( كتاب الطهارة ) اعلم أن مدار أمور الدين متعلق بالاعتقادات والعبادات والمعاملات والمزاجر والآداب فالاعتقادات خمسة أنواع : الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ، والعبادات خمسة : الصلاة والزكاة والصوم والحج والجهاد ، والمعاملات خمسة : المعاوضات المالية والمناكحات والمخاصمات والأمانات والتركات [ ص: 8 ] والمزاجر خمسة : مزجرة قتل النفس ، ومزجرة أخذ المال ، ومزجرة هتك الستر ، ومزجرة هتك العرض ، ومزجرة قطع البيضة ، والآداب أربعة : الأخلاق ، والشيم الحسنة ، والسياسات والمعاشرات فالعبادات ، والمعاملات ، والمزاجر من قبيل ما نحن بصدده دون القسمين الآخرين وقدم في سائر كتب الفقه العبادات على المعاملات والمزاجر ; لكونها أهم من غيرها ثم الصلاة قدمت على غيرها ; لأنها تالية الإيمان وثابتة بالنص والخبر كقوله تعالى { الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة } وكحديث { nindex.php?page=hadith&LINKID=16430بني الإسلام على خمس } ثم قدمت الطهارة هنا على الصلاة ; لأنها شرطها والشرط مقدم على المشروط طبعا فيقدم وضعا وخصها بالبداءة دون سائر الشروط ; لأنها أهم من غيرها ; لأنها لا تسقط بعذر من الأعذار كذا في المستصفى وغيره
وتعليلهم للأهمية بعدم السقوط أصلا لا يخصها ; لأن النية كذلك كما صرح به الزيلعي في آخر نكاح الرقيق فالأولى أن يزاد بأنها من الشرائط اللازمة للصلاة في كل أوقاتها ، وهي من خصائص الصلاة فتخرج النية ; لأنه لا يشترط استصحابها لكل ركن من أركانها ، وليست من خصائصها بل من خصائص العبادات كلها ثم كتاب الطهارة مركب إضافي لا بد من معرفة جزأيه ، ولو من وجه فالكتاب لغة مصدر كتب كتابة وكتبة وكتابا بمعنى الكتب ، وهو جمع الحروف وسمي به المفعول للمبالغة تقول كتبت البلغة إذا جمعت بين رحمها بحلقة أو سير وكتبت القربة إذا خرزتها كتبا والكتبة بالضم الخزرة والجمع كتب بفتح التاء والكتيبة الجيش المجتمع ، وتكتبت الخيل أي تجمعت وسميت الكتابة كتابة ; لأنها جمع الحروف والكلمات وجمعه كتب بضمتين وكتب بسكون التاء ومدار التركيب على الجمع قال في المغرب وقولهم سمي هذا العقد مكاتبة ; لأنه ضم حرية اليد إلى حرية الرقبة ; أو لأنه جمع بين نجمين فصاعدا ضعيف جدا ، وإنما الصحيح أن كلا منهما كتب على نفسه أمرا : هذا الوفاء ، وهذا الأداء انتهى ، وإنما كان التعليل بالجمع بين النجمين ضعيفا ; لأنه ليس بلازم فيها لجوازها حالة وضعف الوجه الأول ظاهر ; لأنه بالكتابة قبل الأداء لم تحصل حرية الرقبة فلم يصح الجمع بهذا المعنى و
في الاصطلاح جمع المسائل المستقلة فخرج جمع الحروف والكلمات التي ليست بمسائل وخرج الباب والفصل لعدم استقلالهما لدخولهما تحت كتاب وشمل ما كان نوعا واحدا من المسائل ككتاب اللقطة أو أنواعا ككتاب البيوع ولا حاجة إلى أن يقال اعتبرت مستقلة ليدخل ما كان تبعا لغيره ، ولم يكن مستقلا بل اعتبر مستقلا ككتاب الطهارة كما في العناية ; لأن المراد بالاستقلال عدم توقف تصور المسائل على شيء قبلها ولا شيء بعدها وكتاب الطهارة كذلك لا الأصالة وعدم التبعية والتقييد بالمسائل الفقهية كما في العناية لخصوص المقام لا أنه قيد احترازي وما في السراج الوهاج من أنه في الشرع للشمل والإحاطة فغير صحيح إذ ليس هو هنا وضعا شرعيا ، وإنما هو وضع عرفي إلا أن يراد أنه في عرف أهل الشرع ، وهو بعيد ويبعده أيضا أن ظاهره أنه لا يكون كتابا إلا إذا أحاط بمسائل ما أضيف إليه وشملها والواقع خلافه فالظاهر ما ذكرناه والطهارة بفتح الطاء الفعل لغة ، وهي النظافة وبكسرها الآلة وبضمها فضل ما يتطهر به
