صفحة جزء
2320 25 - حدثنا أبو اليمان قال : أخبرنا شعيب ، عن الزهري قال : حدثني طلحة بن عبد الله أن [ ص: 298 ] عبد الرحمن بن عمرو بن سهل قال : أخبره أن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : من ظلم من الأرض شيئا طوقه من سبع أرضين .


مطابقته للترجمة ظاهرة; لأن قوله : شيئا في الترجمة يتناول قدر شبر وما فوقه وما دونه ، وأبو اليمان الحكم بن نافع الحمصي ، وشعيب بن أبي حمزة الحمصي ، والزهري محمد بن مسلم بن شهاب ، وطلحة بن عبد الله بن عوف بن أخي عبد الرحمن بن عوف ، وعبد الرحمن بن عمرو بن سهل الأنصاري المدني ، وقد ينسب إلى جده ، وقد نسبه المزي الأنصاري أيضا ، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث فقط ، وفي هذا السند ثلاثة من التابعين على نسق واحد وهم : الزهري ، وطلحة ، وعبد الرحمن رضي الله تعالى عنهم ، وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي أحد العشرة المبشرة بالجنة ، أسلم قديما ، وكان مجاب الدعوة ، وقد أسقط بعض أصحاب الزهري في روايتهم عنه هذا الحديث عبد الرحمن بن عمرو بن سهل ، وجعلوه من رواية طلحة عن سعيد بن زيد نفسه ، وفي مسندي أحمد وأبي يعلى وصحيح ابن خزيمة من طريق ابن إسحاق : حدثني الزهري ، عن طلحة بن عبد الله قال : أتتني أروى بنت أويس في نفر من قريش فيهم عبد الرحمن بن سهل فقالت : إن سعيدا انتقص من أرضي إلى أرضه ما ليس له ، وقد أحببت أن تأتوه فتكلموه قال : فركبنا إليه ، وهو بأرضه بالعقيق فذكر الحديث ، وقال الكرماني : روي أن مروان أرسل إلى سعيد ناسا يكلمونه في شأن أروى بنت أويس ، وكانت شكته إلى مروان في أرض فقال سعيد : تروني ظلمتها ، وقد سمعت رسول الله عليه الصلاة والسلام يقول الحديث ، فترك سعيد لها ما ادعت ، وقال : اللهم إن كانت كاذبة فلا تمتها حتى تعمي بصرها ، وتجعل قبرها في بئر ، قالوا : فوالله ما ماتت حتى ذهب بصرها ، فجعلت تمشي في دارها فوقعت في بئرها ، قوله : " طوقه " على بناء المجهول ، قال الخطابي : له وجهان; أحدهما أنه يكلف نقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر ، فيكون كالطوق في عنقه ، والآخر : أن يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين كما في الحديث الآخر الذي بعده ، وقال النووي : وأما التطويق فقالوا : يحتمل أن معناه أن يحمل منه من سبع أرضين ، ويكلف إطاقته ذلك ، أو يجعل له كالطوق في عنقه ، ويطول الله عنقه كما جاء في غلظ جلد الكافر ، وعظم ضرسه ، أو يطوق إثم ذلك ويلزم كلزوم الطوق بعنقه ، وقال ابن الجوزي : هو من تطويق التكليف لا من التقليد قال : وليس ذلك بممتنع ، فإنه صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا ألفين أحدكم تأتي على رقبته بعير أو شاة " وأما الخسف : أن يخسف به الأرض بعد موته ، أو في حشره ، وفي تهذيب الطبري بيان لهذا التطويق قال : حدثنا سفيان بن وكيع ، حدثنا حسن بن علي ، حدثنا زائدة ، عن الربيع ، عن أيمن ، حدثني يعلى بن مرة ، سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول : أيما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ سبع أرضين ، ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضي بين الناس ، وفي رواية الشعبي ، عن أيمن عنه : من سرق شبرا من أرض أو غلة جاء يحتمله يوم القيامة على عنقه إلى سبع أرضين ، وفي رواية : كلف أن يحمل ترابها إلى المحشر ، وفي التوضيح : والصواب أيمن عن يعلى ، ووهم ابن منده وأبو نعيم في ظنهما أن لأيمن صحبة ، (قلت) : وكذا قال الذهبي في تجريد الصحابة : إنهما وهما في ذلك .

