مراده بهذا الحديث في هذا الباب: أن الذين صلوا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيت عتبان سلموا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- حين سلم من الصلاة، ولم يوجد منهم سوى السلام من الصلاة كسلام النبي -صلى الله عليه وسلم- منها، وفي ذلك رد على من قال: إن المأموم يرد على الإمام سلامه مع تسليمه من السلام إما قبله أو بعده.
وقد قال بذلك طوائف من السلف، منهم: nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة :
فروي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، أنه كان إذا سلم الإمام رد عليه، ثم سلم عن يمينه، فإن سلم عليه أحد عن يساره رد عليه وإلا سكت.
وروي عنه، أنه كان يسلم عن يمينه، ثم يرد على الإمام.
وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، أنه كان إذا سلم الإمام قال: السلام عليك أيها القارئ.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : ابدأ بالإمام، ثم سلم على من عن يمينك، ثم على [ ص: 225 ] من عن شمالك.
وعن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة نحوه.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : إذا سلم الإمام فرد عليه.
وكان سالم يفعله.
وقاله nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : هو سنة.
قال nindex.php?page=showalam&ids=17134مكحول : كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يردون على الإمام إذا سلم عليهم.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء - أيضا -: حق عليك أن ترد على الإمام إذا سلم.
وقال - مرة -: هو مخير، إن شاء رد عليه، وإن شاء صبر حتى يسلم لنفسه، وينوي به الإمام، ومن صلى على جانبيه.
وقال في الرد على الإمام: يرد في نفسه، ولا يسمعه.
وكذا قال حماد .
فإن كان مراد من قال: يرد على الإمام: أنه يرد عليه السلام في نفسه، ولا يتكلم به، فهذا الرد إذا فعله في الصلاة لا تبطل به الصلاة، وإن كان مراده: أنه يرد بلسانه، كما هو ظاهر كلام أكثرهم، فإنه ينبني على أن رد السلام في الصلاة لا يبطل الصلاة، وقد ذهب إلى ذلك طائفة من السلف، ويأتي ذكره في موضع آخر - إن شاء الله تعالى.
وقد ينبني - أيضا - على أن السلام ليس من فروض الصلاة، وأنه يخرج من الصلاة بكل مناف لها من الكلام ونحوه، كما قال ذلك من ذكرنا قوله من قبل.
[ ص: 226 ] وأما من قال: إن الرد على الإمام يكون بعد السلام من الصلاة، فهذا لا إشكال فيه؛ فإنه قد خرج من الصلاة بالسلام، وقد ذهب إلى ذلك غير واحد من الأئمة المشهورين.
قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، في المأموم: يسلم تسليمة عن يمينه، وأخرى عن يساره، ثم يرد على الإمام.
قال nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : تحصيل قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في ذلك: أن الإمام يسلم واحدة تلقاء وجهه، ويتيامن بها قليلا، وأن المصلي لنفسه - يعني: منفردا - يسلم اثنتين - في رواية nindex.php?page=showalam&ids=16337ابن القاسم - وأن المأموم يسلم ثلاثا إن كان عن يساره أحد.
واختلف قوله في موضع رد المأموم على الإمام: فمرة قال: يسلم عن يمينه وعن يساره، ثم يرد على الإمام. ومرة قال: يرد على الإمام بعد أن يسلم عن يمينه، ثم يسلم عن يساره.
وقد روى أهل المدينة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وبعض المصريين، أن الإمام والمنفرد سواء، يسلم كل واحد منهما تسليمة واحدة تلقاء وجهه، ويتيامن بها قليلا.
قال: وكان nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد يبدأ بالرد على الإمام، ثم يسلم عن يمينه وعن يساره.
ونقل nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في الرد على الإمام قبل السلام، قال: لا. قيل له: فبعده؟ قال: نعم، وإن شاء نوى بالسلام الرد. قال: وما أعرف فيه حديثا عاليا يعتمد عليه.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى : وظاهر هذا: أنه مخير في الرد على الإمام بالنية في حال سلامه، أو بالقول بعده، فيقول: السلام عليك أيها القارئ. قال: ويسر [ ص: 227 ] به، ولا يجهر.
