الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( وينعقد ) متلبسا ( بإيجاب ) من أحدهما ( وقبول ) من الآخر ( وضعا للمضي ) لأن الماضي أدل على التحقيق ( كزوجت ) نفسي أو بنتي أو موكلتي منك [ ص: 10 ] ( و ) يقول الآخر ( تزوجت ، و ) ينعقد أيضا ( بما ) أي بلفظين ( وضع أحدهما له ) للمضي ( والآخر للاستقبال ) أو للحال ، فالأول الأمر ( كزوجني ) أو زوجيني نفسك أو كوني امرأتي فإنه ليس بإيجاب بل هو توكيل ضمني ( فإذا قال ) في المجلس ( زوجت ) أو قبلت أو بالسمع والطاعة بزازية قام مقام الطرفين وقيل هو إيجاب [ ص: 11 ] ورجحه في البحر والثاني المضارع المبدوء بهمزة أو نون أو تاء كتزوجيني نفسك إذا لم ينو الاستقبال ، [ ص: 12 ] وكذا أنا متزوجك أو جئتك خاطبا لعدم جريان المساومة في النكاح أو هل أعطيتنيها إن المجلس للنكاح ، وإن للوعد فوعد ; ولو قال لها يا عروسي فقالت لبيك انعقد على المذهب ( فلا ينعقد ) بقبول بالفعل كقبض مهر ولا بتعاط ولا بكتابة حاضر بل غائب بشرط إعلام الشهود بما في الكتاب ما لم يكن بلفظ الأمر فيتولى الطرفين فتح [ ص: 13 ] ولا ( بالإقرار على المختار ) خلاصة كقوله : هي امرأتي لأن الإقرار إظهار لما هو ثابت ، وليس بإنشاء ( وقيل إن ) كان ( بمحضر من الشهود صح ) كما يصح بلفظ الجعل ( وجعل ) الإقرار ( إنشاء ، وهو الأصح ) ذخيرة ( ولا ينعقد بتزوجت نصفك على الأصح ) احتياطا خانية بل لا بد أن يضيفه إلى كلها أو ما يعبر به عن الكل ، ومنه الظهر والبطن على الأشبه ذخيرة ورجحوا في الطلاق خلافه [ ص: 14 ] فيحتاج للفرق .

( وإذا وصل الإيجاب بالتسمية ) للمهر ( كان من تمامه ) أي الإيجاب ( فلو قبل الآخر قبله لم يصح ) لتوقف أول الكلام على آخره لو فيه ما يغير أوله .

التالي السابق


( قوله : وينعقد ) قال في شرح الوقاية : العقد ربط أجزاء التصرف أي الإيجاب والقبول شرعا لكن هنا أريد بالعقد الحاصل بالمصدر ، وهو الارتباط لكن النكاح الإيجاب والقبول مع ذلك الارتباط ، إنما قلنا هذا ; لأن الشرع يعتبر الإيجاب والقبول أركان عقد النكاح لا أمورا خارجية كالشرائط ، وقد ذكرت في شرح التنقيح في فصل النهي أن الشرع يحكم بأن الإيجاب والقبول الموجودين حسا يرتبطان ارتباطا حكميا ، فيحصل معنى شرعي يكون ملك المشتري أثرا له فذلك المعنى هو البيع ، فالمراد بذلك المعنى المجموع المركب من الإيجاب والقبول مع ذلك الارتباط للشيء لا أن البيع مجرد ذلك المعنى الشرعي والإيجاب والقبول آلة له كما توهم البعض ; لأن كونهما أركانا ينافي ذلك . ا هـ . أي ينافي كونهما آلة ، وأشار الشارح إلى ذلك حيث جعل الباء للملابسة كما في بنيت البيت بالحجر لا للاستعانة ، كما في كتبت بالقلم .

