وقال إبراهيم بن سعد، عن الزهري: إذا أذن المؤذن يوم الجمعة، وهو مسافر، فعليه أن يشهد.
اشتمل كلامه - هاهنا - على مسائل:
إحداها: المشي إلى الجمعة، وله فضل.
وفي حديث أوس بن أوس ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: " من بكر وابتكر، وغسل واغتسل، ومشى ولم يركب ". وقد سبق.
وفي حديث اختصام الملأ الأعلى، " إنهم يختصمون في الكفارات والدرجات، والكفارات إسباغ الوضوء في الكريهات، والمشي على الأقدام إلى الجمعات ".
وقد خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ .
وله طرق كثيرة، ذكرتها مستوفاة في " شرح nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ".
[ ص: 431 ] وروى nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة بإسناد فيه انقطاع، أن nindex.php?page=showalam&ids=82عبد الله بن رواحة كان يأتي الجمعة ماشيا، فإذا رجع رجع كيف شاء ماشيا، وإن شاء راكبا.
وفي رواية: وكان بين منزله وبين الجمعة ميلان.
وعن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، أنه كان يأتي الجمعة من ذي الحليفة ماشيا.
وذكر ابن سعد في " طبقاته " بإسناده، عن nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ، أنه كتب ينهى أن يركب أحد إلى الجمعة والعيدين.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي : لا يركب إلى الجمعة.
المسألة الثانية:
أنه يستحب المشي بالسكينة مع مقاربة الخطى، كما في سائر الصلوات، على ما سبق ذكره في موضعه.
فروى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي من حديث عبد الله بن الصامت ، قال: خرجت إلى المسجد يوم الجمعة، فلقيت nindex.php?page=showalam&ids=1584أبا ذر ، فبينا أنا أمشي إذ سمعت النداء، فرفعت في المشي؛ لقول الله عز وجل: إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله فجذبني جذبة كدت أن ألاقيه، ثم قال: أولسنا في سعي؟
فقد أنكر nindex.php?page=showalam&ids=1584أبو ذر على من فسر السعي بشدة الجري والعدو، وبين أن المشي إليها سعي؛ لأنه عمل، والعمل يسمى سعيا، كما قال تعالى: إن سعيكم لشتى [ ص: 432 ] وقال: ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها ومثل هذا كثير في القرآن.
وبهذا فسر السعي في هذه الآية التابعون فمن بعدهم، ومنهم: nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة ، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، nindex.php?page=showalam&ids=14980ومحمد بن كعب ، nindex.php?page=showalam&ids=15944وزيد بن أسلم ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وغيرهم.
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - أيضا - من وجه منقطع.
ومنهم من فسر السعي بالجري والمسابقة، لكنه حمله على سعي القلوب والمقاصد والنيات دون الأقدام، هذا قول nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن .
وجمع nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة بين القولين - في رواية - فقال: السعي بالقلب والعمل.
وكان nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود وجماعة من الصحابة يقرءونها: " فامضوا إلى ذكر الله ".
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي : لو قرأتها " فاسعوا " لسعيت حتى يسقط ردائي.
وروي هذا الكلام عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود من وجه منقطع.
المسألة الثالثة:
في تحريم البيع وغيره مما يشتغل به عن السعي بعد النداء.
وقد حكي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس تحريم البيع وغيره.
وروى nindex.php?page=showalam&ids=12425القاضي إسماعيل في كتابه " أحكام القرآن " من رواية سليمان بن معاذ ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16052سماك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال: لا يصلح البيع يوم الجمعة حين ينادى بالصلاة، فإذا قضيت الصلاة فاشتر وبع.
وبإسناده: عن nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران ، قال: كان بالمدينة إذا نودي بالصلاة من [ ص: 433 ] يوم الجمعة نادوا: حرم البيع، حرم البيع.
وعن nindex.php?page=showalam&ids=12341أيوب ، قال: لأهل المدينة ساعة، وذلك عند خروج الإمام، يقولون: حرم البيع، حرم البيع.
وعن nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ، أنه كان يمنع الناس من البيع يوم الجمعة إذا نودي بالصلاة.
وحكي القول بأن البيع مردود عن nindex.php?page=showalam&ids=14946القاسم بن محمد وربيعة nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة ، عن عبد الكريم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد أو غيره.
وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وغيرهم من فقهاء أهل الحديث.
وخالف فيه nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأصحابهما وعبيد الله العنبري ، وقالوا: البيع غير مردود؛ لأن النهي عن البيع هنا ليس نهيا عنه لذاته بل لوقته.
[ ص: 434 ] والأولون يقولون: النهي يقتضي فساد المنهي عنه، سواء كان لذات المنهي عنه أو لوقته، كالصوم يوم العيد، والصلاة وقت النهي، فكذلك العقود.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري - فيما إذا تصارفا ذهبا بفضة وقبضا البعض، ثم دخل وقت النداء يوم الجمعة، فإنهما يترادان البيع.
