صفحة جزء
( أبق عبد فجاء به رجل وقال : لم أجد معه شيئا ) من المال ( صدق ) ولا شيء عليه ( ولمن رده ) خبر قوله الآتي أربعون درهما ( إليه من مدة سفر ) فأكثر [ ص: 289 ] ( وهو ) أي والحال أن الراد ولو صبيا أو عبدا لكن الجعل لمولاه ( ممن يستحق الجعل ) قيد به لأنه لا جعل لسلطان وشحنة وخفير ووصي يتيم وعائله ومن استعان به كإن وجدته فخذه فقال نعم أو كان في عياله وابن وأحد الزوجين مطلقا زيلعي وشريك ونتف [ ص: 290 ] و وهبانية ولوالجية ، فالمستثنى أحد عشر ( أربعون درهما ) فبطل صلحه فيما زاد عليها ( ولو بلا بشرط ) استحسانا . ولو رد أمة ولها ولد يعقل الإباق فجعلان نهر بحثا ( وإن لم يعدلها ) عند الثاني لثبوته بالنص فلذا عول عليه أرباب المتون ( إن أشهد أنه أخذه ليرده ) وإلا لا شيء له [ ص: 291 ] ( و ) لراده ( من أقل منها بقسطه ، وقيل يرضخ له برأي الحاكم ) أو يقدر باصطلاحهما ( به يفتى ) تتارخانية بحر ( ولو من المصر ) فيرضخ له أو يقسطه كما مر ( وأم ولد ومدبر ) ومأذون ( كقن ) في الجعل .


( قوله : صدق ) أي بيمينه كافي ( قوله : من مدة سفر ) الظاهر أن المعتبر في هذه المسافة ما بين مكان الأخذ ومكان سيد العبد ، سواء أبق من مكان سيده [ ص: 289 ] أو غيره ، كما يشعر به قول الهداية : ومن رد الآبق على مولاه من مسيرة ثلاثة أيام فصاعدا فقد اعتبر مكان الرد ومكان المولى ، وعليه فلو خرج في حاجة لمولاه مسافة يومين ثم أبق منها مسافة يوم فأخذه رجل ورده على مولاه فله أربعون درهما اعتبارا لمكان المولى والظاهر أيضا كما أفاده ط أن المعتبر في مكان المولى المكان الذي يحصل فيه الرد عليه ، حتى لو لحقه المولى وقد سار يوما فلقيه الواجد بعدما سار يومين فله جعل اليومين فقط ( قوله : ولو صبيا أو عبدا إلخ ) جملة معترضة بين اسم إن وخبرها ، وهو قوله ممن يستحق الجعل ، ودخل في هذا التعميم ما إذا تعدد الراد كائنين ، فيشتركان في الأربعين إذا رداه إلى مولاه ، وما إذا رداه بنفسه أو بنائه كما إذا دفعه إلى رجل وأمره أن يأتي به إلى مولاه وأن يأخذ منه الجعل ، وما إذا اغتصبه منه رجل وجاء به إلى مولاه وأخذ جعله ثم جاء الآخذ وبرهن أنه أخذه من مسيرة سفر فله الجعل ويرجع المولى على الغاصب بما دفعه إليه ; لأنه أخذه بغير حق ( قوله : ممن يستحق الجعل ) بأن لم يكن ممن يعمل متبرعا ، بخلاف المتبرع إما لوجوب ذلك العمل عليه كالسلطان أو أحد نوابه ، أو لكونه يحفظ مال سيد العبد كوصي اليتيم وعائله ، أو لكونه ممن جرت العادة برده عليه تبرعا ، إما لاستعانة به ; لأنه ممن في عياله أو لزوجية أو بنوة أو شركة ( قوله : وشحنة ) هو حافظ المدينة ا هـ . ح ( قوله : وخفير ) هو بمعنى المعاهد : أي من يعاهدك على النصرة ، ولعل المراد به من ينصبه الحاكم في الطريق لدفع القطاع عن المسافرين ، ثم رأيت نقلا عن الحموي أن المراد به هنا الحارس ( قوله : وعائله ) أي من يعول اليتيم ويربيه في حجره بلا وصاية ( قوله : فقال نعم ) كذا شرطه في التتارخانية معللا بأنه قد وعد له الإعانة بحر . قال المقدسي : والظاهر أنه ليس بشرط ; لأن الظاهر منه التبرع بالعمل حيث لم يشرط عليه جعلا . ا هـ .

