لما بين الثمن شرع في المثمن ولم يذكر المساومة والوضيعة لظهورهما . ( المرابحة ) مصدر رابح وشرعا ( بيع ما ملكه ) [ ص: 133 ] من العروض ولو بهبة أو إرث أو وصية أو غصب فإنه إذا ثمنه ( بما قام عليه وبفضل ) مؤنة وإن لم تكن من جنسه كأجر قصار [ ص: 134 ] ونحوه ، ثم باعه مرابحة على تلك القيمة جاز مبسوط . ( والتولية ) مصدر ولى غيره جعله واليا وشرعا ( بيعه بثمنه الأول ) ولو حكما يعني بقيمته ، وعبر عنها به ; لأنه الغالب . ( وشرط صحتهما كون العوض مثليا أو ) قيميا ( مملوكا للمشتري و ) كون ( الربح شيئا معلوما ) ولو قيميا مشارا إليه كهذا الثوب لانتفاء الجهالة [ ص: 135 ] حتى لو باعه بربح ده يازده أي العشرة بأحد عشر لم يجز إلا أن يعلم بالثمن في المجلس فيخير شرح مجمع للعيني .
باب المرابحة والتولية وجه تقديم الإقالة عليهما : أن الإقالة بمنزلة المفرد من المركب ; لأنها إنما تكون مع البائع ، بخلاف التولية والمرابحة فإنهما أعم من كونهما مع البائع وغيره ط . وأيضا فالإقالة متعلقة بالمبيع لا بالثمن ; ولذا كان من شروطها قيام المبيع ، والتولية والمرابحة متعلقان أصالة بالثمن ، والأصل هو المبيع . ( قوله : لما بين الثمن إلخ ) قال في الغاية : لما فرغ من بيان أنواع البيوع اللازمة وغير اللازمة كالبيع بشرط الخيار وكانت هي بالنظر إلى جانب المبيع شرع في بيان أنواعها بالنظر إلى جانب الثمن كالمرابحة ، والتولية والربا والصرف ، وتقديم الأول على الثاني لأصالة المبيع دون الثمن ا هـ . ط عن الشلبي . ( قوله : ولم يذكر المساومة ) وهي البيع بأي ثمن كان من غير نظر إلى الثمن الأول وهي المعتادة . ( قوله : والوضيعة ) هي البيع بمثل الثمن الأول ، مع نقصان يسير أتقاني .
وكذا لو رقم في الثوب مقدار ولو أزيد من الثمن الأول ثم رابحه عليه جاز كما سيأتي بيانه عند ذكر الشارح له ، وكذا لو ملكه بهبة أو إرث أو وصية وقومه قيمة ، ثم رابحه على تلك القيمة ، ولا يصدق التعريف عليهما ، لكن أجيب عن مسألة الدنانير بأن الثمن المطلق يفيد أن مقابله مبيع متعين ; ولذا قال الشارح من العروض ، ويأتي بيانه وعن مسألة الأجل بأن الثمن مقابل بشيئين : أي بالمبيع وبالأجل ، فلم يصدق في أحدهما أنه بثمن سابق وقول البحر : إنه لا يرد لجوازها إذا بين أنه اشتراه نسيئة رده في النهر بأن الجواز إذا بين لا يختص بذلك ، بل هو في كل ما لا تجوز فيه المرابحة كما لو اشترى من أصوله أو فروعه ، جاز إذا بين كما سيأتي ، وعن مسائل العكس بأن المراد بالثمن ما قام عليه بلا خيانة ، وتمامه في النهر فكان الأولى قول المصنف تبعا للدرر بيع ما ملكه إلخ لعدم احتياجه إلى تحرير المراد ; ولأنه لا يدخل فيه مسألة الأجل ; لأنه إذا لم يبين الأجل لم يصدق عليه أنه بيع ما ملكه بما قام عليه لما علمت .
( قوله : من العروض ) احتراز عما ذكرنا من أنه لو شرى دنانير بدراهم ، لا يجوز له بيعها مرابحة كما في الزيلعي والبحر والنهر والفتح . وعلله في الفتح : بأن بدلي الصرف لا يتعينان ، فلم تكن عين هذه الدنانير متعينة لتلزم مبيعا ا هـ . لكن هذا وارد على تعريف المصنف إذ لا دلالة فيه عليه ، بخلاف تعريف الكنز وغيره ، فإن قوله بالثمن السابق دليل على أن المراد بما ملكه المبيع المتعين ; لأن كون مقابله ثمنا مطلقا يفيد أن ما ملكه بالضرورة مبيع مطلقا كما في الفتح . وقول المصنف بما قام عليه ، ليس المراد به الثمن لما مر فلذا زاد الشارح قوله من العروض تتميما للتعريف . ( قوله : ولو بهبة إلخ ) تعميم لقوله ما ملكه أشار به إلى دخول هذه المسائل فيه كما علمت .
