صفحة جزء
2349 54 - حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يحيى بن سعيد ، عن حميد ، عن أنس رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين مع خادم بقصعة فيها طعام ، فضربت بيدها فكسرت القصعة فضمها ، وجعل فيها الطعام ، وقال : كلوا ، وحبس الرسول والقصعة حتى فرغوا ، فدفع القصعة الصحيحة ، وحبس المكسورة .


مطابقته للترجمة في قوله : " فكسرت القصعة " ، ويحيى بن سعيد القطان . قوله : " كان عند بعض نسائه " . وروى الترمذي من رواية سفيان الثوري ، عن حميد ، عن أنس قال : أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم طعاما في قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها ، فألقت ما فيها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : طعام بطعام ، وإناء بإناء . ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وأخرجه أحمد ، عن ابن أبي عدي ، ويزيد بن هارون ، عن حميد ، به . وقال : أظنها عائشة . وقال الطيبي : إنما أبهمت عائشة تفخيما لشأنها ، قيل : إنه مما لا يخفى ولا يلتبس أنها هي ; لأن الهدايا إنما كانت تهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها ، ورد بأن هذا مجرد دعوى يحتاج إلى البيان . وقال شيخنا : لم يقع في رواية أحد من البخاري ، والترمذي ، وابن ماجه تسمية زوج النبي صلى الله تعالى عليه وسلم التي أهدت له الطعام ، وقد ذكر ابن حزم من طريق الليث ، عن جرير بن حازم ، عن حميد ، عن أنس ، أن التي أهدته إليه زينب بنت جحش ، أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في بيت عائشة ، ويومها جفنة من حيس ، فقامت عائشة فأخذت القصعة فضربت بها ، فكسرتها فقام رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى قصعة لها فدفعها إلى رسول زينب ، فقال : هذه مكان صحفتها ، وروى أبو داود والنسائي من رواية جسرة بنت دجاجة عن عائشة قالت : ما رأيت صانعا طعاما مثل صفية صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم طعاما فبعثت به فأخذني أفكل ، يعني رعدة ، فكسرت الإناء ، فقلت : يا رسول الله ، ما كفارة ما صنعت ؟ قال : إناء مثل إناء ، وطعام مثل طعام . قال الخطابي : في إسناده مقال . وقال الشيخ : يحتمل أنهما واقعتان ، وقعت لعائشة مرة مع زينب ، ومرة مع صفية ، فلا مانع من ذلك ، فإن كان ذلك واقعة واحدة رجعنا إلى الترجيح . وحديث أنس أصح ، وفي بعض طرقه زينب ، والله أعلم ، وذكر أبو محمد المنذري في الحواشي أن مرسلة القصعة أم سلمة رضي الله تعالى عنها . وروى النسائي من طريق حماد بن سلمة ، عن ثابت ، عن أبي المتوكل ، عن أم سلمة ، أنها أتت بطعام في صحفة إلى النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وأصحابه ، فجاءت عائشة متزرة بكساء ، ومعها فهر ، ففلقت الصحفة . الحديث . وفي ( الأوسط ) للطبراني من طريق عبيد الله العمري [ ص: 37 ] عن ثابت ، عن أنس ، أنهم كانوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت عائشة إذ أتي بصحفة خبز ولحم من بيت أم سلمة ، فوضعنا أيدينا ، وعائشة تصنع طعاما عجلة ، فلما فرغنا جاءت به ، ورفعت صحفة أم سلمة فكسرتها ، وروى ابن أبي شيبة وابن ماجه من طريق رجل من بني سواءة غير مسمى عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه ، فصنعت له طعاما ، وصنعت له حفصة طعاما ، فسبقتني فقلت للجارية : انطلقي فأكفئي قصعتها ، فألقتها فانكسرت ، وانتثر الطعام فجمعه على النطع ، فأكلوا ثم بعث بقصعتي إلى حفصة ، فقال : خذوا ظرفا مكان ظرفكم ، والظاهر أنها قصة أخرى ; لأن في هذه القصة أن الجارية هي التي كسرت ، وفي الذي تقدم أن عائشة نفسها هي التي كسرتها . قوله : " فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين " ، قد تقدم من الأحاديث أن التي أرسلت دائرة بين عائشة وزينب بنت جحش ، وصفية ، وأم سلمة رضي الله تعالى عنهن ، فإن كانت القصة متعددة فلا كلام فيها ، وإلا فالعمل بالترجيح ، كما ذكرنا . قوله : " مع خادم " ، يطلق الخادم على الذكر والأنثى ، وهنا المراد الأنثى بدليل تأنيث الضمير في قوله : " فضربت بيدها فكسرت القصعة " . وذكر هنا القصعة ، وفي غيره ذكر الجفنة والصحفة كما مر . قوله : " فيها طعام " ، قد ذكر في حديث زينب أنه حيس ، بفتح الحاء المهملة ، وسكون الياء آخر الحروف ، وفي آخره سين مهملة ، وهو الطعام المتخذ من التمر ، والأقط ، والسمن ، وقد يجعل عوض الأقط الدقيق ، أو الفتيت . وفي حديث الطبراني : خبز ولحم . قوله : " فضمها " ، أي : ضم القصعة التي انكسرت رسول الله صلى الله عليه وسلم . قوله : " وقال : كلوا " ، أي : قال صلى الله تعالى عليه وسلم لأصحابه الذين كانوا معه . قوله : " وحبس الرسول " ، أي : أوقف الخادم الذي هو رسول إحدى أمهات المؤمنين . قوله : " والقصعة " ، أي : حبس القصعة المكسورة أيضا عنده . قوله : " حتى فرغوا " ، أي : حتى فرغت الصحابة الذين كانوا معه من الأكل . قوله : " فدفع " ، أي : أمر بإحضار قصعة صحيحة من عند التي هو في بيتها ، فدفعها إلى الرسول ، وحبس القصعة المكسورة عنده ورأيت في بعض المواضع في أثناء مطالعتي أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ القصعة المكسورة ، وكانت قطعا فاستوت صحيحة في كفه المبارك كما كانت أولا .

