ظن حصوله عند الوجوب لكن بمشقة عظيمة كقدر كثير من الباكورة ، وصرح بهذا مع كونه داخلا في قوله مع شروط البيع ليرتب عليه ما بعده وليبين به محل القدرة المفترقين فيها ، فإن بيع المعين تعتبر فيه عند العقد مطلقا وهنا يعتبر هذا تارة وتارة يعتبر الحلول كما تقرر ، ويأتي في تعبيره [ ص: 193 ] بالتسليم ما مر في البيع ( فإن كان يوجد ببلد آخر ) ولو بعيدا ( صح ) السلم فيه ( إن اعتيد نقله ) إلى محل التسليم ( للبيع ) للقدرة حينئذ عليه ولا يحتاج لزيادة كثيرا لفهمه من الاعتياد .
( وإلا ) بأن لم يعتد نقله لنحو البيع بأن نقل له نادرا أو لم ينقل أصل أو نقل لنحو هدية ( فلا ) يصح السلم فيه لانتفاء القدرة عليه ، ولا ينافيه ما سيأتي أن المسلم فيه لو انقطع فإن وجد فيما دون مسافة القصر وجب تحصيله وإلا فلا ، ولم يعتبروا هنا قرب المسافة لأنه لا مؤنة لنقله هنا على المسلم إليه ، فاعتياد نقله للمعاملة من محل إلى محل التسليم كاف في الصحة وإن تباعدا بخلافها فيما يأتي فإنها لازمة له فاعتبر لتحقيقها قرب المسافة ، واعتبار محل التسليم الذي قررناه أولى من اعتبار كثير محل العقد كما أفاده الشيخ رحمه الله تعالى وإن كان تبعهم في شرح البهجة ( ولو ) ( أسلم فيما يعم ) وجوده ( فانقطع ) جميعه أو بعضه لجائحة أفسدته ، وإن وجد ببلد آخر وكان يفسد بنقله أو لا يوجد إلا عند من لا يبيعه أصلا أو يبيعه بأكثر من ثمن مثله أو كان ذلك البلد على مسافة القصر من بلد التسليم ( في محله ) بكسر الحاء : أي وقت حلوله وكذا [ ص: 194 ] بعده وإن كان التأخير لمطله ( لم ينفسخ في الأظهر ) لأن المسلم فيه يتعلق بالذمة فأشبه إفلاس المشتري بالثمن ، والثاني ينفسخ كما لو تلف المبيع قبل القبض ورد بما تقدم ، ولو وجده يباع بثمن غال : أي ولم يزد على ثمن مثله وجب تحصيله .
وهذا هو مراد الروضة بقولها وجب تحصيله وإن علا سعره ، لا أن المراد أنه يباع بأكثر من ثمن مثله لأن الشارع جعل الموجود بأكثر من قيمته كالمعدوم كما في الرقبة وماء الطهارة ، وأيضا فالغاصب لا يكلف ذلك أيضا على الأصح فهنا أولى ، وفرق بعضهم بين الغصب وما هنا بما لا يجدي ، وفي معنى انقطاعه ما لو غاب المسلم إليه وتعذر الوصول إلى الوفاء مع وجود المسلم فيه ( فيتخير المسلم ) ولو مع قول المسلم إليه خذ رأس مالك ( بين فسخه ) في جميعه دون بعضه المنقطع فقط ( والصبر حتى يوجد ) فيطالبه به دفعا للضرر وخياره على التراخي فلو أجاز ثم عن له الفسخ مكن منه ولو أسقط حقه من الفسخ لم يسقط ( ولو علم قبل المحل ) بكسر الحاء ( انقطاعه عنده فلا خيار قبله ) ولا ينفسخ بنفسه حينئذ ( في الأصح ) فيهما لأنه لم يدخل وقت وجوب التسليم : والثاني نعم لتحقق العجز في الحال .
