( باب اليمين في الأكل والشرب واللبس والكلام ) . الأكل إيصال ما يحتمله المضغ بفيه إلى الجوف مضغ أو لم يمضغ كالخبز واللحم والفاكهة ونحوها ، والشرب إيصال ما لا يحتمل المضغ من المائعات إلى الجوف مثل الماء والنبيذ واللبن والعسل فإن وجد ذلك يحنث ، وإلا فلا يحنث إلا إذا كان يسمى ذلك أكلا أو شربا في العرف والعادة فيحنث فإذا حلف لا يأكل كذا أو لا يشرب فأدخله في فيه ، ومضغه ثم ألقاه لم يحنث حتى يدخله في جوفه ; لأنه بدون ذلك لا يكون أكلا وشربا بل يكون ذوقا ، ولو حلف لا يأكل هذه البيضة أو لا يأكل هذه الجوزة فابتلعها قال قد حنث لوجود حد الأكل ، وهو ما ذكرنا ، ولو حلف لا يأكل عنبا أو رمانا فجعل يمصه ويرمي تفله ويبتلع ماءه لم يحنث في الأكل ، ولا في الشرب ; لأن ذلك ليس بأكل ، ولا شرب بل هو مص ، وإن عصر ماء العنب فلم يشربه ، وأكل قشره وحصرمه فإنه يحنث ; لأن الذاهب ليس إلا الماء ، وذهاب الماء لا يخرجه من أن يكون آكلا له ألا ترى أنه إذا مضغه وابتلع الماء أنه لا يكون آكلا له بابتلاع الماء بل بابتلاع الحصرم فدل أن أكل العنب هو أكل القشر والحصرم منه ، وقد وجد فيحنث .
وقال هشام عن nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد في رجل حلف لا يأكل سكرا فأخذ سكرة فجعلها في فيه فجعل يبتلع ماءها حتى ذابت قال لم يأكل ; لأنه حين أوصلها إلى فيه وصلت ، وهي لا تحتمل المضغ ، وكذلك روي عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف فيمن حلف لا يأكل رمانة فمص رمانة أنه لا يحنث ، ولو حلف لا يأكل هذا اللبن فأكله بخبز أو تمر أو حلف لا يأكل من هذا العسل فأكله بخبز يحنث ; لأن اللبن هكذا يكون ، وكذلك الخل ; لأنه من جملة الإدام فيكون أكله بالخبز كاللبن فإن أكل ذلك بانفراده لا يحنث ; لأن ذلك شرب ، وليس بأكل فإن صب على ذلك الماء ثم شربه لا يحنث في قوله لا آكل لعدم الأكل ويحنث في قوله لا أشرب لوجود الشرب ، وكذلك إن حلف لا يأكل هذا الخبز فجففه ثم دقه وصب عليه الماء فشربه لا يحنث ; لأن هذا شرب لا أكل فإن أكله مبلولا أو غير مبلول يحنث ; لأن الخبز هكذا يؤكل عادة ، وكذلك السويق إذا شربه بالماء فهو شارب ، وليس بآكل كذا في البدائع ، ولم يذكر المصنف الذوق ، وهو معرفة الشيء بفيه من غير إدخال عينه ألا ترى أن الأكل والشرب مفطر لا الذوق كذا في الكافي .
وسيأتي بيان اللبس والكلام إن شاء الله تعالى ( قوله : لا يأكل من هذه النخلة حنث بثمرها ) ; لأنه أضاف اليمين إلى ما لا يؤكل فينصرف إلى ما يخرج منه ; لأنه سبب له فيصلح مجازا عنه والثمر بالمثلثة ما يخرج منها فيحنث بالجمار والبسر والرطب والتمر والطلع والدبس الخارج من ثمرها والجمار رأس النخلة ، وهي شيء أبيض لين والطلع ما يطلع من النخل ، وهو الكم قبل أن ينشق ويقال لما يبدو من الكم طلع أيضا ، وهو شيء أبيض يشبه بلونه الأسنان وبرائحته المني كذا في المغرب ، وقيد بالثمر ; لأنه لا يحنث بما تغير بصفة حادثة فلا يحنث بالنبيذ والناطف والدبس المطبوخ والخل ; لأنه مضاف إلى فعل حادث فلم يبق مضافا إلى الشجر ويحنث بالعصير ; لأنه لم يتغير بصنعة جديدة ، ولو لم يكن للشجرة ثمرة ينصرف اليمين إلى ثمنها فيحنث إذا اشترى به مأكولا وأكله .
وأشار بقوله بثمرها إلى أنه لو قطع غصنا منها فوصله بشجرة أخرى فأكل من ثمر تلك الشجرة من هذا الغصن أنه لا يحنث ، وقال بعضهم يحنث ، وإلى أنه لو تكلف ، وأكل من عين النخلة لا يحنث قالوا ، وهو الصحيح كذا في المحيط .
وأشار بالنخلة إلى كل ما لا يؤكل عينه فلو حلف لا يأكل من هذا الكرم فهو على عنبه وحصرمه وزبيبه وعصيره ، وفي بعض المواضع ودبسه ، والمراد عصيره فإنه ماء العنب ، وهو ما يخرج بلا صنع عند انتهاء نضج العنب ، وقيد بما لا يؤكل عينه ; لأنه لو حلف لا يأكل من هذه الشاة فإنه يحنث باللحم خاصة ، ولا يحنث باللبن والزبد ; لأنها مأكولة فينعقد اليمين عليها .
وكذا لو حلف لا يأكل من هذا العنب فإنه لا يحنث بزبيبه ، وعصيره ; لأن حقيقته ليست مهجورة فيتعلق الحلف بمسمى العنب ، وأطلق المصنف ، ولم يقيد بالنية للإشارة إلى أنه عند عدمها فلو نوى أكل عينها لم يحنث بأكل ما يخرج منها ; لأنه نوى حقيقة كلامه كذا في المحيط وينبغي أن لا يصدق قضاء ; لأن المجاز صار متعينا ظاهرا فإذا نوى بخلاف الظاهر لا يقبل ، وإن كان حقيقة ، وله شواهد كثيرة .
( قوله : ; لأنه حين أوصلها إلى فيه ) صوابه إلى جوفه ، وعبارة الذخيرة فهذا ليس بأكل فقد وصل إلى جوفه ما لا يتأتى فيه المضغ .