( ويكون واجبا عند التوقان ) فإن تيقن الزنا إلا به فرض نهاية وهذا إن ملك المهر والنفقة ، وإلا فلا إثم بتركه بدائع [ ص: 7 ] ( و ) يكون ( سنة ) مؤكدة في الأصح فيأثم بتركه ويثاب إن نوى تحصينا وولدا ( حال الاعتدال ) أي القدرة على وطء ومهر ونفقة ورجح في النهر وجوبه للمواظبة عليه والإنكار على من رغب عنه ( ، ومكروها لخوف الجور ) فإن تيقنه حرم ذلك [ ص: 8 ] ويندب إعلانه وتقديم خطبة وكونه في مسجد يوم جمعة بعاقد رشيد وشهود عدول ، والاستدانة له والنظر إليها قبله ، وكونها دونه سنا وحسبا وعزا ، ومالا وفوقه خلقا وأدبا [ ص: 9 ] وورعا وجمالا وهل يكره الزفاف المختار لا إذا لم يشتمل على مفسدة دينية .
( قوله : عند التوقان ) مصدر تاقت نفسه إلى كذا إذا اشتاقت من باب طلب بحر عن المغرب وهو بالفتحات الثلاث كالميلان والسيلان ، والمراد شدة الاشتياق كما في الزيلعي : أي بحيث يخاف الوقوع في الزنا لو لم يتزوج إذ لا يلزم من الاشتياق إلى الجماع الخوف المذكور بحر .
قلت : وكذا فيما يظهر لو كان لا يمكنه منع نفسه عن النظر المحرم أو عن الاستمناء بالكف ، فيجب التزوج ، وإن لم يخف الوقوع في الزنا ( قوله : فإن تيقن الزنا إلا به فرض ) أي بأن كان لا يمكنه الاحتراز عن الزنا إلا به ; لأن ما لا يتوصل إلى ترك الحرام إلا به يكون فرضا بحر ، وفيه نظر إذ الترك قد يكون بغير النكاح وهو التسري ، وحينئذ فلا يلزم وجوبه إلا لو فرضنا المسألة بأنه ليس قادرا عليه نهر لكن قوله : لا يمكنه الاحتراز عنه إلا به ظاهر في فرض المسألة في عدم قدرته على التسري وكذا في عدم قدرته على الصوم المانع من الوقوع في الزنا فلو قدر على شيء من ذلك لم يبق النكاح فرضا أو واجبا عينا ، بل هو أو غيره مما يمنعه عن الوقوع في المحرم ( قوله : وهذا إن ملك المهر والنفقة ) هذا الشرط راجع إلى القسمين أعني الواجب والفرض وزاد في البحر شرطا آخر فيهما وهو عدم خوف الجور أي الظلم قال : فإن تعارض خوف الوقوع في الزنا لو لم يتزوج وخوف الجور لو تزوج قدم الثاني فلا افتراض ، بل يكره أفاده الكمال في الفتح ولعله ; لأن الجور معصية متعلقة بالعباد ، والمنع من الزنا من حقوق الله تعالى وحق العبد مقدم عند التعارض لاحتياجه وغنى المولى تعالى . ا هـ .
قلت : ومقتضاه الكراهة أيضا عند عدم ملك المهر والنفقة لأنهما حق عبد أيضا ، وإن خاف الزنا لكن يأتي أنه يندب الاستدانة له قال في البحر : فإن الله ضامن له الأداء فلا يخاف الفقر إذا كان من نيته التحصين والتعفف . ا هـ . ومقتضاه أنه يجب إذا خاف الزنا ، وإن لم يملك المهر إذا قدر على استدانته وهذا مناف للاشتراط المذكور إلا أن [ ص: 7 ] يقال الشرط ملك كل من المهر والنفقة ولو بالاستدانة أو يقال هذا في العاجز عن الكسب ، ومن ليس له جهة وفاء وقدم الشارح في أول الحج أنه لو لم يحج حتى أتلف ماله وسعه أن يستقرض ويحج ولو غير قادر على وفائه ، ويرجى أن لا يؤاخذه الله تعالى بذلك أي لو ناويا وفاءه لو قدر كما قيده في الظهيرية . ا هـ .