حاشية الشبراملسي
( فصل ) في بقية الشروط ( قوله : وحلول رأس المال ) أي المتقدم في قوله أول الكتاب ولا بد من حلول رأس المال كما قاله nindex.php?page=showalam&ids=11872القاضي أبو الطيب كالصرف ( قوله : بلا مشقة كبيرة ) أي بالنسبة لغالب الناس في تحصيله إلى موضع وجوب التسليم ( قوله : وكذا لو ظن ) أي فإنه لا يصح : أي وعليه فلو تبين أنه كثير في نفس الأمر فهل يتبين صحة العقد اكتفاء بما في نفس الأمر أو لا نظرا لعقد الشرط ظاهرا ؟ فيه نظر ، وقضية قولهم العبرة في شروط البيع بما في نفس الأمر الأول ، وقوله : مع شروط البيع : أي المذكور أول الباب يشترط له مع شروط البيع شروط ( قوله : وصرح بهذا ) أي قوله يشترط كون المسلم فيه إلخ ( قوله : وليبين به محل القدرة ) هذا التعليل أولى مما قبله لأن محصل هذا أن الشرط كون القدرة عليه في محله ، وهذا زيادة على مفهوم القدرة على التسليم فلا ينافي أن الأمور المعتبرة سبعة ليس منها القدرة على التسليم ، بخلاف الجواب الأول فإنه يستلزم أن من الشروط المعتبرة القدرة على التسليم مع القدرة على التسليم ، وهو كلام لا معنى له ويحوج إلى تأويل العبارة بما يخرجها عن عدها شرطا ( قوله : المفترقين ) أي البيع والسلم ( قوله : تعتبر ) أي القدرة ( قوله : مطلقا ) لمجرد التأكيد إذ المعنى لا يدخله أجل وعبارته توهم أنه [ ص: 193 ] يصح حالا ومؤجلا وليس كذلك ، فلعل مراده أنه ليس له إلا هذه الحالة وهي كونه حالا أو أن المراد سواء أكان ثمنه حالا أو مؤجلا لكن هذا بعيد عن السياق فلو أسقط مطلقا لكان أولى ( قوله : ما مر في البيع ) من أن قدرة المشتري على التسليم كافية كمن اشترى مغصوبا يقدر على انتزاعه ، وقد يفرق بين ما هنا وبين البيع بأن البيع لما ورد على شيء بعينه اكتفي بقدرة المشتري على انتزاعه ، بخلاف ما هنا فإن السلم إنما يرد على ما في الذمة فلا بد من قدرة المسلم إليه على إقباضه .
قال سم على حج بعد مثل ما ذكر من جملة كلام : وأما ثالثا فلا نسلم هذا الفرق لأن المسلم إليه لو ملك قدر المسلم فيه فغصبه منه غاصب فقال المسلم القادر على تخليصه : تسلمه عن حقك فتسلمه فالظاهر الإجزاء ، فهذا تسلم أجزأ في السلم فليتأمل ا هـ ( قوله : للبيع ) أي كثيرا أخذا من قوله الآتي نادرا ( قوله : كثيرا ) أي بعد قوله إن اعتيد نقله ( قوله : من الاعتياد ) قد يمنع لكن الظاهر أن المتبادر من الاعتياد الكثرة وإن لم تلزمه ا هـ سم على حج ، ومن ثم قال في المصباح : العادة معروفة ، وسميت بذلك لأن صاحبها يعاودها : أي يرجع إليها مرة بعد أخرى ، وعودته كذا فاعتاده وتعودته : أي صيرته له عادة ، واستعدت الرجل : سألته أن يعود ، واستعدته الشيء : سألته أن يفعله ثانيا ا هـ ( قوله : أو نقل لنحو هدية ) أي ما لم يعتد المهدى إليه بيعها وإلا فتكون كالمنقول للبيع .
وبقي ما لو كان المسلم إليه هو المهدى إليه هل يصح أيضا ؟ فيه نظر ، والأقرب عدم الصحة لأنه لا يتقاعد عما لو أسلم في لحم الصيد الذي يعز وجوده لمن هو عنده وقد قالوا فيه بعدم الصحة على المعتمد .
وأما لو أسلم إلى كافر في عبد مسلم فإنه لا يصح ولو كان عنده عبد كافر وأسلم لندرة ملكه له اللهم إلا أن يقال لما اعتيد نقله للمهدى إليه كثيرا وهو المسلم إليه : صيره بمنزلة الموجود وقت وجوب التسليم .
