والثانية أن يؤخرها كقوله : أنت طالق إذا تزوجتك قبل أن أتزوجك ، وفيهما يقع الطلاق عند وجود التزوج اتفاقا وتلغو القبلية لأنه في الصورة الثانية تم الشرط ، والجزاء فصح التعليق وبقوله قبل أن أتزوجك قصد إبطاله لأنه أثبت وصفا للجزاء لا يليق به وأنه لا يمكن فيلغى وأما في الصورة الأولى فالتعليق المتأخر ناسخ للإضافة قبله فصار كما لو قال أنت طالق قبل أن تدخلي الدار إن دخلتيها تعلق بدخولها ولغا قوله : قبل أن تدخلي ، وإن أخر الجزاء بأن قال إن تزوجتك فأنت طالق قبل أن أتزوجك لم يقع عندهما خلافا nindex.php?page=showalam&ids=14954لأبي يوسف لأن ذكر الفاء رجح جهة الشرطية ، والمعلق بالشرط كالمنجز عند وجوده فصار كأنه قال بعد التزوج أنت طالق قبل أن أتزوجك .
والحاصل أن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبا يوسف لم يفرق بين تقديم الشرط وتأخيره وهما فرقا ، وفي شرح تلخيص الجامع لا يقال بأن قوله قبل أن أتزوجك كلام لغو ، وقد فصل بين الشرط ، والمشروط فوجب أن لا يتعلق الطلاق بالتزوج لأنا نقول لا نسلم أنه لغو بل تصريح بما انتظمه صدر الكلام لأنه يقتضي كونه إيقاعا في الحال إدخال وجود القول منه بوصف بكونه قبل التزوج فصار كما لو قال لمنكوحته : أنت طالق الساعة إذا دخلت الدار أو أنت طالق قبل أن تدخلي الدار إن دخلت الدار لأن قوله الساعة وقبل أن تدخلي تصريح بما اقتضاه صدر الكلام على أنه لو جعل هناك فاصلا يتنجز وهنا لو جعل قبل أن أتزوجك فاصلا يلغو فكان أولى باعتبار كونه غير فاصل تصحيحا لكلام العاقل ا هـ .
( قوله : وإن نكحها قبل أمس وقع الآن ) لأنه أسنده إلى حالة منافية ولا يمكن تصحيحه إخبارا [ ص: 293 ] أيضا فكان إنشاء ، والإنشاء في الماضي إنشاء في الحال فيقع الساعة وعلى هذه النكتة حكم بعض المتأخرين من مشايخنا في مسألة الدور المنقولة عن متأخري الشافعية بالوقوع وهي إن طلقتك فأنت طالق قبله ثلاثا وحكم أكثرهم بأنها لا تطلق بتنجيز طلاقها لأنه لو تنجز وقع المعلق قبله ثلاثا ووقوع الثلاث سابقا على التنجيز يمنع المنجز بوقوع المنجز والمعلق لأن الإيقاع في الماضي إيقاع في الحال ونقول أيضا إن هذا تغيير لحكم اللغة لأن الأجزئة تنزل بعد الشرط أو معه لا قبله ولحكم العقل أيضا .
لأن مدخول أداة الشرط سبب ، والجزاء مسبب عنه ولا يعقل تقدم المسبب على السبب فكان قوله : قبله لغوا ألبتة فيبقى الطلاق جزاء للشرط غير مقيد بالقبلية ولحكم الشرع لأن النصوص ناطقة بشرعية الطلاق وهذا يؤدي إلى رفعها فيتفرع في المسألة المذكورة : وقوع ثلاث الواحدة المنجزة وثنتان من المعلقة ولو طلقها ثنتين وقعتا وواحدة من المعلقة أو طلقها ثلاثا يقعن فينزل الطلاق المعلق لا يصادف أهلية فيلغو ولو كان قال إن طلقتك فأنت طالق قبله ثم طلقها واحدة وقعت ثنتان المنجزة ، والمعلقة وقس على ذلك كذا في فتح القدير ، وفيه نظر لأنه ينتقض بقوله تعالى : { وما بكم من نعمة فمن الله } فإن الأول استقرار النعمة بالمخاطبين ، والثاني كونها من الله عز وجل وليس الأول سببا للثاني بل الأول فرع للثاني وقال الرضي لا يلزم مع الفاء أن يكون الأول سببا للثاني بل اللازم أن يكون ما بعد الفاء لازما لمضمون ما قبلها كما في جميع صور الشرط ، والجزاء ففي قوله تعالى { وما بكم من نعمة فمن الله } كون النعمة منه لازم حصولها معنى ولا يغرنك قول بعضهم إن الشرط سبب في الجزاء ا هـ .
