قد تضمن الحديثان - معا - النهي عن لبستين، وسواء في ذلك حال الصلاة وغيرها.
وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد - حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وقال فيه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن لبستين في الصلاة - وذكر الحديث - إحداهما: اشتمال الصماء، ولم يذكر تفسيرها.
وهذا التفسير: الظاهر أنه من قول nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري أدرج في الحديث.
وعند nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري فيه إسناد آخر: رواه عن عطاء بن يزيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=44أبي سعيد ، وقد خرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في موضع آخر، وذكر جماعة ممن رواه عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري كذلك.
وخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من وجه آخر عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى أن يلبس الرجل الثوب الواحد فيشتمل به ويطرح جانبيه على منكبيه، أو يحتبي بالثوب الواحد.
ويروى من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12031أبي سلمة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث، قال: وأن يشتمل الصماء على أحد شقيه.
وخرج nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه نهى أن يلبس ثوبا واحدا يأخذ بجوانبه فيضعه على منكبه، فتلك تدعى الصماء.
وروى nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق ، عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار ، عن عطاء [ ص: 183 ] بن مينا أنه سمعه يحدث عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، قال: نهى عن لبستين وبيعتين - فذكر الحديث - قال: وأما اللبسة الأخرى فأن يلقي داخلة إزاره وخارجته على أحد عاتقيه، ويبرز صفحة شقه.
قال nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج : قلت nindex.php?page=showalam&ids=16705لعمرو : إن جمع بين طرفي الثوب على شقه الأيمن؟ قال: ما رأيتهم إلا يكرهون ذلك.
فحاصل ما دلت عليه الأحاديث في لبسة الصماء: هو أن يلبس ثوبا واحدا - وهو الرداء - فيشتمل به على بدنه من غير إزار، ثم يضع طرفيه على أحد منكبيه، ويبقى منكبه الآخر وشقه مكشوفا، فتبدو عورته منه، وبذلك فسر الصماء أكثر العلماء، ومنهم: nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري ، nindex.php?page=showalam&ids=16472وابن وهب ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=12074وأبو عبيد ، وأكثر العلماء.
قال الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : هو الاضطباع بالثوب إذا لم يكن عليه غيره.
وإنما سن الاضطباع للمحرم؛ لأن عليه إزارا. فلو كان على المصلي إزار وقميص جاز له الاضطباع بردائه في ظاهر مذهب الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وروي عنه أنه يكره ذلك، وإن كان عليه غيره.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب : وقد كان nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أجازها على ثوب، ثم كرهها.
ونقل ابن منصور ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق ، قال: اشتمال الصماء: أن يلتحف بثوب، ثم يخرج إحدى يديه من تحت صدره.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : قال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : اشتمال الصماء عند العرب: أن يشتمل الرجل بثوبه، فيجلل به جسده كله، ولا يرفع منه جانبا فيخرج منه يده، وربما اضطبع فيه على تلك الحال.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : كأنه ذهب إلى أنه لا يدري لعله يصيبه شيء يريد الاحتراس منه، وأن يتقيه بيده فلا يقدر على ذلك.
[ ص: 184 ] قال: وأما تفسير الفقهاء ; فإنهم يقولون: هو أن يشتمل بثوب واحد ليس عليه غيره، ثم يرفعه من أحد جانبيه، فيضعه على منكبيه فيبدو منه فرجه.
قال nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : والفقهاء أعلم بالتأويل في هذا، وذلك أصح معنى في الكلام. انتهى.
وجعل nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : اشتمال الصماء: أن يشتمل بثوب يجلل به بدنه، ثم يرفع طرفيه على عاتقه الأيسر.
فإن لم يرفعه على عاتقه فهو اشتمال اليهود الذي جاء النهي عنه في حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يشتمل بالثوب ويخالف بين طرفيه، فهو مخالف لهما جميعا.
وهذا الذي قاله nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد في تقديم تفسير الفقهاء على تفسير أهل اللغة حسن جدا ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد يتكلم بكلام من كلام العرب يستعمله في معنى هو أخص من استعمال العرب، أو أعم منه، ويتلقى ذلك عنه حملة شريعته من الصحابة، ثم يتلقاه عنهم التابعون، ويتلقاه عنهم أئمة العلماء، فلا يجوز تفسير ما ورد في الحديث المرفوع إلا بما قاله هؤلاء أئمة العلماء الذين تلقوا العلم عمن قبلهم، ولا يجوز الإعراض عن ذلك والاعتماد على تفسير من يفسر ذلك اللفظ بمجرد ما يفهمه من لغة العرب ; وهذا أمر مهم جدا، ومن أهمله وقع في تحريف كثير من نصوص السنة، وحملها على غير محاملها. والله الموفق.
ولو صلى وهو مشتمل الصماء، ولم تبد عورته لم تبطل صلاته عند أكثر العلماء، ومنهم من قال ببطلانها، وهو وجه لأصحابنا.
واللبسة الثانية: أن يحتبي بثوب ليس عليه غيره.
الاحتباء: استفعال من الحبوة - بضم الحاء وكسرها - والحبوة: أن يقعد على أليتيه، وينصب ساقيه، ويحتوي عليهما بثوب، أو نحوه، أو بيده.
[ ص: 185 ] وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتبي في جلوسه بيده، وقد خرج ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في " الأدب ".
وورد في " سنن nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود " أن جلوس النبي صلى الله عليه وسلم كان كذلك.
وهذه الهيئة أخشع هيئات الجلوس ; وقد سبق ذكر ذلك في " كتاب العلم " في " الجلوس عند العالم ".
وإنما نهى عن الاحتباء بثوب واحد، فإذا كان على الرجل ثوب واحد فاحتبى به كذلك بدت عورته، وهذا منهي عنه في الصلاة وغيرها، فإن كان في الصلاة كان مبطلا لها على ما سبق ذكره في كشف العورة في الصلاة، وإن كان في غيرها وكان بين الناس فهو محرم، وإن كان في خلوة انبنى على جواز كشف العورة في الخلوة، وفيه خلاف سبق ذكره.
وإن فعل ذلك وعليه سراويل أو قميص لم يحرم ; فإن النهي عن الاحتباء ورد مقيدا في ثوب واحد، وورد معللا بكشف العورة.
قال nindex.php?page=showalam&ids=16705عمرو بن دينار : إنهم يرون أنه إذا خمر فرجه فلا بأس - يعني: بالاحتباء.
ومن أصحابنا من قال: حكي عن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد المنع من هذا الاحتباء مطلقا، وإن [ ص: 186 ] كان عليه ثوب غيره. وهذا بعيد.
وأما الملامسة والمنابذة، فيأتي ذكرها في موضعها من " البيوع " - إن شاء الله تعالى.
ومقصود nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بهذه الأحاديث: أن كشف الفرج منهي عنه، وأن ستره مأمور به، وهذا يقوي ما يميل إليه، وهو: أن العورة الفرجان خاصة ; لكن النهي عن اشتمال الصماء ليس فيه تصريح بالتعليل بكشف الفرج خاصة، فإنه ينكشف بلباس الصماء جانب الرجل كله، فيدخل فيه: الورك والفخذ - أيضا - والله أعلم.