( ذكر ما يستفاد منه ) قال ابن التين : احتج بهذا الحديث من قال : يقضى في العروض بالأمثال ، وهو مذهب أبي حنيفة ، والشافعي ، ورواية عن مالك ، وفي رواية أخرى كل ما صنع الآدميون غرم مثله كالثوب ، وبناء الحائط ، ونحو ذلك ، وكل ما كان من صنع الله عز وجل مثل العبد والدابة ففيه القيمة والمشهور من مذهبه أن كل ما كان ليس بمكيل ، ولا موزون ففيه القيمة ، وما كان مكيلا ، أو موزونا فيقضى بمثله يوم استهلاكه . وقال ابن الجوزي : فإن قيل : الصحفة من ذوات القيم ، فكيف غرمها فالجواب من وجهين : أحدهما أن الظاهر ما يحويه بيته صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أنه ملكه ، فنقل من ملكه إلى ملكه لا على وجه الغرامة بالقيمة . الثاني : أن أخذ القصعة من بيت الكاسرة عقوبة ، والعقوبة بالأموال مشروعة ، ولما استدل ابن حزم بحديث القصعة قال : هذا قضاء بالمثل لا بالدراهم . قال : وقد روي عن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه ، وابن مسعود ، أنهما قضيا فيمن استهلك فصلانا بفصلان مثلها ، وشبهه داود بجزاء الصيد في العبد العبد ، وفي العصفور العصفور ، وفي ( التوضيح ) ، واختلف العلماء فيمن استهلك عروضا ، أو حيوانا فذهب الكوفيون ، والشافعي ، وجماعة إلى أن عليه مثل ما استهلك . قالوا : ولا يقضى بالقيمة إلا عند عدم المثل ، وذهب مالك إلى أن من استهلك شيئا من العروض أو الحيوان ، فعليه قيمته يوم استهلاكه ، والقيمة أعدل في ذلك ، ثم قال : واتفق مالك ، والكوفيون ، والشافعي ، وأبو ثور فيمن استهلك ذهبا أو ورقا ، أو طعاما مكيلا ، أو موزونا ، أن عليه مثل ما استهلك في صفته ، ووزنه ، وكيله . ( قلت ) : مذهب أبي حنيفة أن كل ما كان مثليا إذا استهلكه شخص يجب عليه مثله ، وإن كان من ذوات القيم يجب عليه قيمته ، والمثلي كالمكيل مثل الحنطة والشعير ، والموزون كالدراهم والدنانير ، لكن بشرط أن لا يكون الموزون مما يضر بالتبعيض ، يعني غير المصوغ منه فهو يلحق بذوات القيم . وغير المثلي كالعدديات المتفاوتة كالبطيخ ، والرمان ، والسفرجل ، والثياب ، والدواب . والعددي المتقارب كالجوز ، والبيض . والفلوس كالمكيل . والجواب عن حديث الباب ما قاله ابن الجوزي المذكور آنفا ، وقد ذكرنا في أول الباب ما يكفي عن الجواب عن الحديث . وفيه بسط عذر المرأة في حالة الغيرة ; لأنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم عاتب عائشة على ذلك ، فإنما قال : غارت أمكم ، ويقال : إنما لم يؤدبها ، ولو بالكلام ; لأنه فهم أن المهدية كانت [ ص: 38 ] أرادت بإرسالها ذلك إلى بيت عائشة أذاها ، والمظاهرة عليها ، فلما كسرتها لم يزد على أن قال : غارت أمكم ، وجمع الطعام بيده ، وقال : قصعة بقصعة ، وأما طعام بطعام ; لأنه كان يعلم بإتلافه قبول له ، أو في حكمه . وقال القاضي أبو بكر : ولم يغرم الطعام ; لأنه كان مهدى ، فإتلافه قبول له ، أو في حكم القبول قيل فيه نظر ; لأن الطعام لم يتلف ; فإنه دعا بقصعة فوضعه فيها ، وقال : كلوا ، غارت أمكم . وأجيب بأن هذا الطعام إن كان هدية فيستدعي أن يكون ملكا للمهدي فلا غرامة ، وإن كان ملكا للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم باعتبار أن ما كان في بيوت أزواجه صلى الله تعالى عليه وسلم فهو ملك له ، فلا يتصور فيه الغرامة .

التالي السابق


الخدمات العلمية