لأنهما لو حصلا لحصلا معا قبل دخولهما ولو كان كذلك لم يكن العبد عبده وقت الدخول ولا المرأة زوجته وقتئذ فلا تكون الصفة المعلق عليها حاصلة ولا يتأتى في هذا القول بطلان الدور إذ ليس فيها سد باب التصرف ولو دخلا مرتبا وقع المعلق على المسبوق دون السابق فلو دخلت المرأة أولا ثم العبد عتق ولم تطلق هي لأنه حين دخل لم يكن عبدا له فلم تحصل صفة طلاقها ، وإن دخل العبد أولا ثم المرأة طلقت ولم يعتق العبد ، وإن لم يذكر في تعليقه المذكور لفظة قبل في الظرفين ودخلا معا عتق وطلقت ، وإن دخلا مرتبا فكما سبق ا هـ .
( قوله : ولو قال : إن تزوجت زينب قبيل عمرة . إلخ ) انظر لما يأتي عن التتمة قبيل قوله أنا منك طالق لغو [ ص: 293 ] ( قوله : بالوقوع ) أي وقوع الثلاث كما هو مقتضى التفريع ويأتي التصريح به أيضا في كلامه وسنذكر عن ابن حجر الخلاف في وقوع المنجز وحده ووقوع الثلاث ( قوله : لأن الإيقاع في الماضي إيقاع في الحال ) الظاهر أنه تعليل للقول الأول بالوقوع وقوله : ونقول أيضا إلخ تأييد له فأخر تعليل القول الأول إلى ما بعد القولين ليرتبط الكلام .
( قوله : وفيه نظر لأنه ينتقض . . . إلخ ) منع لقوله ولحكم العقل ، وقوله : بعده ولا يضر رفع شرعية الطلاق . . . إلخ منع لقوله ولحكم الشرع قال في النهر : بعد ذكره لحاصل كلام المؤلف ، وفيه نظر من وجهين : الأول ما قاله الرضي إنما هو مذهب النحاة يفصح عن ذلك ما في المطول لا نسلم أن الشرط النحوي ما يتوقف عليه وجود الشيء بل هو المذكور بعد إن وأخواته معلق عليه حصول مضمون الجزاء أي حكم بأنه يحصل مضمون تلك الجملة عند حصوله فهو في الغالب ملزوم ، والجزاء لازم وانتفاء اللازم يوجب انتفاء الملزوم من غير عكس ثم قال : الشرط عندهم أعم من أن يكون سببا نحو لو كانت الشمس طالعة فالعالم مضيء أو شرطا نحو لو كان لي مال لحججت أو غيرهما نحو لو كان النهار موجودا لكانت الشمس طالعة الثاني سلمنا أن أداة الشرط لا يلزم أن تكون سببا لكن بطلان تقدم الشيء على شرطه ضروري لأنه موقوف عليه فلا يحصل قبله كما في التلويح ، وفيه الحق أن بطلان تقدم الشيء على شرطه أظهر من بطلان تقدمه على السبب لجواز أن يثبت بأسباب شتى ا هـ .
