ثم : مغلظة ومخففة ومتوسطة ، وبدأ بأولها فقال ( النجاسة على ثلاثة أقسام ) سواء أكان بجزء منه أم من فضلاته ، أم بما تنجس بشيء منهما كأن ولغ في بول أو ماء كثير متغير بنجاسة ثم أصاب ذلك الذي ولغ فيه ثوبا ولو معضه من صيد أو غيره ، وسواء أكان جافا ولاقى رطبا أم عكسه ( غسل سبعا إحداهن ) في غير أرض ترابية ( بتراب ) ولو طينا رطبا كما أفتى به وما نجس بملاقاة شيء من [ ص: 252 ] كلب الغزالي لأنه تراب بالقوة ، ويكفي العدد المذكور بشرطه وإن تعدد الوالغ أو الولوغ أو لاقته نجاسة أخرى .
والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { } ، وفي رواية { طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسله سبع مرات أولاهن بالتراب } وفي أخرى { أولاهن ، أو أخراهن بالتراب } أي بأن تصاحب السابعة لرواية : السابعة بالتراب المعارضة لرواية أولاهن في محله فيتساقطان في تعيين محله ، ويكفي في واحدة من السبع كما في رواية { وعفره الثامنة بالتراب بالبطحاء } على أنه لا تعارض لإمكان الجمع بحمل رواية أولاهن على الأكمل لعدم احتياجه بعد ذلك إلى تتريب ما يترشرش من جميع الغسلات ، ورواية : السابعة على الجواز ، ورواية إحداهن على الأجزاء وهو لا ينافي الجواز أيضا ، وقد أمر بالغسل من ولوغه بفمه وهو أطيب أجزائه فغيره من بوله وعرقه وروثه ونحوها أولى ، والغسلات المزيلة للعين تعد واحدة [ ص: 253 ] وإن كثرت وإنما حسب العدد المأمور به في الاستنجاء قبل زوال العين ، لأنه محل تخفيف وما هنا محل تغليظ ، فلا يقاس هذا بذاك . إحداهن
ولو لم يجب تسبيع دبره من خروجه وإن خرج بعينه قبل استحالته فيما يظهر ، وأفتى به أكل لحم كلب البلقيني لأن الباطن محيل ، وقد أفتى الوالد رحمه الله في حمام غسل داخله كلب ولم يعهد تطهيره واستمر الناس على دخوله والاغتسال فيه مدة طويلة وانتشرت النجاسة إلى حصره وفوطه ونحوهما بأن ما تيقن إصابة شيء له من ذلك نجس وإلا فطاهر لأنا لا ننجس بالشك ، ويطهر الحمام بمرور الماء عليه سبع مرات إحداها بطفل مما يغتسل به فيه لحصول التتريب كما صرح به جماعة ، ولو مضت مدة يحتمل أنه مر عليه ذلك ولو بواسطة الطين الذي في نعال داخلية لم يحكم بالنجاسة لداخليه ، كما في الهرة إذا أكلت نجاسة وغابت غيبة يحتمل فيها طهارة فمها ( والأظهر تعين التراب ) ولو غبار رمل وإن عدم أو أفسد الثوب أو زاد في الغسلات فجعلها ثمانية مثلا ، لأن القصد به التطهير الوارد وهو لا يحصل بغير ما تقدم ، وقد نص في الحديث عليه فلا يقوم غيره مقامه كالتيمم ، ولأنه غلظ في ذلك بالجمع بين جنسين فلا يكفي أحدهما كزنا البكر غلظ فيه بالجمع بين الجلد والتغريب فلم يكتف بأحدهما ، وخرج المزج بنحو أشنان وصابون ونخالة ودقيق ، وإنما لم يلحق بالتراب نحو الصابون وإن ساواه في كونه جامدا وفي الأمر به في التطهير لأنه لا يجوز أن يستنبط من النص معنى يبطله ، ومقابل الأظهر لا يتعين ويقوم [ ص: 254 ] ما ذكر ونحوه مقامه ( و ) الأظهر ( أن الخنزير ككلب ) لأن الخنزير أسوأ حالا من الكلب ، لأن تحريمه منصوص عليه في القرآن ومتفق عليه ، وتحريم الكلب مجتهد فيه ومختلف فيه ، ولأنه لا يحل اقتناؤه بحال بخلاف الكلب ، ولأنه يندب قتله لا لضرورة ، والفرع المتولد منهما أو من أحدهما يتبع الأخس في النجاسة عملا بالقاعدة المتقدمة والثاني يكفي غسل ذلك مرة واحدة من غير تراب كسائر النجاسات لأن الوارد في الكلب وما ذكر لا يسمى كلبا ، ولو غمس المتنجس بما ذكر في ماء كثير راكد وحركه سبعا وتربه طهر ، وإن لم يحركه فواحدة ، ويفارق ما مر في انغماس المحدث من تقدير الترتيب بأن الترتيب صفة تابعة والعدد ذوات مقصودة فلا يقاس أحدهما بالآخر ، ويظهر في تحريكه أن الذهاب مرة والعود أخرى .
