ثم ذكر النجاسة المخففة فقال ( وما نجس ببول صبي لم يطعم ) بفتح أوله وثالثه : أي لم يأكل ولم يشرب قبل مضي حولين ( غير لبن ) [ ص: 257 ] على وجه التغذي ( نضح ) بضاد معجمة وحاء مهملة ، وقيل بمعجمة أيضا .
أما الرضاع بعدهما فبمنزلة الطعام .
ووجهه أنه إذا كبر غلظت معدته وقويت على الاستحالة وربما كانت تحيل إحالة مكروهة ، فالحولان أقرب مرد فيه ولهذا يغسل من بول الأعراب الذين لا يتناولون إلا اللبن ولا يضر تناوله السفوف ونحوه للإصلاح .
ويؤخذ من ذلك أنه لو أكل قبلهما طعاما للتغذي ثم تركه وشرب اللبن فقط غسل من بوله ولا ينضح وهو الأوجه ، وخرج الأنثى والخنثى فلا بد في بولهما من الغسل .
ولا فرق في اللبن بين أن يكون طاهرا أو نجسا ولو من مغلظة من آدمي أو غيره .
والفرق بين الصبي وغيره أن الائتلاف بحمله أكثر ، فخفف في بوله للقاعدة الصحيحة أن المشقة تجلب التيسير وأن الأمر إذا ضاق اتسع ، ويعضدها أن أصل الشرع وضع الحرج فيما يشق الاحتراز عنه وأن بوله أرق من بولها فلا يلصق بالمحل لصوق بولها به ، وما اعترض به ذكرت جوابه في شرح العباب ، وعلم مما تقرر أن تناوله ما سوى اللبن للتغذي يمنع نضحه ويوجب غسله ، سواء استغنى به عن اللبن أم لا ، وإنما يكفي النضح حيث غلب الماء على المحل ، ولا يشترط في نضح نحو الثوب السيلان بخلاف الغسل فيه لا بد فيه منه .
وقضية إطلاقهم والحديث الآتي أن النضح يكفي وإن بقي الطعم واللون والريح ، وهو المناسب للرخصة والأوجه كما قاله الشيخ خلافه ويدل لذلك قول الإسنوي المتجه أن هذه النجاسة كغيرها ، وحمل وجوب إزالة أوصافها على غير المخففة يحتاج لدليل ، ويحمل كلامهم على الغالب من سهولة زوالها .
( قوله : وما نجس ببول صبي . إلخ ) دخل في ما غير الآدمي كإناء وأرض فيطهر بالنضح كما هو مقتضى إطلاقهم ، ولا ينافيه قوله : م الآتي : وفارقت الذكر إلخ ، لأن الابتلاء المذكور حكمته في الأصل فلا ينافي تخلفه في غير الآدمي ، وعموم الحكم ا هـ سم على حج .
قال شيخنا الحلبي : لو وقعت قطرة من هذا البول في ماء قليل وأصاب شيئا وجب غسله ولا يكفي نضحه ، ولو أصاب ذلك البول الصرف شيئا كفى النضح وإن لم يكن في أول خروجه بأن كان في إناء كالقصرية مثلا أخذا بعموم قولهم ما نجس ببول صبي لصدقه بغير أول خروجه ولا تتوقف الرخصة على ملاقاته من محله ومعدنه .
أقول وإنما لم يكتف بالنضح في الواصل من الماء المذكور لأنه لما تنجس بالبول الذي وقع فيه صدق عليه أنه تنجس بغير البول ( قوله : لم يطعم أي لم يأكل ولم يشرب ) عبارة المختار : والطعم بالضم الطعام ، وقد طعم بالكسر طعما بضم الطاء إذا أكل أو ذاق فهو طاعم .
قال الله تعالى { فإذا طعمتم فانتشروا } وقال { ومن لم يطعمه فإنه مني } أي من لم يذقه ، وظاهره أنه لا يطلق الطعم على المشروب إلا أن يقال إن قوله أو ذاق يدخل المشروب لأنه يصدق على من شربه أنه ذاقه ( قوله : قبل مضي حولين ) أي تحديدا أخذا من قول الزيادي الآتي لو شرب اللبن ( قوله : غير لبن ) أي ولو سمنا أو جبنا ا هـ حج ، وظاهره ولو من أمه وهو كذلك فيغسل منه ، وكتب عليه سم قوله : لم يطعم إلخ هل قشدة اللبن وسمنه كاللبن أو لا م ر ، ولهذا لا يحنث من حلف لا يأكل لبنا فيه نظر ، وقوله : أو لا اعتمده م ر ، ونقل بالدرس عن شيخنا العلامة الحلبي أن مثل اللبن القشدة .
أقول : وهو قريب لا يتجه غيره .
وأما السمن فقد [ ص: 257 ] علمت من كلام حج وجوب الغسل بسببه ( قوله : وقيل بمعجمة أيضا ) قال الشيخ عميرة : وقيل ما ثخن كالطين فبالمعجمة وما رق كالماء فبالمهملة ( قوله : فبمنزلة الطعام ) قضيته أنه لو شرب قبل الحولين وبال بعدهما لا يغسل من بوله ، وفي الزيادي خلافه وعبارته : لو شرب اللبن قبل الحولين ثم بال بعدهما قبل أن يأكل غير اللبن فهل يكفي فيه النضح أو يجب فيه الغسل ؟ لأن تمام الحولين نازل منزلة أكل غير اللبن ؟ الذي يظهر الثاني كما اعتمده شيخنا الطندتائي ا هـ .
وعبارة سم على شرح البهجة الكبير قوله : قبل تمام الحولين ينبغي أو مع التمام بأن شرب اللبن مع التمام ونزل مع التمام ا هـ .
ولو شك هل البول قبلهما أو بعدهما فينبغي أن يكتفى فيه بالنضح ، لأن الأصل عدم بلوغ الحولين وعدم كون البول بعدهما ( قوله : السفوف ) عبارة المختار : وكل ما يؤخذ غير معجون فهو سفوف بفتح السين ( قوله : وضع الحرج ) أي رفعه ( قوله : لا بد فيه منه ) أي من السيلان ( قوله : في حجره ) هو بالكسر لا غير اسم لما بين يديك من ثوبك وبمعنى المنع مثلث ا هـ قاموس .
وكذا حجر الإنسان اسم لما بين الإبط إلى الكشح مثلث أيضا وفي النهاية أن طرف الثوب بالفتح والكسر ، وفي المصباح : وحجر الإنسان بالفتح ، وقد يكسر حضنه وهو ما دون إبطه إلى الكشح ، وهو في حجره : أي في كنفه وحمايته والجمع حجور ، ثم قال : والحضن [ ص: 258 ] ما دون الإبط إلى الكشح ، والجمع : أحضان مثل : حمل وأحمال ا هـ .