افتتح كتاب الغسل بالآيتين الكريمتين إشعارا بأن وجوب الغسل على الجنب بنص القرآن. قوله تعالى: وإن كنتم جنبا فاطهروا أي اغسلوا أبدانكم على وجه المبالغة، والجنب يستوي فيه الواحد والاثنان، والجمع، والمذكر، والمؤنث؛ لأنه اسم جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب، يقال: أجنب يجنب إجنابا، والجنابة الاسم وهو في اللغة البعد، وسمي الإنسان جنبا لأنه نهي أن يقرب من مواضع الصلاة ما لم يتطهر، ويجمع على أجناب وجنبين. وقوله: "فاطهروا " القاعدة تقتضي أن يكون أصله: "تطهروا"، فلما قصدوا الإدغام قلبت التاء طاء، فأدغم في الطاء، واجتلبت همزة الوصل، ومعناه "طهروا أبدانكم"، قلت: أصله من باب التفعل ليدل على التكلف والاعتمال، وكذلك باب الافتعال يدل عليه نحو "اطهر"، أصله من طهر يطهر، فنقل طهر إلى باب الافتعال، فصار اطهر على وزن افتعل، فقلبت التاء طاء، وأدغمت الطاء في الطاء، وفيه من التكلف ما ليس في طهر. وتمام الآية: وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون .
وفيها من الأحكام ما استنبط منها الفقهاء على ما عرف في موضعه.