( قوله : وإلا فلا ) أي بأن وجد في مسافة القصر فما فوقها ( قوله : على المسلم إليه ) أي بل هي على الناقل ( قوله : أولى من اعتبار إلخ ) أي لأنهما لو عينا للتسليم غير محل العقد تعين ( قوله : أو يبيعه بأكثر ) ظاهره وإن قلت الزيادة ، وينبغي خلافه فيما لو كان قدرا يتغابن به ، هذا ، وقال حج : أما لو جد عند من لا يبيعه إلا بأكثر من ثمن مثله يلزمه تحصيله بذلك الأكثر ، وفارق الغاصب بأنه التزم التحصيل بالعقد باختياره وقبض البدل ، فالزيادة في مقابلة ما حصل له من نماء ما قبضه بخلاف الغاصب ، وأيضا فالسلم عقد وضع للربح فلزم المسلم إليه تحصيل هذا الغرض الموضوع له العقد وإلا لانتفت فائدته ، والغصب باب تعد والمماثلة فيه مطلوبة بنص قوله تعالى { بمثل ما اعتدى عليكم } ا هـ ( قوله : أو كان ذلك البلد ) أي الذي يوجد فيه ( قوله : على مسافة القصر ) يفهم أنه لو كان على ما دون مسافة القصر فلا خيار ، وقوله : وكذا بعده قد يشمله ما قبله ا هـ سم على حج ، وما قبله هو قوله وقت حلوله وذلك لأن ما بعد وقت الحلول يصدق عليه أنه وقت يجب فيه التسليم فيكون وقتا للحلول ( قوله : بكسر الحاء ) أي لأنه يقال في الفعل منه حل الدين [ ص: 194 ] يحل بالكسر ، واسم الزمان والمكان منه على مفعل بالكسر .
أما اسم المكان من حل بمعنى نزل بالمكان فبالفتح والكسر لغة لأن مضارعه يحل بالضم ( قوله : لم ينفسخ في الأظهر ) قال الشيخ عميرة : هذا الخلاف جار ، ولو كان سبب الانقطاع بتقصير المسلم إليه في الإعطاء وقت المحل أو موته قبل الحلول أو غيبة أحد العاقدين وقت الحلول ثم حضر فوجده انقطع في حال الغيبة بعد الحل ا هـ رحمه الله .
أقول : وكذا هو شامل لما لو كان سبب الانقطاع امتناع المسلم من قبض المسلم فيه بعد عرض المسلم إليه للمسلم فيه على المسلم ، وقياس ما قدمناه فيما لو دفع المسلم بعض رأس المال دون بعض من أن العقد يفسخ فيما لم يقبض مقابله وأنه لا خيار للمسلم لكون الفسخ نشأ من تقصيره بعدم الإقباض أن المسلم هنا لا خيار له لحصول التفريق من جهته ( قوله : ورد بما تقدم ) أي من قوله لأن المسلم فيه يتعلق بالذمة ( قوله : كما في الرقبة ) أي الرقبة الواجبة في الكفارة ( قوله : وفرق بعضهم ) مراده حج ( قوله : وتعذر الوصول ) أي بأن لم يكن له مال في البلد ، أو كان وشق الوصول إليه بأن لم يكن ثم قاض ، أو كان وامتنع من البيع عليه إما مطلقا ، أو امتنع إلا برشوة وإن قلت ( قوله : خذ رأس مالك ) أي فلا يجبر على قبول رأس المال بل هو على خياره بين الصبر والفسخ ( قوله : دون بعضه المنقطع ) أي قهرا ، أما إذا تراضيا على ذلك فيجوز أخذا مما تقدم فيما لو باع عبدين وظهر عيب أحدهما زاد حج : وإن قبض ما عداه وأتلفه فإذا فسخه لزمه بدله ورجع برأس ماله ( قوله : حتى يوجد ) أي ولو في العام القابل مثلا ( قوله : ولا ينفسخ بنفسه ) أي الانقطاع .
حاشية المغربي
[ ص: 192 ] فصل ) في بقية الشروط ( قوله : ليرتب عليه ما بعده ) هذا وإن نفع في مجرد تصريحه بهذا الشرط إلا أنه لا ينفع في قول الشارح فيما سبق سبعة وقوله : وليبين إلخ فيه أن البيع لا ينحصر في بيع المعين كما مرت الإشارة إليه ، والحاصل أنه لم يحصل جواب عن عد هذا شرطا زائدا عن شروط البيع .
[ ص: 193 - 194 ] قوله : ولو وجده يباع بثمن غال إلخ ) كان ينبغي تأخير هذا عن قول المصنف الآتي حتى يوجد