وبهذا يبطل قوله : فلا يلغو قوله : قبله لعدم المنافاة ا هـ . قلت لا يخفى عليك أن أول هذين الوجهين مؤيد لكلام المؤلف في دعواه عدم لزوم كون مدخول أداة الشرط سببا ، والجزاء مسببا عنه إذ لا خفاء أن المراد هنا بالشرط الواقع بعد الأداة الشرط النحوي لا الشرعي ( قوله : قال الغزالي في وجيزه . . . إلخ ) أقول : رأيت مؤلفا مستقلا في هذه المسألة للعلامة ابن حجر المكي الشافعي ونقل أن الغزالي رجع في آخر عمره عما ذكره في وسيطه ووجيزه وأنه قال الرجوع إلى الحق أولى من التمادي في الباطل ونقل أيضا عن التاج السبكي أن والده التقي السبكي رجع عن القول بالمسألة السريجية وألف فيها مؤلفا سماه النور في الدور ثم نقل عن جماعة من الشافعية أنهم ألفوا تأليفات في ذلك ردوا فيها على القائلين منهم بصحة الدور وقال أيضا وجمهور العلماء من سائر المذاهب غير مذهبنا على فساد الدور قال وهذا مما لا شك فيه كيف وشنع على القائلين بصحة الدور جماعة من المالكية ، والحنفية ، والحنابلة ، وقد نقل بعض الأئمة [ ص: 294 ] عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وأصحابه الاتفاق على فساد الدور وإنما وقع عنهم في وقوع الثلاث أو المنجز وحده ، وفي مغني الحنابلة لا نص nindex.php?page=showalam&ids=12251لأحمد في هذه المسألة وقال nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي : تطلق ثلاثا وقال nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل تطلق بالمنجز لا غير ا هـ .
ثم نقل عن عشرين إماما من الأئمة الشافعية اتفقوا على بطلان الدور ، وإن اختلفوا في عدد الواقع به وقال أيضا وبالغ في تخطئة القائلين بصحته العز بن عبد السلام وناهيك به جلالة ومن ثم لقب بسلطان العلماء ، وعبارته كما حكاه تلميذه الإمام القرافي عنه في هذه المسألة : لا يصح فيها التقليد ، والتقليد فيها فسوق ; لأن القاعدة أن قضاء القاضي ينقض إذا خالف أحد أربعة أشياء الإجماع أو النص أو القواعد أو القياس الجلي وما لا يقر شرعا إذا تأكد بقضاء القاضي ينقض فأولى إذا لم يتأكد وإذا لم يقر شرعا حرم التقليد فيه لأن التقليد في غير شرع هلاك وهذه المسألة مخالفة للقواعد الشرعية فلا يصح التقليد فيها قال القرافي : وهذا بيان حسن ظاهر وقال nindex.php?page=showalam&ids=12795الإمام ابن الصلاح : ابن سريج بريء ما نسب إليه والذي عليه الطوائف من أصحاب المذاهب ، وجماهير أصحابنا القول بأنه لا ينسد باب الطلاق بل يقع على اختلاف في كمية الواقع ، وقال الزركشي في الخادم : وبالغ السروجي من الحنفية فقال : القول بانسداد باب الطلاق يشبه مذاهب النصارى أنه لا يمكن للزوج إيقاع طلاق على زوجته مدة عمره .
وقال الإمام الكمال بن الرداد شارح الإرشاد المعتمد في الفتوى وقوع الطلاق المنجز وهو المنقول عن ابن سريج وصححه جمع وعليه العمل في الديار المصرية ، والشامية وهو القوي في الدليل وعزاه الرافعي إلى nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة هذا حاصل ما أردت تلخيصه من مؤلف ابن حجر وتقدم عن المحقق ابن الهمام تقوية القول بالوقوع ونقل nindex.php?page=showalam&ids=14851الغزي في منح الغفار أول كتاب الطلاق رد القول بخلافه بأبلغ وجه حيث قال : وفي جواهر الفتاوى قال أبو العباس بن سريج من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي إذا قال الرجل لامرأته : إن طلقتك ثلاثا فأنت طالق قبله ثلاثا ثم أوقع الطلاق عليها لا يقع أبدا وأنكر عليه جميع أئمة المسلمين من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا مثل إمام الحرمين nindex.php?page=showalam&ids=11815والشيخ أبي إسحاق والإمام الغزالي .
وهذا قول مخترع مخالف لأهل القبلة فإن الأمة أجمعت من الصحابة ، والتابعين وأئمة السلف من nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأصحابهما على أن طلاق المكلف واقع .