وقدمنا أن المراد عدم قدرته على الوفاء في الحال مع غلبة ظنه أنه لو اجتهد قدر ، وإلا فالأفضل عدمه ، وينبغي حمل ما ذكر من ندب الاستدانة على ما ذكرنا من ظنه القدرة على الوفاء وحينئذ فإذا كانت مندوبة عند أمنه من الوقوع في الزنا ينبغي وجوبها عند تيقن الزنا بل ينبغي وجوبها حينئذ ، وإن لم يغلب على ظنه قدرة الوفاء تأمل . مطلب : كثيرا ما يتساهل في إطلاق المستحب على السنة . ( قوله : سنة مؤكدة في الأصح ) وهو محمل القول بالاستحباب وكثيرا ما يتساهل في إطلاق المستحب على السنة وقيل : فرض كفاية ، وقيل واجب كفاية وتمامه في الفتح ، وقيل واجب عينا ورجحه في النهر كما يأتي قال في البحر ودليل السنية حالة الاعتدال الاقتداء بحاله صلى الله عليه وسلم في نفسه ورده على من أراد من أمته التخلي للعبادة كما في الصحيحين ردا بليغا بقوله { nindex.php?page=hadith&LINKID=24881فمن رغب عن سنتي فليس مني } كما أوضحه في الفتح . ا هـ .
وهو أفضل من الاشتغال بتعلم وتعليم كما في درر البحار وقدمنا أنه أفضل من التخلي للنوافل ( قوله : فيأثم بتركه ) لأن الصحيح أن ترك المؤكدة مؤثم كما علم في الصلاة بحر ، وقدمنا في سنن الصلاة أن اللاحق بتركها إثم يسير وأن المراد الترك مع الإصرار وبهذا فارقت المؤكدة الواجب ، وإن كان مقتضى كلام البدائع في الإمامة أنه لا فرق بينهما إلا في العبارة .
( قوله : ويثاب إن نوى تحصينها ) أي منع نفسه ونفسها عن الحرام ، وكذا لو نوى مجرد الاتباع وامتثال الأمر بخلاف ما لو نوى مجرد قضاء الشهوة واللذة ( قوله : أي القدرة على وطء ) أي الاعتدال في التوقان أن لا يكون بالمعنى المار في الواجب والفرض وهو شدة الاشتياق ، وأن لا يكون في غاية الفتور كالعنين ولذا فسره في شرحه على الملتقى بأن يكون بين الفتور والشوق وزاد المهر والنفقة ; لأن العجز عنهما يسقط الفرض فيسقط السنية بالأولى ، وفي البحر والمراد حالة القدرة على الوطء ، والمهر والنفقة مع عدم الخوف من الزنا والجور وترك الفرائض والسنن ، فلو لم يقدر على واحد من الثلاثة أو خاف واحدا من الثلاثة أي الأخيرة فليس معتدلا فلا يكون سنة في حقه كما أفاده في البدائع . ا هـ .
( قوله : للمواظبة عليه والإنكار إلخ ) فإن المواظبة المقترنة بالإنكار على الترك دليل الوجوب ; وأجاب الرحمتي بأن الحديث ليس فيه الإنكار على التارك بل على الراغب عنه ولا شك أن الراغب عن السنة محل الإنكار ( قوله : ومكروها ) أي تحريما بحر ( قوله : فإن تيقنه ) أي تيقن الجور حرم ; لأن النكاح إنما شرع لمصلحة تحصين النفس ، وتحصيل الثواب ، وبالجور يأثم ويرتكب المحرمات فتنعدم المصالح لرجحان هذه المفاسد بحر وترك الشارح قسما سادسا ذكره في البحر عن المجتبى وهو الإباحة إن خاف العجز عن الإيفاء بموجبه . ا هـ . أي خوفا غير راجح ، وإلا كان مكروها تحريما ; لأن عدم الجور من مواجبه والظاهر أنه إذا لم يقصد إقامة السنة بل قصد مجرد التوصل إلى قضاء الشهوة ولم يخف شيئا لم يثب عليه إذ لا ثواب إلا بالنية فيكون مباحا أيضا كالوطء لقضاء الشهوة لكن { nindex.php?page=hadith&LINKID=108185لما قيل له صلى الله عليه وسلم إن أحدنا يقضي شهوته فكيف يثاب فقال صلى الله عليه وسلم ما معناه أرأيت لو وضعها في محرم أما كان يعاقب } فيفيد الثواب [ ص: 8 ] مطلقا إلا أن يقال المراد في الحديث قضاء الشهوة لأجل تحصين النفس ، وقد صرح في الأشباه بأن النكاح سنة مؤكدة ، فيحتاج إلى النية وأشار بالفاء إلى توقف كونه سنة على النية ثم قال : وأما المباحات فتختلف صفتها باعتبار ما قصدت لأجله فإذا قصد بها التقوي على الطاعات أو التوصل إليها كانت عبادة كالأكل والنوم واكتساب المال والوطء . ا هـ .
ثم رأيت في الفتح قال : وقد ذكرنا أنه إذا لم يقترن بنية كان مباحا لأن المقصود منه حينئذ مجرد قضاء الشهوة ، ومبنى العبادة على خلافه .
وأقول : بل فيه فضل من جهة أنه كان متمكنا من قضائها بغير الطريق المشروع فالعدول إليه مع ما يعلمه من أنه قد يستلزم أثقالا فيه قصد ترك المعصية . ا هـ .