والحاصل أن النكاح والبيع ونحوهما ، وإن كانت توجد حسا بالإيجاب والقبول ، لكن وصفها بكونها عقودا مخصوصة بأركان وشرائط يترتب عليها أحكام ، تنتفي تلك العقود بانتفائها وجود شرعي زائد على الحسي ، فليس العقد الشرعي مجرد الإيجاب والقبول ولا الارتباط وحده بل هو مجموع الثلاثة وعليه فقوله : وينعقد أي النكاح أي يثبت ويحصل انعقاده بالإيجاب والقبول ( قوله : من أحدهما ) أشار إلى أن المتقدم من كلام العاقدين إيجاب سواء كان المتقدم كلام الزوج ، أو كلام الزوجة والمتأخر قبول ح عن المنح فلا يتصور تقديم القبول ، فقوله : تزوجت ابنتك إيجاب وقول الآخر زوجتكها قبول خلافا لمن قال إنه من تقديم القبول على الإيجاب وتمام تحقيقه في الفتح ( قوله : لأن الماضي إلخ ) قال في البحر : وإنما اختير لفظ الماضي ; لأن واضع اللغة لم يضع للإنشاء لفظا خاصا ، وإنما عرف الإنشاء بالشرع واختيار لفظ الماضي لدلالته على التحقيق والثبوت دون المستقبل . ا هـ .

وقوله : على التحقيق أي تحقيق وقوع الحدث ( قوله : كزوجت نفسي إلخ ) أشار إلى عدم الفرق بين أن يكون الموجب أصيلا أو وليا أو وكيلا وقوله : منك بفتح الكاف ، وليس مراده استقصاء الألفاظ التي تصلح للإيجاب ، حتى يرد عليه أن مثل بنتي ابني ، ومثل موكلتي موكلي ، وأنه كان عليه أن يقول بعد قوله منك بفتح الكاف وكسرها أو من موليتك أو من [ ص: 10 ] موكلتك بفتح الكاف وكسرها أيضا ليعم الاحتمالات فافهم . ( قوله : ويقول لآخر تزوجت ) أي أو قبلت لنفسي أو لموكلي أو ابني ، وموكلتي ط ( قوله : فالأول ) أي الموضع للاستقبال ( قوله : نفسك ) بكسر الكاف مفعول زوجيني أو بفتحها مفعول زوجني ففيه حذف مفعول أحد الفعلين ولو حذفه لشمل الولي والوكيل أيضا أفاده . ح ( قوله : أو كوني امرأتي ) ، ومثله كوني امرأة ابني أو امرأة موكلي وكذا كن زوجي أو كن زوج بنتي أو زوج موكلتي أفاده ح ( قوله : فإنه ليس بإيجاب ) الفاء فصيحة أي إذا عرفت أن قوله بما وضع معطوف على قوله بإيجاب وقبول وعرفت أيضا أن العطف يقتضي المغايرة عرفت أن لفظ الأمر ليس بإيجاب ، لكن هذا يقتضي أن قول الآخر زوجت في هذه الصورة ليس بقبول ، وهو كذلك أي ليس بقبول محض بل هو لفظ قام مقام الإيجاب والقبول كما ذكره الشارح . ويرد عليه أن عطف الحال على الاستقبال يقتضي أن نحو قوله أتزوجك ليس بإيجاب وأن قولها قبلت مجيبة له ليس بقبول مع أنهما إيجاب وقبول قطعا ح .

( قوله : بل هو توكيل ضمني ) أي أن قوله زوجني توكيل بالنكاح للمأمور معنى ، ولو صرح بالتوكيل وقال وكلتك بأن تزوجي نفسك مني فقالت زوجت صح النكاح فكذا هنا غاية البيان ، وأشار بقوله ضمني إلى الجواب عما أورد عليه من أنه لو كان توكيلا لما اقتصر على المجلس ، مع أنه يقتصر .

وتوضيح الجواب كما أفاده الرحمتي : أن المتضمن بالفتح لا تعتبر شروطه بل شروط المتضمن بالكسر والأمر طلب للنكاح فيشترط فيه شروط النكاح من اتحاد المجلس في ركنيه لا شروط ما في ضمنه من الوكالة كما في أعتق عبدك عني بألف لما كان البيع فيه ضمنيا لم يشترط فيه الإيجاب والقبول لعدم اشتراطهما في العتق ; لأن الملك في الإعتاق شرط ، وهو تبع للمقتضى وهو العتق إذ الشروط اتباع فلذا ثبت البيع المقتضى بالفتح بشروط المقتضي بالكسر ، وهو العتق لا بشروط نفسه إظهارا للتبعية فسقط القبول الذي هو ركن البيع ولا يثبت فيه خيار الرؤية والعيب ولا يشترط كونه مقدور التسليم كما ذكره في المنح في آخر نكاح الرقيق ( قوله : فإذا قال ) أي المأمور بالتزويج ( قوله : أو بالسمع والطاعة ) متعلق بمحذوف دل عليه المذكور أي زوجت أو قبلت ملتبسا بالسمع والطاعة لأمرك ولا يحصل السمع والطاعة لأمره إلا بتقدير الجواب ماضيا مرادا به الإنشاء ليتم شرط العقد بكون أحدهما للمضي ( قوله : بزازية ) نص عبارتها قال زوجي نفسك مني فقالت بالسمع والطاعة صح . ا هـ . ونقل هذا الفرع في البحر عن النوازل ونقله في موضع آخر عن الخلاصة فافهم .

( قوله : وقيل هو إيجاب ) مقابل القول الأول بأنه توكيل ، ومشى على الأول في الهداية والمجمع ونسبه في الفتح إلى المحققين ، وعلى الثاني ظاهر الكنز واعترضه في الدرر بأنه مخالف لكلامهم . وأجاب في البحر والنهر بأنه صرح به في الخلاصة والخانية قال في الخانية ولفظ الأمر في النكاح إيجاب وكذا في الخلع والطلاق والكفالة والهبة . ا هـ . قال في الفتح : وهو أحسن ; لأن الإيجاب ليس إلا اللفظ المفيد قصد تحقق المعنى أولا ، وهو صادق على لفظ الأمر ثم قال : والظاهر أنه لا بد من اعتبار كونه توكيلا ، ، وإلا بقي طلب الفرق بين النكاح والبيع حيث لا يتم بقوله بعنيه بكذا فيقول بعت بلا جواب لكن ذكر في البحر عن بيوع الفتح الفرق بأن النكاح لا يدخله المساومة لأنه لا يكون إلا بعد مقدمات ، ومراجعات ، فكان التحقيق بخلاف البيع .

وأورد في البحر على كونه إيجابا ما في الخلاصة : لو قال الوكيل بالنكاح هب ابنتك لفلان فقال الأب : وهبت [ ص: 11 ] لا ينعقد النكاح ما لم يقل الوكيل بعده قبلت ; لأن الوكيل لا يملك التوكيل ، وما في الظهيرية لو قال : هب ابنتك لابني فقال : وهبت لم يصح ما لم يقل أبو الصبي قبلت ، ثم أجاب بقوله إلا أن يقال بأنه مفرع على القول بأنه توكيل لا إيجاب وحينئذ تظهر ثمرة الاختلاف بين القولين لكنه متوقف على النقل ، وصرح في الفتح بأنه على القول بأن الأمر توكيل يكون تمام العقد بالمجيب ، وعلى القول بأنه إيجاب يكون تمام العقد قائما بهما . ا هـ .

أي فلا يلزم على القول بأنه توكيل قول الآمر قبلت ، فهذا مخالف للجواب المذكور ، وكذا يخالفه تعليل الخلاصة بأنه ليس للوكيل أن يوكل نعم ما في الظهيرية مؤيد للجواب لكن قال في النهر إن ما في الظهيرية مشكل إذ لا يصح تفريعه على أن الأمر إيجاب كما هو ظاهر ولا على أنه توكيل لما أنه يجوز للأب أن يوكل بنكاح ابنه الصغير إذ بتقديره يكون تمام العقد بالمجيب غير متوقف على قبول الأب وبه اندفع ما في البحر من أنه مفرع على أنه توكيل . ا هـ .

. لكن قال العلامة المقدسي في شرحه إنما توقف الانعقاد على القبول في قول الأب أو الوكيل : هب ابنتك لفلان أو لابني أو أعطها مثلا ; لأنه ظاهر في الطلب وأنه مستقبل لم يرد به الحاكم والتحقيق ، فلم يتم به العقد بخلاف زوجني ابنتك بكذا بعد الخطبة ونحوها فإنه ظاهر في التحقق والإثبات الذي هو معنى الإيجاب . ا هـ فتأمل هذا .

وفي البحر أنه يبتنى على القول بأنه توكيل أنه لا يشترط سماع الشاهدين للأمر ; لأنه لا يشترط الإشهاد على التوكيل ، وعلى القول الآخر يشترط ثم ذكر عن المعراج ما يفيد الاشتراط مطلقا وهو إن زوجني ، وإن كان توكيلا لكن لما لم يعمل زوجت بدونه نزل منزلة شرط العقد ثم ذكر عن الظهيرية ما يدل على خلافه ، وهو ما يذكره الشارح قريبا من مسألة العقد بالكتابة ويأتي بيانه . ( قوله : والثاني ) أي ما وضع للحال المضارع وهو الأصل عندنا ، ففي قوله كل مملوك أملكه فهو حر يعتق ما في ملكه في الحال لا ما يملكه بعد إلا بالنية وعلى القول بأنه حقيقة في الاستقبال فقوله : أتزوجك ينعقد به النكاح أيضا ; لأنه يحتمل الحال كما في كلمة الشهادة ، وقد أراد به التحقيق لا المساومة بدلالة الخطبة والمقدمات بخلاف البيع كما في البحر عن المحيط .

والحاصل أنه إذا كان حقيقة في الحال فلا كلام في صحة الانعقاد به ، وكذا إذا كان حقيقة في الاستقبال ; لقيام القرينة على إرادة الحال ، ومقتضاه أنه لو ادعى إرادة الاستقبال والوعد لا يصدق بعد تمام العقد بالقبول ويأتي قريبا ما يؤيده . ( قوله : المبدوء بهمزة ) كأتزوجك بفتح الكاف وكسرها ح ( قوله : أو نون ) ذكره في النهر بحثا حيث قال ولم يذكروا المضارع المبدوء بالنون كتزوجك أو نزوجك من ابني وينبغي أن يكون كالمبدوء بالهمزة . ا هـ .

( قوله : كتزوجيني ) بضم التاء ونفسك بكسر الكاف ، ومثله تزوجني نفسك بضم التاء خطابا للمذكر فالكاف مفتوحة . ( قوله : إذا لم ينو الاستقبال ) أي الاستيعاد أي طلب الوعد وهذا قيد في الأخير فقط كما في البحر وغيره . وعبارة الفتح لما علمنا أن الملاحظة من جهة الشرع في ثبوت الانعقاد ولزوم حكمه جانب الرضا عدينا حكمه إلى كل لفظ يفيد ذلك بلا احتمال مساو للطرف الآخر فقلنا لو قال بالمضارع ذي الهمزة أتزوجك فقالت زوجت نفسي انعقد وفي المبدوء بالتاء تزوجني بنتك فقال فعلت عند عدم قصد الاستيعاد ; لأنه يتحقق فيه هذا الاحتمال بخلاف الأول ; لأنه لا يستخبر نفسه عن الوعد ، وإذا كان كذلك والنكاح مما لا يجري فيه المساومة كان للتحقيق في الحال فانعقد به لا باعتبار وضعه للإنشاء ، بل باعتبار استعماله في غرض تحقيقه ، واستفادة الرضا منه حتى قلنا : لو صرح بالاستفهام اعتبر فهم الحال قال في شرح الطحاوي : لو قال هل أعطيتنيها فقال أعطيت إن كان المجلس للوعد فوعد ، وإن كان للعقد فنكاح . ا هـ .