قلت : وفيه نظر ، فإن عدم شرط الجعل لا يدل على التبرع وإلا لزم شرطه في كل المواضع ، بخلاف ما إذا استعان به ووعده الإعانة فإن إجابته بالقول لما طلب دليل التبرع تأمل ( قوله : أو كان في عياله ) عطف عن استعان وشمل أحد الأبوين إذا رد عبد الابن فلا جعل له إذا كان في عيال الابن كحكم بقية المحارم كما في الهداية وشروحها كفاية البيان والمعراج والفتح والعناية ، وكذا في البزازية والجوهرة والقهستاني والنهر ، على خلاف ما في البحر والمنح ، حيث سوى بين الأبوين والابن ، ومثله قول الحاوي القدسي ، إذا كان الراد في عيال مالك الغلام لا جعل له ، وإلا فله الجعل سواء كان أجنبيا أو ذا رحم محرم إلا الوالدين والمولودين ( قوله : وابن ) عطف على سلطان ح ( قوله : مطلقا ) أي سواء كان الابن في عيال الأب وأحد الزوجين في عيال الآخر أو لا . قال الزيلعي ; لأن رد الآبق على المولى نوع خدمة للمولى وخدمة الأب مستحقة على الابن فلا تقابل بالأجرة وكذا خدمة أحد الزوجين الآخر . ا هـ . ح ( قوله : وشريك ) ; لأن عمله يكون في حصته وحصة شريكه بلا تمييز فلا أجر له كمن استأجر شريكه على حمل الحمل المشترك بينهما لا يستحق أجرا ، ومنه ما في الولوالجية لو جاء به وارث الميت ، إن أخذه وسار به ثلاثة أيام وسلمه في حياة المولى يستحق الجعل إن لم يكن في عياله وإن سلمه بعد موته وليس ولد المولى ولا في عياله وكان معه وارث آخر .

قال محمد له الجعل في حصة شركائه . وقال أبو يوسف لا ، وقيل قول أبي حنيفة كقول محمد ا هـ ملخصا . [ ص: 290 ] قلت : ولعل وجه الخلاف أنه إن نظر إلى أن العمل الموجب للجعل وهو سير ثلاثة أيام حصل في حياة المولى قبل أن يصير الراد شريكا وجب الجعل ، وإن نظر إلى أن الاستحقاق بالتسليم وهو لم يحصل إلا بعد الموت والاشتراك لم يجب الجعل ، ويؤيد الثاني عدم استحقاق الجعل في موت مولى أم الولد والمدبر كما يأتي قريبا تأمل ( قوله : و وهبانية ) كذا في بعض النسخ . والذي رأيته في عدة نسخ ورهبان ، وهكذا رأيته معزيا إلى نسخةالشارح وهو الصواب ; لأن الشارح عزاه للولوالجية والذي رأيته فيها ورهبان وشحنة ، وهكذا رأيته في التجنيس . والظاهر أنه في عرفهم اسم لنوع ممن يرهب منه من أهل الولايات بقرينة ذكره مع الشحنة ، وحينئذ يتم قول الشارح فالمستثنى أحد عشر ، فإن به يتم العدد فافهم ( قوله : أربعون درهما ) بوزن سبعة مثاقيل فتح ، وإن أنفق أضعافها بغير أمر القاضي كافي الحاكم .