(ذكر ما يستفاد منه) فيه دليل أن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى منتهاها ، وله أن يمنع من حفر تحتها سربا أو بئرا ، سواء أضر ذلك بأرضه أو لا ، قاله الخطابي ، وقال ابن الجوزي : لأن حكم أسفلها تبع لأعلاها ، وقال القرطبي : وقد اختلف فيما إذا حفر أرضه فوجد فيها معدنا أو شبهه ، فقيل : هو له ، وقيل : بل للمسلمين ، وعلى ذلك فله أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بجاره ، وكذلك له أن يرفع في الهواء المقابل لذلك القدر من الأرض من البناء ما شاء ، ما لم يضر بأحد ، واستدل الداودي على أن السبع الأرضين بعضها على بعض ، لم يفتق بعضها من بعض ، قال : لأنه لو فتقت لم يطوق منها ما ينتفع به غيره ، وقيل : بين كل أرض وأرض خمس مائة عام ، مثل ما بين كل سماء وسماء ، وفيه تهديد عظيم للغصاب ، وفيه دليل على أن الأرضين سبع كما قال تعالى : ومن الأرض مثلهن وقال الكرماني : وفيه غصب الأرض خلافا للحنفية قلت : رمى الكرماني كلامه جزافا من غير وقوف على كيفية مذهب الحنفية ، فإن مذهبهم فيه خلاف ، فعند أبي حنيفة وأبي يوسف : الغصب لا يتحقق إلا فيما ينقل ويحول; لأن إزالة اليد بالنقل ، ولا نقل في العقار ، فإذا غصب عقارا فهلك في يده لا يضمن ، وقال محمد : يضمن ، وهو قول أبي [ ص: 299 ] يوسف الأول ، وبه قال زفر والشافعي ومالك وأحمد ; لأن الغصب عندهم يتحقق في العقار ، والخلاف في الغصب لا في الإتلاف ، وبعض مشايخنا قالوا : يتحقق الغصب في العقار أيضا عند أبي حنيفة وأبي يوسف ، لكن لا على وجه يوجب الضمان ، والأكثرون على أنه لا يتحقق في العقار أصلا ، والاستدلال بحديث الباب على ما ذهبوا إليه غير مستقيم; لأنه صلى الله عليه وسلم جعل جزاء غصب الأرض التطوق يوم القيامة ، ولو كان الضمان واجبا لبينه; لأن الضمان من أحكام الدنيا ، فالحاجة إليه أمس ، والمذكور جميع جزائه ، فمن زاد عليه كان نسخا ، وذا لا يجوز بالقياس ، وإطلاق لفظ الغصب عليه لا يدل على تحقق الغصب الموجب للضمان كما أنه صلى الله تعالى عليه وسلم أطلق لفظ البيع على الحر بقوله : " من باع حرا " ولا يدل ذلك على البيع الموجب للحكم على أنه جاء في الصحيحين بلفظ أخذ ، فقال : من أخذ شبرا من الأرض ظلما ، فإنه يطوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين ، فعلم أن المراد من الغصب الأخذ ظلما لا غصبا موجبا للضمان . فإن قلت : قوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم : " على اليد ما أخذت حتى ترد " يدل على ذلك بإطلاقه ، والتقييد بالمنقول خلافه ، قلت : هذا مجاز; لأن الأخذ حقيقة لا يتصور في العقار; لأن حد الأخذ أن يصير المأخوذ تبعا ليده فافهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية