باب الخلع ( هو ) لغة الإزالة ، واستعمل في إزالة الزوجية بالضم وفي غيره بالفتح . وشرعا كما في البحر ( إزالة ملك النكاح ) خرج به الخلع في النكاح الفاسد وبعد البينونة والردة فإنه لغو كما في الفصول
[ ص: 440 ] ( المتوقفة على قبولها ) خرج ما لو قال : خلعتك - ناويا الطلاق - فإنه يقع بائنا غير مسقط للحقوق لعدم توقفه عليه ، بخلاف خالعتك بلفظ المفاعلة ، أو " اختلعي " بالأمر ولم يسم شيئا فقبلت فإنه خلع مسقط ، حتى لو كانت قبضت البدل ردته خانية .
[ ص: 441 ] ( بلفظ الخلع ) خرج الطلاق على مال فإنه غير مسقط فتح ، وزاد قوله ( أو ما في معناه ) ليدخل لفظ المبارأة فإنه مسقط كما سيجيء ، ولفظ البيع والشراء فإنه كذلك كما صححه في الصغرى خلافا للخانية ، وأفاد التعريف صحة خلع المطلقة رجعيا . ( ولا بأس به عند الحاجة ) للشقاق بعدم الوفاق ( بما يصلح للمهر ) بغير عكس كلي لصحة الخلع بدون العشرة وبما في يدها وبطن غنمها وجوز العيني انعكاسها .
باب الخلع أخره عن الإيلاء لأن الإيلاء لتجرده عن المال كان أقرب إلى الطلاق ، بخلاف الخلع فإن فيه معنى المعاوضة من جانب المرأة ، ولأن مبنى الإيلاء نشوز من قبله والخلع نشوز من قبلها غالبا ، فقدم ما بالرجل على ما بالمرأة عناية ( قوله : هو لغة الإزالة إلخ ) يقال : خلعت النعل وغيره خلعا نزعته ، وخالعت المرأة زوجها مخالعة إذا افتدت منه فخلعها هو خلعا والاسم الخلع بالضم وهو استعارة من خلع اللباس لأن كل واحد منهما لباس للآخر ، فإذا فعلا ذلك فكأن كل واحد نزع لباسه عنه بحر عن المصباح ( قوله : واستعمل إلخ ) ظاهره أنه خاص بالضم في ذلك وهو اسم المصدر ، وهو خلاف ما مر عن المصباح وأنه تصرف لغوي ، ونظيره ما مر في الطلاق أن الطلاق والإطلاق رفع القيد مطلقا لكنه خص الطلاق لغة برفع قيد النكاح واستعمل في غيره الإطلاق ( قوله : وفي غيره ) الأنسب وفي غيرها ط ( قوله : ملك النكاح ) شمل ما لو خالع المطلقة رجعيا بمال فإنه يصح ويجب المال بحر وسيأتي ( قوله : فإنه لغو ) لأن النكاح الفاسد لا يفيد ملك المتعة ، وبالبينونة والردة حصلت الإزالة قبله ، فلم يكن في الخلع إزالة . قال في البحر : فلا يسقط المهر ويبقى له بعد الخلع ولاية الجبر على النكاح في الردة كما في البزازية ا هـ . قلت : وظاهر إطلاقه أنه لا يسقط المهر في النكاح الفاسد ولو بعد الوطء لكن في جامع الفصولين : نكحها [ ص: 440 ] فاسدا فوطئها فاختلعت بالمهر قيل يسقط إذ الخلع يجعل كناية عن الإبراء لأن الخلع وضع لهذا ، وقيل لا يسقط لأن الخلع لغا لأنه إنما يصح في النكاح القائم ا هـ . وفي البحر أيضا : ولو خالعها بمال ثم خالعها في العدة لم يصح كما في القنية ، ولكن يحتاج إلى الفرق بين ما إذا خالعها بعد الخلع حيث لم يصح وبين ما إذا طلقها بمال بعد الخلع حيث يقع ولا يجب المال وقد ذكرناه آخر الكنايات . ا هـ .