وهذا يدل على أن القبض عنده شرط لانعقاد الصرف، فلا يتم العقد إلا به، وهو الصحيح عند المحققين من أصحابنا - أيضا.
وأما ما ذكره عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء ، أنه تحرم الصناعات حينئذ، فإنه يرجع إلى أنه إنما حرم البيع؛ لأنه شاغل عن السعي إلى ذكر الله والصلاة، فكل ما قطع عن ذلك فهو محرم من صناعة أو غيرها، حتى الأكل والشرب والنوم والتحدث وغير ذلك، وهذا قول الشافعية وغيرهم - أيضا.
لكن لأصحابنا في بطلان غير البيع من العقود وجهان، فإن وقوعها بعد النداء نادر، بخلاف البيع، فإنه غالب، فلو لم يبطل لأدى إلى الاشتغال عن الجمعة به، فتفوت الجمعة غالبا.
وأكثر أصحابنا حكوا الخلاف في جواز ذلك، وفيه نظر؛ فإنه إذا وجب السعي إلى الجمعة حرم كل ما قطع عنه.
وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم ، قال: لم يأمرهم الله أن يذروا شيئا غيره، حرم البيع، ثم أذن لهم فيه إذا فرغوا.
وهذا ضعيف جدا؛ فإن البيع إنما خص بالذكر لأنه أكثر ما يقع حينئذ مما يلهي، عن السعي، فيشاركه في المعنى كل شاغل.
واستدل بعض أصحابنا على جواز غير البيع من العقود بالصدقة، وقال: قد أمر بها النبي -صلى الله عليه وسلم- وهو يخطب.
وهذا لا يصح؛ فإن الصدقة قربة وطاعة، وإذا وقعت في المسجد حيث [ ص: 435 ] لا يكره السؤال فيه فلا وجه لمنعها.
فإن ألحق بذلك عقد النكاح في المسجد قبل خروج الإمام كان متوجها، مع أن بعض أصحابنا قد خص الخلاف بالنكاح، وهو nindex.php?page=showalam&ids=13371ابن عقيل .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رواية: إنه يحرم البيع بدخول وقت الوجوب، وهو زوال الشمس.
وقد سبق مثله عن nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء ، والضحاك ، وهو - أيضا - قول nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق ، ومسلم بن يسار ، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق .
وقياس قولهم: إنه يجب السعي بالزوال، ويحرم حينئذ كل شاغل يشغل عنه.
والجمهور: على أنه لا يحرم بدون النداء.
ثم الأكثرون منهم على أنه النداء الثاني الذي بين يدي الإمام؛ لأنه النداء الذي كان في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- فلا ينصرف النداء عند إطلاقه إلا إليه.
وفي " صحيح nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي " من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=256السائب بن يزيد ، قال: كان النداء الذي ذكر الله في القرآن يوم الجمعة إذا خرج الإمام، وإذا قامت الصلاة في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- nindex.php?page=showalam&ids=1وأبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر .
وعن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رواية: أنه يحرم البيع ويجب السعي بالنداء الأول.
وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل بن حيان ، قال: وقد كان النداء الأول قبل زوال الشمس.
ونقله ابن منصور ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه - صريحا.
وعن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، أنه قال: أخاف أن يحرم البيع، وإن أذن قبل الوقت.
قال أصحابنا: ولو اقتصر عليه أجزأ، وسقط فرض الأذان.
[ ص: 436 ] وعند أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يحرم البيع بمجرد الشروع في النداء الثاني بين يدي الإمام، إذا كان قاطعا عن السعي، فأما إن فعله وهو ماش في الطريق ولم يقف، أو هو قاعد في المسجد كره ولم يحرم.
وهذا بعيد، والتبايع في المسجد بعد الأذان يجتمع فيه نهيان؛ لزمانه ومكانه، فهو أولى بالتحريم.
المسألة الرابعة:
حكي عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : أن المسافر إذا سمع النداء للجمعة، فعليه أن يشهدها، وقد سبق ذكر ذلك عنه، وعن nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وعن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء : أن عليه شهودها، سمع الأذان أو لم يسمعه، وأن الجمهور على خلاف ذلك.
وهل للمسافر أن يبيع ويشتري في المصر بعد سماع النداء؟ فيه اختلاف بين أصحابنا، يرجع إلى أن من سقطت عنه الجمعة لعذر، كالمريض: هل له أن يبيع بعد النداء، أم لا؟ فيه روايتان عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
وأما من ليس من أهل الجمعة بالكلية، كالمرأة، فلها البيع والشراء بغير خلاف، وكذا العبد، إذا قلنا: لا يجب عليه الجمعة.