ويفرق بينه وبين ما يأتي في تحريك اليد في الحك في الصلاة بأن المدار ثم على العرف ، أو في جار وجرى عليه سبع جريات حسبت سبعا ولو لم ينجس الماء ولا الإناء وإن أصاب جرمه المستور بالماء ، وتكون كثرة الماء مانعة من تنجسه كما صرح به ولغ كلب في إناء فيه ماء كثير ولم ينقص بولوغه عن قلتين الإمام وغيره .
ولو طهر الماء لا الإناء ( ولا يكفي تراب ) [ ص: 255 ] ولغ في إناء فيه ماء قليل ثم بلغ قلتين
مستعمل في حدث أو نجس ، ولا ( نجس ) في الأصح ، بل لا بد أن يكون مما يصح التيمم به فلا يكفي التراب المحرق ولا المتنجس بعينية أو حكمية بواسطة أو غيرها ، والأوجه أنه يكفي هنا الرمل الذي له غبار وإن كان نديا ، والتراب ولو اختلط بنحو دقيق حيث كان لو مزج بالماء لاستهلكت أجزاء الدقيق ووصل التراب الممزوج بالماء إلى جميع المحل وإن لم يكف في التيمم لظهور الفارق ، ومقابل الأصح أنه يكفي كالدباغ بالشيء النجس ( ولا ) يكفي ( ممزوج بمائع ) كخل ( في الأصح ) إلا إذا مزجه بعد ذلك بماء ولم يفحش تغيره بنحو الخل ، ويكفي مزج التراب خارج الإناء المتنجس أو فيه سواء أصب الماء أولا أم التراب .
والضابط أن يعم محل النجاسة بأن يكون قدرا يقدر الماء ويصل بواسطته إلى جميع أجزاء المحل ، ويقوم مقام التتريب الماء الكدر كماء النيل أيام زيادته وكماء السيل المتترب ، ومقابل الأصح يكفي التراب الممزوج بالمائع لحصول المقصود بذلك .
وخرج بقولنا في غير أرض ترابية الترابية إذ لا معنى لتتريب التراب ، ويؤخذ منه أنه لا فرق بين التراب المستعمل وغيره فلا يجب تتريبه [ ص: 256 ] مطلقا ، بخلاف الأرض الحجرية والرملية التي لا غبار فيهما فلا بد من تتريبهما ، والمراد بالأرض الترابية ما فيها تراب ، ولو أصاب شيء منها ثوبا قبل تمام السبع اشترط في تطهيره تتريبه ، ولا يكون تبعا لها لانتفاء العلة فيها وهي أنه لا معنى لتتريب التراب ، وأيضا فالاستثناء معيار العموم ، ولم يستثنوا من تتريب النجاسة المغلظة إلا الأرض الترابية ، كذا أفتى به الوالد رحمه الله تعالى وهو المعمول به المعول عليه وإن نسب إليه أنه أفتى قبله بخلافه .
نعم لو جمع التراب المتطاير وأراد تطهيره لم يحتج إلى تتريبه أخذا من العلة السابقة كما هو ظاهر .