قلت : قدمنا الفرق هناك ، وهو أن الخلع بائن وهو لا يلحق مثله ، والطلاق بمال صريح فيلحق الخلع ، وإنما لم يجب المال هنا لأن المال إنما يلزم إذا كانت تملك به نفسها ولذا يقع البائن . وإذا طلقها بمال بعد الخلع لم يفد الطلاق ملكها نفسها لحصوله بالخلع قبله ، ولذا لزم المال فيما لو طلقها بمال ثم خلعها وقدمنا تمام الكلام على ذلك هناك ( قوله : المتوقفة ) بالرفع صفة لإزالة ، وقوله : على قبولها : أي المرأة . قال في البحر : ولا بد من القبول منها حيث كان على مال ، أو كان بلفظ خالعتك ، أو اختلعي . ا هـ . وفي التتارخانية : قال لامرأته : إذا دخلت الدار فقد خالعتك على ألف فدخلت الدار يقع الطلاق بألف يريد به إذا قبلت عند الدخول ا هـ . ومفاده عدم صحة القبول قبل الشرط كما نذكره ( قوله : خرج ما لو قال خلعتك إلخ ) أي ولم يذكر المال لأنه متى كان على مال لزم قبولها كما ذكرناه آنفا ، وقيد بقوله بناء على ظاهر الرواية لأنه كناية فلا بد له من النية ، أو دلالة الحال ، لكن سيأتي أنه لغلبة الاستعمال صار كالصريح ( قوله : غير مسقط للحقوق ) أي المتعلقة بالزوجية وسيأتي بيانها ( قوله : بخلاف خالعتك إلخ ) كان أولى أن يقول بخلاف ما إذا ذكر المال ، أو قال خالعتك إلخ . وأفاد أن التعريف خاص بالخلع المسقط للحقوق ، فقوله : خلعتك بلا ذكر مال لا يسمى خلعا شرعا بل هو طلاق بائن غير متوقف على قبولها ، بخلاف ما إذا ذكر معه المال بلفظ المفاعلة ، أو الأمر فإنه لا بد من قبولها كما مر لأنه معاوضة من جانبها كما يأتي . والظاهر أن " خالعتك " بلفظ المفاعلة إنما يتوقف على القبول لسقوط المهر لا لوقوع الطلاق به إذ لا يظهر فرق في الوقوع بين خالعتك وخلعتك وسيأتي ما يؤيده تأمل ، وفي حكمة الطلاق على مال فلا بد من القبول وإن لم يسم خلعا ، وبه ظهر أنه لا فرق عند ذكر المال بين خلعتك وخالعتك وأنه ليس كل ما توقف على قبولها يسمى خلعا ، ولا كل ما كان بلفظ الخلع يتوقف على القبول ويسقط الحقوق . [ تنبيه ] :
في التتارخانية وغيرها : مطلق لفظ الخلع محمول على الطلاق بعوض ; حتى لو قال لغيره اخلع امرأتي فخلعها بلا عوض لا يصح ( قوله : أو اختلعي إلخ ) إذا قال لها اخلعي نفسك فهو على أربعة أوجه : إما أن يقول بكذا فخلعت يصح وإن لم يقل الزوج بعده : أجزت ، أو قبلت على المختار ; وإما أن يقول بمال ولم يقدره ، أو بما شئت فقالت : خلعت نفسي بكذا ، ففي ظاهر الرواية لا يتم الخلع ما لم يقبل بعده ، وإما أن يقول اخلعي ولم يزد عليه فخلعت ، فعند nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف لم يكن خلعا . وعن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد تطلق بلا بدل ، وبه أخذ كثير من المشايخ .