( قوله : فإنه إذا ثمنه إلخ ) جواب إذا قوله جاز ، وعدل عن قول غيره وقومه قيمة ليشمل المثلي . وحاصله : أن ما وهب له ونحوه مما لم يملكه بعقد معاوضة إذا قدر ثمنه وضم إليه مؤنته مما يأتي يجوز له أن يبيعه مرابحة ، وكذا إذا رقم على ثوب رقما كما مر .
قال في الفتح : وصورة المسألة أن يقول : قيمته كذا أو رقمه كذا فأرابحك على القيمة أو الرقم ا هـ . وظاهره أنه لا يقول قام علي بكذا وبه صرح في البحر في الرقم ، والظاهر أن الهبة ونحوها كذلك ، وحينئذ لا يدخل ذلك في كلام المصنف تأمل ويأتي تمامه ، هذا وقال ح : إن قول الشارح فإنه إذا ثمنه أخرج به بعض التعريف عن كونه تعريفا ، وفسر الفضل بما يضم فصار مجموع المتن مع الشرح عبارة المبسوط : وهي عبارة مستقيمة في ذاتها ، لكن بقي تعريف المرابحة بيع ما ملكه فقط وهو تعريف فاسد لكونه غير مانع ا هـ . أي لأن قوله بما قام عليه جزء التعريف . وكذا قوله ويفضل فإن مراده به فضل الربح لتتحقق المرابحة ، وإلا كان العقد تولية ، وأما فضل المؤنة فإنه يضم إلى ما قام عليه ، لكن لما كانت عبارة المتن في نفسها تعريفا تاما اكتفى بها ولقصد الاختصار أخذ بعضها وجعله بيانا لتصوير مسألة الهبة ونحوها تأمل . ( قوله : وإن لم تكن من جنسه ) أي وإن لم تكن المؤنة المضمومة من جنس المبيع ط . [ ص: 134 ]
قلت : والأظهر كون المراد من جنس الثمن بقرينة ما بعده تأمل . ( قوله : ونحوه ) أي كصباغ وطراز . ( قوله : ثم باعه مرابحة ) أي بزيادة ربح على تلك القيمة التي قوم بها الموهوب ونحوه مع ضم المؤنة إليها ; لأن كلامه في ذلك ، بخلاف ما كان اشتراه بثمن فإنه يرابح على ثمنه لا على قيمته فافهم . ( قوله : جعله واليا ) فكأن البائع جعل المشترط واليا فيما اشتراه نهر : أي جعل له ولاية عليه وهذا إبداء مناسبة المعنى الشرعي للمعنى اللغوي . ( قوله : بيعه بثمنه الأول ) قد علمت أن المصنف عدل في تعريف المرابحة ، عن التعبير بالثمن الأول إلى قوله بما قام عليه لدفع الإيراد السابق فما فر منه أولا وقع فيه ثانيا ، فكان المناسب أن يقول والتولية بيعه كذلك بلا فضل . ( قوله : ولو حكما ) أدخل به ما مر في قوله ولو بهبة إلخ فإنه يوليه بقيمته لكونه لم يملكه بثمن . ( قوله : يعني بقيمته ) تفسير للثمن الحكمي لا لقوله بثمنه كما لا يخفى ح . ( قوله : وعبر عنها به ) أي بالثمن حيث أراد به ما يعم القيمة حتى صار عبارة عنه وعنها فافهم . ( قوله : لأنه الغالب ) أي الغالب فيما يملكه الإنسان أنه يكون بثمن سابق . ( قوله : كون العوض ) أي الكائن في العقد الأول ا هـ . ح وهو ملك به المبيع نهر [ تنبيه ]
استفيد من التعريف أن المعتبر ما وقع عليه العقد الأول دون ما وقع عوضا عنه ، فلو اشترى بعشرة دراهم فدفع عنها دينارا أو ثوبا قيمته عشرة أو أقل أو أكثر فرأس المال العشرة لا الدينار والثوب ; لأن وجوبه بعقد آخر وهو الاستبدال فتح ، ولو كان المبيع مثليا فرابح على بعضه كقفيز من قفيزين جاز لعدم التفاوت بخلاف القيمي وتمام تعريفه في شرح المجمع . وفي المحيط : لو كان ثوبا ونحوه لا يبيع جزءا منه معينا لانقسامه باعتبار القيمة ، وإن باع جزءا شائعا وقيل يفسد بحر . ( قوله : مثليا ) كالدراهم والدنانير والمكيل والموزون والعددي المتقارب ، أما إذا لم يكن له مثل بأن اشترى ثوبا بعبد مقايضة مثلا فرابحه أو ولاه إياه كان بيعا بقيمة عبد صفته كذا أو بقيمة عبد ابتداء وهي مجهولة فتح ونهر .