واصطلاحا زوال الحدث أو الخبث و الحدث مانعية شرعية قائمة بالأعضاء إلى غاية استعمال المزيل وهو طبعي كالماء وشرعي كالتراب والخبث عين مستقذرة شرعا وكلمة أو في الحد ليست لمنع الجمع فلا يفسد بها الحد وقول بعضهم إنها إزالة الحدث أو الخبث غير جامع لخروج الزوال بدون الإزالة كما إذا وقع المطر على أعضاء الوضوء من غير قصد ، فإنه طهارة وليس بإزالة لعدم [ ص: 9 ] الصنع منه ولا يرد الوضوء على الوضوء ، فإنه طهارة وبدون الزوال المذكور باعتبار إزالة الآثار الحاصلة ; لأن تسميته طهارة مجاز والتعريف للحقيقة وعرفها في السراج الوهاج بما يدخله فقال إيصال مطهر إلى محل يجب تطهيره أو يندب ، ولو عبر بالوصول لكان أولى لما ذكرنا في الإزالة مع ما فيه من لزوم الدور ، وهو توقف مطهر على الطهارة ، وهي عليه ; لأنه بعض التعريف وفي البدائع ما يفيد أن تعريفها بالزوال المذكور توسع ومجاز فقال الطهارة لغة وشرعا هي النظافة والتطهير التنظيف ، وهو إثبات النظافة في المحل ، فإنها صفة تحدث ساعة فساعة ، وإنما يمتنع حدوثها بوجود ضدها ، وهو القذر فإذا أزال القذر أي امتنع حدوثه بإزالة العين القذرة تحدث النظافة فكان زوال القذر من باب زوال المانع من حدوث الطهارة لا أن يكون طهارة ، وإنما سمي طهارة توسعا لحدوث الطهارة عند زواله ا هـ .
كتاب الطهارة ( قوله : والتركات ) جمع تركة بالتاء المثناة الفوقية كما رأيته في المستصفى لا بالشين المعجمة ; لأنها داخلة في الأمانات [ ص: 8 ] ( قوله : ومزجرة قطع البيضة ) أي بيضة الإسلام رملي والذي في المستصفى خلع البيضة والمراد به الردة والعياذ بالله تعالى فبيضة الإسلام كلمة الشهادة سميت بذلك تشبيها لها ببيضة النعامة ; لأنها مجمع الولد وكلمة الشهادة مجمع الإسلام وأركانه قال في المغرب والبيضة للنعامة وكل طائر ثم استعيرت لبيضة الحديد لما بينهما من الشبه الشكلي وقيل بيضة الإسلام للشبه المعنوي ، وهو أنها مجتمعه كما أن تلك مجتمع الولد . ا هـ .
( قوله ; لأن النية كذلك ) قال في النهر : لقائل أن يقول لا نسلم أن النية والطهارة لا يسقطان به بل قد يسقطان به أما النية ففي القنية من توالت عليه الهموم تكفيه النية بلسانه ، وأما الطهارة فقد قالوا فيمن قطعت يداه إلى المرفقين ورجلاه إلى الكعبين ، وكان بوجهه جراحة أنه يصلي بلا وضوء ولا تيمم ولا إعادة عليه في الأصح كما في الظهيرية فإذا اتصف بهذا الوصف بعد ما دخل الوقت سقطت عنه الطهارة بهذا العذر ( قوله : وإنما كان التعليل بالجمع بين النجمين ضعيفا إلخ ) قال في النهر أقول : غير خاف أن حرية الرقبة ، وإن لم توجد لكن الفقد سببها والأصل فيها التنجيم فالظاهر أن يقال الجمع حقيقة إنما يكون في الأجسام وما ذكر من المعاني أو قد أمكن الحقيقي باعتبار أن كلا منهما كتب على نفسه أمرا يعني وثيقة جمع الحروف فيها ; ولهذا قال الشارح بعد ذكر الضعيف أو ; لأن كلا منهما يكتب وثيقة ، وهذا أظهر [ ص: 9 ] ( قوله : بالزوال والمذكور ) أي بزوال الحدث أو الخبث .