أما لو أنفق بأمره فإن له الأربعين مع جميع ما أنفق فلا يستحق الأربعين فقط إلا إذا كان إنفاقه بغير أمر القاضي ، وبه سقط اعتراضه في الدر المنتقى على شارح الوهبانية بأن تعبيره بلفظ غير من سبق القلم ( قوله : فبطل صلحه فيما زاد عليها ) ; لأنه زيادة على ما ثبت بالنص كما بطل صلح القاتل فيما زاد على الدية . قال في البحر : بخلاف الصلح على الأقل ; لأنه حط منه ( قوله : استحسانا ) والقياس أن لا يكون له شيء إلا بالشرط كما إذا رد بهيمة ضالة أو عبدا ضالا . وجه الاستحسان أن الصحابة رضي الله تعالى عنهم أجمعوا على أصل الجعل . واختلفوا في مقداره ، فأوجبنا الأربعين في مدة السفر وما دونها فيما دونه جمعا بين الروايتين نهر ( قوله : ولو رد أمة إلخ ) اعلم أنه في كافي الحاكم عمم أولا في وجوب الجعل في رد الآبق فقال بالغا أو غير بالغ . ثم قال : وإذا أبقت الأمة ولها صبي رضيع فردها رجل كان له جعل واحد ، فإن كان ابنها غلاما قد قارب الحلم فله الجعل ثمانون درهما ا هـ . قال في الفتح : لأن من لم يراهق لم يعتبر آبقا ا هـ ومقتضاه أن المراد بقوله : أو غير بالغ هو المراهق .

ووفق في البحر بين عبارتي الكافي بأن الولد إن كان مع أحد أبويه اشترط كونه مراهقا : أي اشترط ذلك لوجوب جعل آخر لرد الولد ، وإن لم يكن مع أحدهما لا يشترط أن يكون مراهقا ، لكن يشترط عقله لقول التتارخانية : وما ذكر من الجواب في الصغير محمول على ما إذا كان يعقل الإباق وإلا فهو ضال لا يستحق له الجعل . ا هـ . ووفق في النهر بأن قوله قد قارب الحلم غير قيد ، لقول شارح الوهبانية : اتفق الأصحاب أن الصغير الذي يجب الجعل برده في قول محمد هو الذي يعقل الإباق .

وحاصله أنه لا يشترط كونه مراهقا في وجوب الجعل برده سواء كان مع أحد أبويه أو وحده ، بل الشرط أن يعقل الإباق ، فبحث النهر إنما هو تقييد الولد في مسألة الكافي بكونه يعقل الإباق إشارة إلى أنه المراد من قوله قد قارب الحلم ( قوله : لثبوته بالنص ) فلا يحط منه لنقصان القيمة كصدقة الفطر لا يحط منها لو كانت قيمة الرأس أنقص من صدقة الفطر قاله العيني . وقال محمد : يقضي بقيمته إلا درهما ; لأن المقصود إحياء مال المالك فلا بد أن يسلم له شيء تحقيقا للفائدة . وذكر صاحب البدائع والإسبيجابي الإمام مع محمد فكان هو المذهب بحر . والذي عليه المتون مذهب أبي يوسف كما لا يخفى ، فينبغي أن يعول عليه لموافقته للنص والله تعالى أعلم منح ط ( قوله : إن أشهد إلخ ) شرط لاستحقاق الجعل المذكور ، وهذا عند التمكن من الإشهاد وإلا فلا يشترط ، والقول قوله في أنه لم يتمكن منه كما صرح به في التتارخانية بحر . وفي الكافي : أخذه رجل فاشتراه [ ص: 291 ] منه رجل وجاء به فلا جعل له ; لأنه لم يأخذه ليرده وكذلك الهبة والوصية والميراث ، وإن أشهد حين اشتراه أنه إنما اشتراه ليرده على صاحبه ; لأنه لا يقدر عليه إلا بالشراء فله الجعل ا هـ ويكون متبرعا بالثمن نهر ( قوله : بقسطه ) أي بأن تقسم الأربعون على الأيام لكل يوم ثلاثة عشر وثلث نهر ( قوله : يرضخ له ) يقال رضخ له كمنع وضرب أعطاه عطاء غير كثير قاموس ، واعتبار رأي الحاكم عند عدم الاصطلاح على شيء ط ( قوله : به يفتى ) أي بالرضخ برأي الحاكم ( قوله : ولو من المصر ) تعميم لقوله ومن أقل . وعنه أنه لا شيء له قهستاني عن المضمرات ، لكن الأول هو المذكور في الأصل وهو الصحيح بحر ( قوله : كقن في الجعل ) أي في وجوبه ، وهذا إذا رد المدبر وأم الولد في حياة المولى كما أفاده ما بعده .

التالي السابق


الخدمات العلمية