( قوله : أو قيميا مملوكا للمشتري ) صورته : اشترى زيد من عمرو عبدا بثوب ثم باع العبد من بكر بذلك الثوب مع ربح أو لا ، والحال أن بكرا كان قد ملك الثوب من عمرو قبل شراء العبد أو اشترى العبد بالثوب قبل أن يملكه من عمرو فأجازه بعده ، فلا شك أن الثوب بعد الإجازة صار مملوكا لبكر المشتري فيتناوله قول المتن أو مملوكا للمشتري ا هـ ح فهذه الصورة مستثناة مما لا مثل له . ( قوله : وكون الربح شيئا معلوما ) تقرير لفظ الكون ، هو مقتضى نصب المصنف قوله معلوما ، ووقع في عبارة المجمع مرفوعا حيث قال : ولا يصح ذلك حتى يكون العوض مثليا أو مملوكا للمشتري ، والربح مثلي معلوم ، ومثله في الغرر وصرح في شرحه الدرر بأن الجملة حالية ، وكذا قال في البحر : إن قوله أي المجمع والربح مثلي معلوم شرط في القيمي المملوك للمشتري كما لا يخفى ا هـ . وتبعه في المنح ، فقد ظهر أن هذا ليس شرطا مستقلا ، بل هو شرط للشرط الثاني ; لأن معلومية الربح وإن كانت شرطا في صحة البيع مطلقا ، لكنه أمر ظاهر لا يحتاج إلى التنبيه عليه ; لأن جهالته تفضي إلى جهالة الثمن ، وإنما المراد التنبيه على أنه إذا كان الثمن الذي ملك به المبيع في العقد الأول [ ص: 135 ] قيميا لا يصح البيع مرابحة إلا إذا كان ذلك القيمي مملوكا للمشتري .
والحال أن الربح معلوم ، ولهذا ذكر في الفتح أولا أنه لا يصح كون الثمن قيميا ثم قال : أما لو كان ما اشتراه به وصل إلى من يبيعه منه فرابحه عليه بربح معين كأن يقول : أبيعك مرابحة على الثوب الذي بيدك وربح درهم أو كر شعير أو ربح هذا الثوب جاز ; لأنه يقدر على الوفاء بما التزمه من الثمن ا هـ . وأفاد أن الربح المعلوم أعم من كونه مثليا أو قيميا كما نبه عليه الشارح بقوله : ولو قيميا إلخ فاغتنم تحرير هذا المحل .
( قوله : حتى لو باعه ) تفريع على مفهوم قوله معلوما في مسألة كون القيمي مملوكا للمشتري ، يعني فلو كان الربح مجهولا في هذه الصورة لا يجوز حتى لو باعه إلخ فافهم ، واعلم أن لفظ ده بفتح الدال وسكون الهاء اسم للعشرة بالفارسية ويازده بالياء المثناة التحتية وسكون الزاي اسم أحد عشر بالفارسية كما نقله ح عن البناية وبيان هذا التفريع ما في البحر حيث قال : وقيد الربح بكونه معلوما للاحتراز عما إذا باعه بربح ده يازده ; لأنه باعه برأس المال وببعض قيمته ; لأنه ليس من ذوات الأمثال كذا في الهداية .
ومعنى قوله : ده يازده : أي بربح مقدار درهم على عشرة دراهم ، فإن كان الثمن الأول عشرين كان الربح بزيادة درهمين ، وإن كان ثلاثين كان الربح ثلاثة دراهم ، فهذا يقتضي أن يكون الربح من جنس رأس المال ; لأنه جعل الربح مثل عشر الثمن وعشر الشيء يكون من جنسه ، كذا في النهاية ا هـ ما في البحر .
وحاصله : أنه إذا كان الثمن في العقد الأول قيميا كالعبد مثلا وكان مملوكا للمشتري فباع المالك المبيع من المشتري بذلك العبد وبربح ده يازده لا يصح ; لأنه يصير كأنه باعه المبيع بالعبد وبعشر قيمته فيكون الربح مجهولا لكون القيمة مجهولة ; لأنها إنما تدرك بالحزر والتخمين ، والشرط كون الربح معلوما كما مر ، بخلاف ما إذا كان الثمن مثليا والربح ده يازده فإنه يصح . قال النهر : ولو كان البدل مثليا فباعه به وبعشره أي عشر ذلك المثلي ، فإن كان المشتري يعلم جملة ذلك صح ، وإلا فإن علم في المجلس خير وإلا فسد ا هـ . وبه ظهر أن قول الشارح : لم يجز أي فيما إذا كان الثمن قيميا كما قررناه أولا ، وقوله : إلا أن يعلم إلخ أي فيما إذا كان مثليا ; لأنه الذي يمكن علمه في المجلس فافهم .