قال الرحمتي : فعلمنا أن العبرة لما يظهر من كلامهما لا لنيتهما ، ألا [ ص: 12 ] ترى أنه ينعقد مع الهزل والهازل لم ينو النكاح ، وإنما صحت نية الاستقبال في المبدوء بالتاء لأن تقدير حرف الاستفهام فيه شائع كثير في العربية . ا هـ . وبه علم أن المبدوء بالهمزة كما لا يصح فيه الاستيعاد لا يصح فيه الوعد بالتزوج في المستقبل عند قيام القرينة على قصد التحقيق والرضا كما قلناه آنفا فافهم ( قوله : وكذا أنا متزوجك ) ذكره في الفتح بحثا حيث قال والانعقاد بقوله أنا متزوجك ينبغي أن يكون كالمضارع المبدوء بالهمزة سواء . ا هـ .

قال ح : لأن متزوج اسم فاعل وهو موضوع لذات قام بها الحدث وتحقق في وقت التكلم فكان دالا على الحال ، وإن كانت دلالته عليه التزامية .

( قوله : أو جئتك خاطبا ) قال في الفتح : ولو قال باسم الفاعل كجئتك خاطبا ابنتك أو لتزوجني ابنتك فقال الأب زوجتك فالنكاح لازم وليس للخاطب أن لا يقبل لعدم جريان المساومة فيه ا هـ .

قال ح : فإن قلت : إن الإيجاب والقبول في هذا ماضيان فلا معنى لذكره هنا : قلت : المعتبر قوله : خاطبا لا قوله : جئتك ; لأنه لا ينعقد به النكاح ولا دخل له فيه ( قوله : ; لعدم جريان المساومة في النكاح ) احترز به عن البيع ، فلو قال أنا مشتر أو جئتك مشتريا لا ينعقد البيع لجريان المساومة فيه ط ( قوله : أن المجلس للنكاح ) أي لإنشاء عقده لأنه يفهم منه التحقيق في الحال فإذا قال الآخر أعطيتكها أو فعلت لزم وليس للأول أن لا يقبل ( قوله : انعقد على المذهب ) صوابه لم ينعقد ، فقد صرح في البحر عن الصيرفية بأن الانعقاد خلاف ظاهر الرواية ، ومثله في النهر ، وكذا في شرح المقدسي عن فوائد تاج الشريعة وفي التتارخانية قال لامرأة بمحضر من الرجال يا عروسي قالت لبيك فنكاح قال القاضي بديع الدين إنه خلاف ظاهر الرواية ( قوله : فلا ينعقد إلخ ) تفريع على ما تقدم من انعقاده بلفظ إلخ ح ( قوله : كقبض مهر ) قال في البحر : وهل يكون القبول بالفعل كالقبول باللفظ كما في البيع ؟ قال في البزازية أجاب صاحب البداية في امرأة زوجت نفسها بألف من رجل عند الشهود ، فلم يقل الزوج شيئا لكن أعطاها المهر في المجلس أنه يكون قبولا ، وأنكره صاحب المحيط وقال الإمام ما لم يقل بلسانه قبلت بخلاف البيع لأنه ينعقد بالتعاطي والنكاح لخطره لا ينعقد حتى يتوقف على الشهود وبخلاف إجازة نكاح الفضولي بالفعل لوجود القول ثمة . ا هـ . ح ( قوله : ولا يتعاط ) تكرار مع قوله بالفعل كقبض مهر وكل منهما تكرار مع قول المتن الآتي ولا بتعاط ، فإن مسألة قبض المهر التي قدمنا نقلها عن البحر بعينها شرح بها المصنف قوله ولا بتعاط ح . مطلب التزوج بإرسال كتاب

( قوله : ولا بكتابة حاضر ) فلو كتب تزوجتك فكتبت قبلت لم ينعقد بحر والأظهر أن يقول فقالت قبلت إلخ إذ الكتابة من الطرفين بلا قول لا تكفي ولو في الغيبة ، تأمل .