والرابع أن يقول بلا مال فخلعت يتم بقولها ، وتمامه في جامع الفصولين ، ومثله في الخانية . ولا يخفى أن ما ذكره الشارح هو الوجه الثالث . وقد ذكر في الخانية الخلاف المار ، وذكر أن قول nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد أخذ به أكثر المشايخ ، فما فيها خلاف ما عزاه إليها ، نعم ذكر في الخانية قال : خالعتك فقبلت برئ عما عليه من المهر ، فإن لم يكن عليه مهر ردت ما ساق [ ص: 441 ] إليها ، كذا ذكر الحاكم الشهيد ، وبه أخذ ابن الفضل ، وهذا يؤيد ما ذكرنا عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف أن الخلع لا يكون إلا بعوض ا هـ لكن فيه كلام سنذكره ( قوله : بلفظ الخلع ) متعلق بإزالة .
( قوله : فإنه غير مسقط ) أي للمهر على المعتمد كما سيذكره المصنف ، نعم يسقط النفقة ولو مفروضة كما سيأتي ( قوله : كما سيجيء ) في قول المصنف ويسقط الخلع والمبارأة إلخ ( قوله : فإنه كذلك ) أي خلع مسقط للحقوق بحر . قال في العمادية : وذكر في الملتقط : لو قال بعت منك نفسك ولم يذكر مالا فقالت : اشتريت يقع الطلاق على ما قبضت من المهر وترده إليه ، وإن لم تقبض سقط ما في ذمة الزوج . ا هـ . ( قوله : خلافا للخانية ) حيث قال إن الصحيح أن الخلع بلفظ البيع والشراء لا يوجب البراءة عن المهر إلا بذكره ، وفيه كلام سنذكره ( قوله : وأفاد التعريف إلخ ) لأن الرجعي لا يزيل الملك .
( قوله : ولا بأس به ) أي ولو في حالة الحيض ، فلا يكره بالإجماع لأنه لا يمكن تحصيل العوض إلا به بحر أول كتاب الطلاق ، وقدمه الشارح هناك ( قوله : للشقاق ) أي لوجود الشقاق وهو الاختلاف والتخاصم . وفي القهستاني عن شرح nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : السنة إذا وقع بين الزوجين اختلاف أن يجتمع أهلهما ليصلحوا بينهما ، فإن لم يصطلحا جاز الطلاق والخلع . ا هـ . ط ، وهذا هو الحكم المذكور في الآية ، وقد أوضح الكلام عليه في الفتح آخر الباب ( قوله : بما يصلح للمهر ) هذا التركيب يوهم اشتراط البدل في الخلع لأن الظاهر تعلقه بإزالة ، مع أنك علمت أنه لو قال خالعتك فقبلت تم الخلع بلا ذكر بدل ، وبهذا اعترض في البحر عن الفتح حيث ذكر التعريف قوله ببدل ، ثم قال إلا أن يقال مهرها الذي سقط به بدل فلم يعر عن البدل ا هـ . والأولى تعبير الكنز وغيره بقوله وما صلح مهرا صلح بدل الخلع ، فإن معناه أنه إذا ذكر في الخلع بدل يصلح جعله مهرا فإنه يصح وسيأتي أنه إذا بطل العوض فيه تطلق بائنا مجانا ( قوله : بغير عكس كلي ) فلا يصح أن يقال ما لا يصلح مهرا لا يصلح بدل الخلع لأن بعض ما لا يصلح مهرا يصلح بدل خلع كما مثل ، فالكلية كاذبة ، نعم يصدق عكسها موجبة جزئية كبعض ما يصلح بدل خلع يصلح مهرا ( قوله : وجوز العيني انعكاسها ) أي كلية تبعا لقوله في غاية البيان إنه مطرد منعكس كليا لأن الغرض من طرد الكلي أن يكون مالا متقوما ليس فيه جهالة مستتمة وما دون العشرة بهذه المثابة ، ومن عكس الكلي أن لا يكون مالا متقوما أو أن يكون فيه جهالة مستتمة وما دون العشرة مال متقوم ليس فيه جهالة ، فلا يرد السؤال لا على الطرد الكلي ولا على عكسه ا هـ قال في النهر : لا يخفى أن الصلاحية المطلقة هي الكاملة ، وكون مطلق المال المتقوم خاليا عن الكمية يصلح مهرا ممنوع فلذا منع المحققون انعكاسها كلية .