نقل nindex.php?page=showalam&ids=15202المروذي ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في الرجل يرد السلام على الإمام، فقال: إذا نوى بتسليمه الرد، فقد رد عليه، فإن فعل رجل فليخفه.
قال: ومعناه: إن رد عليه بالقول فليخفه.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق : لا اختلاف بين أهل العلم في الرد على الإمام إذا سلم كما سلم، ولكن اختلفوا: هل يبدأ بالرد عليه قبل السلام، أم يرد عليه بعد السلام؟ قال: وأحب إلي أن يرد بعد السلام. قال: وإذا رفع صوته بالرد قدر ما يسمع الإمام والصف الذي يليه جاز، وإن أسره وأسمع أذنيه بالرد على الإمام أجزأه.
وكل من قال: يرد على الإمام قال: يرد عليه بلفظ السلام من غير زيادة، إلا ما روي عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، أنه يقول: السلام عليك أيها القارئ، كما سبق.
أحدهما: لا ينوي ذلك، ونص عليه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية مهنا وغيره، وهو اختيار ابن حامد من أصحابنا؛ لأن السلام ركن من أركان الصلاة، لا يخرج منها بدونه، على ما تقدم، والصلاة لا يرد فيها السلام على أحد، بل هو مبطل للصلاة؛ لأنه خطاب آدمي، هذا مذهبنا، وقول جمهور العلماء.
وعلى هذا: فهل تبطل صلاته بذلك؟
قال ابن حامد من أصحابنا: إن لم ينو سوى الرد بطلت صلاته، وإن نوى الرد والخروج من الصلاة ففي البطلان وجهان؛ لأنه لم يخلص النية لخطاب [ ص: 228 ] المخلوق، فأشبه ما لو قال لمن دق عليه الباب: ادخلوها بسلام آمنين ينوي به القراءة والإذن له؛ فإن في بطلان الصلاة بذلك روايتين، أصحهما: لا تبطل.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد - في رواية جعفر بن محمد -: السلام على الإمام لا نعرف له موضعا، وتسليم الإمام هو انقضاء الصلاة، ليس هو سلام على القوم، فيجب عليهم أن يردوا، ولكن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر شدد في هذا، يسلم الرجل وينوي به السلام من الصلاة والرد على الإمام، كأنه يقوله على وجه الإنكار لذلك. قيل له: إنهم يقولون: إن رد السلام على الإمام واجب. قال: أرجو أن لا يكون واجبا، وإن رد فلا بأس.
والقول الثاني: أنه ينوي المأموم بسلامه الرد على إمامه، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي وحماد nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، ونص عليه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية جماعة من أصحابه.
وهل هو مسنون مستحب، أو جائز؟ فيه روايتان - أيضا - عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : قال - في رواية يعقوب بن بختان -: ينوي بسلامه الرد.
وهو اختيار nindex.php?page=showalam&ids=14800أبي حفص العكبري .
وقال - في رواية غيره -: لا بأس به.
فظاهره: جوازه فقط، وهو اختيار nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبي يعلى وغيره.
وقال - في رواية ابن هانئ -: إذا نوى بتسليمه الرد على الإمام أجزأه.
وظاهر هذا: أنه واجب؛ لأنه رد سلام، فيكون فرض كفاية، إلا أن يقال: إن المسلم في الصلاة لا يجب الرد عليه، أو يقال: إنه يجوز تأخير الرد إلى بعد السلام. ولكن إذا جوزنا تأخيره وجب أحد أمرين: إما أن ينوي الرد بالسلام، أو أن يرد بعد ذلك، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء كما تقدم.