( قوله : بل غائب ) الظاهر أن المراد به الغائب عن المجلس ، وإن كان حاضرا في البلد ط ( قوله : فتح ) فإنه قال ينعقد النكاح بالكتاب كما ينعقد بالخطاب . وصورته : أن يكتب إليها يخطبها فإذا بلغها الكتاب أحضرت الشهود وقرأته عليهم وقالت زوجت نفسي منه أو تقول إن فلانا كتب إلي يخطبني فاشهدوا أني زوجت نفسي منه ، أما لو لم تقل بحضرتهم سوى زوجت نفسي من فلان لا ينعقد ; لأن سماع الشطرين شرط صحة النكاح ، وبإسماعهم الكتاب أو التعبير عنه منها قد سمعوا الشطرين [ ص: 13 ] بخلاف ما إذا انتفيا قال في المصفى : هذا أي إذا كان الكتاب بلفظ التزوج ، أما إذا كان بلفظ الأمر كقوله زوجي نفسك مني لا يشترط إعلامها الشهود بما في الكتاب ; لأنها تتولى طرفي العقد بحكم الوكالة ، ونقله عن الكامل ، وما نقله من نفي الخلاف في صورة الأمر لا شبهة فيه على قول المصنف والمحققين ، أما على قول من جعل لفظة الأمر إيجابا كقاضي خان على ما نقلناه عنه فيجب إعلامها إياهم ما في الكتاب . ا هـ .

وقوله : لا شبهة فيه إلخ قال الرحمتي : فيه مناقشة لما تقدم أن من قال إنه توكيل يقول توكيل ضمني فيثبت بشروط ما تضمنه وهو الإيجاب كما قدمناه ، ومن شروطه سماع الشهود فينبغي اشتراط السماع هنا على القولين إلا أن يقال قد وجد النص هنا على أنه لا يجب فيرجع إليه . ا هـ .

[ تنبيه ]

لو جاء الزوج بالكتاب إلى الشهود مختوما فقال : هذا كتابي إلى فلانة فاشهدوا على ذلك لم يجز في قول أبي حنيفة حتى يعلم الشهود ما فيه وعند أبي يوسف يجوز ، وفائدة هذا الخلاف فيما إذا جحد الزوج الكتاب بعد العقد فشهدوا بأنه كتابه ولم يشهدوا بما فيه لا تقبل ولا يقضي بالنكاح . وعند أبي يوسف تقبل ويقضى به أما الكتاب فصحيح بلا إشهاد ، وإنما الإشهاد لتمكن المرأة من إثبات الكتاب إذا جحده الزوج كما في الفتح عن مبسوط شيخ الإسلام ( قوله : ولا بالإقرار ) لا ينافيه صرحوا به أن النكاح يثبت بالتصادق ; لأن المراد هنا أن الإقرار لا يكون من صيغ العقد ، والمراد من قولهم إنه يثبت بالتصادق أن القاضي يثبته به أي بالتصادق ويحكم به أبو السعود عن الحانوتي ( قوله : كما يصح بلفظ الجعل ) أي بأن قال الشهود جعلتما هذا نكاحا فقالا نعم فينعقد ; لأن النكاح ينعقد بالجعل ، حتى لو قالت جعلت نفسي زوجة لك فقبل تم فتح ، ومقتضى التشبيه في عبارة الشارح أن هذا صحيح على القولين وهو ظاهر ( قوله : وجعل ) ماض مبني للمجهول معطوف على صح ( قوله : ذخيرة ) فإنه قال ذكر في صلح الأصل : ادعى رجل قبل امرأة نكاحا فجحدت فصالحها على مائة على أن تقر بذلك فأقرت فهذا الإقرار منها جائز والمال لازم ، وهذا الإقرار بمنزلة إنشاء النكاح لأنه مقرون بالعوض ، فهو عبارة عن تمليك مبتدأ في الحال ، فإن كان بمحضر من الشهود صح النكاح ، وإلا فلا في الأصح . ا هـ .