وتبويب nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري قد يشعر بذلك؛ لقوله: " واكتفى بتسليم الإمام "، [ ص: 229 ] ويحتمل أنه أراد أن تسليم الصلاة كاف، عن الرد، وإن لم ينو به الرد، كما قاله nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد الأنصاري : إذا سلمت عن يمينك أجزأك من الرد عليه.
وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي .
ولم يشترطا أن ينوي بسلامه الرد.
قال nindex.php?page=showalam&ids=14800أبو حفص العكبري : وينوي بالأولى الخروج من الصلاة، وبالثانية الرد على الإمام والحفظة.
وممن رأى أن ينوي بسلامه الرد على الإمام: nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأصحابهما.
ثم قال أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : إن كان المأموم عن يمين الإمام نوى بتسليمته الأولى السلام على من عن يمينه من الملائكة والمسلمين من الإنس والجن، وينوي بالثانية ذلك مع الرد على إمامه، وإن كان المأموم عن يسار إمامه نواه في الأولى، وإن كان محاذيا له نواه في أيتهما شاء، والأولى أفضل -: نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في " الأم "، وينوي الإمام بسلامه من عن يمينه ويساره من الملائكة والمسلمين من المأمومين وغيرهم، وينوي بعض المأمومين الرد على بعض. قالوا: وكل هذه النيات مستحبة، لا يجب منها شيء.
وقال أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة : ينوي المصلي بكل تسليمة من في تلك الجهة من الناس والحفظة.
وهل يقدم الآدميين على الملائكة في النية؟ على روايتين عندهم:
أحدهما: يقدم الملائكة؛ لأنهم عندهم أفضل.
والثانية: يقدم الناس؛ لمشاهدتهم.
[ ص: 230 ] ويدخل المأموم الإمام في الجهة التي هو فيها. فإن كان بحذائه أدخله في اليمين؛ لأنها أفضل.
وروى nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر ، عن حماد ، قال: إذا كان الإمام، عن يمينك ثم سلمت عن يمينك، ونويت الإمام كفى ذلك، وإذا كان عن يسارك ثم سلمت عن يسارك ونويت الإمام كفى ذلك - أيضا - وإن كان بين يديك فسلم عليه في نفسك، ثم سلم عن يمينك وشمالك.
وينوي الخروج بالأولى، سواء قلنا: يخرج بها من الصلاة، أو قلنا: لا يخرج إلا بالثانية؛ لأن النية تستصحب إلى الثانية.
ومن الأصحاب من قال: إن قلنا: الثانية سنة نوى بالأولى الخروج، وإن قلنا: الثانية فرض نوى الخروج بالثانية خاص. والصحيح: الأول.
ولأصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في وجوب نية الخروج بالسلام وبطلان الصلاة بتركها وجهان - أيضا.
ونص nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على أن ينوي بالسلام الخروج.
ولكن اختلفوا: هل هو محمول على الاستحباب، أو الوجوب؟
وإنما ينوي الخروج عندهم بالأولى؛ لأن الثانية ليست عندهم واجبة بغير خلاف.
[ ص: 231 ] واستدل من استحب أن ينوي بسلامه الحفظة والإمام والمأمومين بما خرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=98جابر بن سمرة ، قال: كنا إذا صلينا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلنا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيده إلى الجانبين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " علام تومئون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس، وإنما يكفي أحدكم أن يضع يده على فخذه، ثم يسلم على أخيه من على يمينه وشماله ".
وفي رواية له: فقال: " ما شأنكم تشيرون بأيديكم، كأنها أذناب خيل شمس، إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه، ولا يومئ بيده ".
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود من حديث nindex.php?page=showalam&ids=24سمرة بن جندب ، قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نرد على الإمام، وأن نتحاب، وأن يسلم بعضنا على بعض.
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود - أيضا - من طريق آخر، عن nindex.php?page=showalam&ids=24سمرة ، قال: أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: " ابدأوا قبل التسليم، فقولوا: التحيات الطيبات الصلوات، والملك لله، ثم سلموا على اليمين، ثم سلموا على قارئكم وعلى أنفسكم ".