ملخصا وقال في الفتح قال قاضي خان : وينبغي أن يكون الجواب على التفصيل إن أقرا بعقد ماض ولم يكن بينهما عقد لا يكون نكاحا ، وإن أقر الرجل أنه زوجها وهي أنها زوجته يكون إنكاحا ويتضمن إقرارهما الإنشاء بخلاف إقرارهما بماض لأنه كذب ، وهو كما قال أبو حنيفة إذا قال لامرأته لست لي امرأة ونوى به الطلاق يقع كأنه قال لأني طلقتك ولو قال لم أكن تزوجتها ونوى الطلاق لا يقع لأنه كذب محض . ا هـ . يعني إذا لم تقل الشهود جعلتما هذا نكاحا فالحق هذا التفصيل له .

( قوله : احتياطا ) قال في البحر : وقولهم : إن ذكر بعض ما لا يتجزأ كذكر كله كطلاق نصفها يقتضي الصحة ، وقد ذكر في المبسوط في موضع جوازه إلا أن يقال إن الفروج يحتاط فيها ، فلا يكفي ذكر البعض لاجتماع ما يوجب الحل والحرمة في ذات واحدة فترجح الحرمة كذا في الخانية . ا هـ .

وما صححه في الخانية صححه في الظهيرية أيضا ونصه : ولو أضاف النكاح إلى نصف المرأة فيه روايتان والصحيح أنه لا يصح . ا هـ . ثم راجعت نسخة أخرى من الظهيرية فرأيتها كذا فمن قال إنه في الظهيرية صحح الصحة فكأنه سقط من نسخته لا الباقية فافهم . ( قوله : أو ما يعبر به عن الكل ) كالرأس والرقبة بحر ( قوله : ورجحوا في الطلاق خلافه ) قال في البحر : وقالوا الأصح [ ص: 14 ] أنه لو أضاف الطلاق إلى ظهرها وبطنها لا يقع وكذا العتق ، فلو أضاف النكاح إلى ظهرها وبطنها ذكر الحلواني قال مشايخنا الأشبه من مذهب أصحابنا أنه ينعقد النكاح ، وذكر ركن الإسلام والسرخسي ما يدل على أنه لا ينعقد النكاح كذا في الذخيرة . ا هـ .

أقول : وقال في الذخيرة أيضا في كتاب الطلاق ، وإن قال ظهرك طالق أو بطنك قال السرخسي في شرحه الأصح أنه لا يقع ، واستدل بمسألة ذكرها في الأصل إذا قال ظهرك علي كظهر أمي أو بطنك علي كبطن أمي أنه لا يصير مظاهرا ، وذكر الحلواني في شرحه الأشبه بمذهب أصحابنا أنه يقع الطلاق قال : وهو نظير ما قال مشايخنا فيما إذا أضيف عقد النكاح إلى ظهر المرأة أو إلى بطنها أن الأشبه بمذهب أصحابنا أنه ينعقد النكاح . ا هـ .

( قوله : فيحتاج للفرق ) كذا قال في النهر لكن قد علمت مما نقلناه عن الذخيرة أولا وثانيا أن الحلواني الذي صحح انعقاد النكاح صحح وقوع الطلاق ، وأن السرخسي الذي لم يصحح الانعقاد لم يصحح الوقوع بل صحح عدمه على هذا فلا حاجة للفرق ، وبه ظهر أن ما ذكره في البحر وتبعه الشارح قول ثالث ملفق عن القولين ولا يظهر وجهه ( قوله : كان ) أي التسمية وكذا ضمير قبله ح أي وتذكير الضمير باعتبار المذكور أو ; لأن المراد بالتسمية المسمى أي المهر ( قوله : فلو قبل إلخ ) قال في الفتح : كامرأة قالت لرجل زوجت نفسي منك بمائة دينار فقبل أن تقول بمائة دينار قبل الزوج لا ينعقد ; لأن أول الكلام يتوقف على آخره إذا كان في آخره ما يغير أوله وهنا كذلك فإن مجرد زوجت ينعقد بمهر المثل وذكر المسمى معه يغير ذلك إلى تعيين المذكور فلا يعمل قول الزوج قبله .




الخدمات العلمية