صفحة جزء
2569 6 - حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا زكرياء قال : سمعت عامرا يقول : حدثني جابر رضي الله عنه أنه كان يسير على جمل له قد أعيا ، فمر النبي - صلى الله عليه وسلم - فضربه فدعا له فسار بسير ليس يسير مثله ، ثم قال : بعنيه بوقية قلت : لا ، ثم قال : بعنيه بوقية ، فبعته فاستثنيت حملانه إلى أهلي ، فلما قدمنا أتيته بالجمل ونقدني ثمنه ثم انصرفت فأرسل على إثري قال : ما كنت لآخذ جملك فخذ جملك ذلك فهو مالك .


[ ص: 294 ] مطابقته للترجمة في قوله ( فبعته فاستثنيت حملانه إلى أهلي ) فإنه بيع فيه شرط ركوب الدابة إلى مكان مسمى وهو المدينة ، وكان بينه وبين المدينة ثلاثة أيام ، ومن هذا قال مالك : إن كان الاشتراط في الركوب إلى مكان قريب كاليوم واليومين والثلاثة فالبيع جائز ، وإن كان أكثر من ذلك فلا يجوز .

وأبو نعيم بضم النون الفضل بن دكين ، وزكرياء هو ابن أبي زائدة الكوفي ، وعامر هو الشعبي ، والحديث مضى في الاستقراض وغيره ومضى الكلام فيه هناك ، ولنتكلم أيضا لزيادة الفائدة وإن وقع مكررا .

قوله : ( قد أعيا ) أي تعب ، قوله : ( فضربه فدعا له ) كذا بالفاء فيهما كأنه عقب الدعاء له بضربه ، وفي رواية مسلم وأحمد من هذا الوجه فضربه برجله ودعا له ، وفي رواية يونس بن بكير عن زكرياء عند الإسماعيلي : فضربه ودعا له فمشى مشية ما مشى قبل ذلك مثلها ، وفي رواية مغيرة : فزجره ودعا له ، وفي رواية عطاء وغيره عن جابر التي تقدمت في الوكالة : فمر بي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : من هذا ؟ قلت : جابر بن عبد الله ، قال : ما لك ؟ قلت : إني على جمل ثقال ، فقال : أمعك قضيب ؟ قلت : نعم ، قال : أعطنيه ، فأعطيته فضربه فزجره فكان من ذلك المكان من أول القوم ، وفي رواية النسائي من هذا الوجه : فأزحف فزجره النبي - صلى الله عليه وسلم - فانبسط حتى كان أمام الجيش ، وفي رواية وهب بن كيسان عن جابر التي تقدمت في البيوع : " فتخلف فنزل فحجنه بمحجنه " ثم قال لي : اركب فركبته ، فقد رأيته أكفه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وعند أحمد من هذا الوجه : قلت : يا رسول الله أبطأ بي جملي هذا ، قال : أنخه ، وأناخ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال : أعطني هذه العصا أو اقطع لي عصا من هذه الشجرة ، فقطعت فأخذها فنخسه بها نخسات ، ثم قال : اركب فركبت ، وفي رواية الطبراني من حديث زيد بن أسلم عن جابر : فأبطأ علي جملي حتى ذهب الناس فجعلت أرقبه ويهمني شأنه ، فإذا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أجابر ؟ قلت : نعم ، قال : ما شأنك ؟ قلت : أبطأ علي جملي ، فنفث فيها أي في العصا ثم مج من الماء في نحره ثم ضربه بالعصا فانبعث فما كدت أمسكه ، وفي رواية أبي الزبير عن جابر عند مسلم : فكنت بعد ذلك أحبس خطامه لأسمع حديثه ، وله من طريق أبي نضرة عن جابر : فنخسه ثم قال : اركب بسم الله ، زاد في رواية مغيرة فقال : كيف ترى بعيرك ؟ قلت : بخير قد أصابته بركتك .

قوله : ( فسار بسير ) سار ماض ، وبسير جار ومجرور مصدر ليس يسير بلفظ فعل المضارع ، قوله : ( بعنيه بوقية ) بفتح الواو وحذف الألف فيه لغة ، قال الجوهري : وهي أربعون درهما ، ( قلت ) : كان هذا في عرفهم في ذلك الزمان وفي عرف الناس بعد ذلك عشرة دراهم ، وفي عرف أهل مصر اليوم اثنا عشر درهما ، وفي عرف أهل الشام خمسون درهما ، وفي عرف أهل حلب ستون درهما ، وفي عرف أهل عينتاب مائة درهم ، وفي عرف بعض أهل الروم مائة وخمسون درهما ، وفي مواضع أكثر من ذلك حتى إن موضعا فيه الوقية ألف درهم ، قوله : ( قلت : لا ) أي لا أبيعه ، قال ابن التين : قوله لا ليس بمحفوظ إلا أن يريد لا أبيعكه هو لك بغير ثمن ، ( قلت ) : كأن ابن التين نزه جابرا عن قوله لا لسؤال النبي - صلى الله عليه وسلم - ولكنه ثبت قوله لا ولكن معناه لا أبيع بل أهبه لك ، والنفي يتوجه لترك البيع لا لكلام رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - ، والدليل عليه رواية وهب بن كيسان عن جابر عند أحمد : أتبيعني جملك هذا يا جابر ؟ قلت : بل أهبه لك ( فإن قلت ) : جاء في رواية أحمد فكرهت أن أبيعه ( قلت ) : كراهته لوقوع صورة البيع بينه وبين رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - لأن قصده كان صورة الهبة ، فالكراهة لا ترجع إلى سؤال الرسول عليه الصلاة والسلام ، ولكنه لما سأله ثانيا أجاب بالبيع امتثالا لكلامه ، ومع هذا أخذ الثمن والجمل على ما دل عليه الحديث ، قوله : ( فاستثنيت حملانه ) بضم الحاء أي حمله أي اشترطت أن يكون لي حق الحمل عليه إلى المدينة كأنه استثنى هذا الحق من حقوق البيع ، وفي رواية الإسماعيلي بلفظ : واستثنيت ظهره إلى أن تقدم قوله فلما قدمنا أي المدينة ، وفي رواية مغيرة عن الشعبي المتقدمة في الاستقراض : فلما دنونا من المدينة استأذنته فقال : تزوجت بكرا أم ثيبا ، وسيأتي في النكاح ، فقدمت المدينة فأخبرت خالي ببيع الجمل فلامني ، وفي رواية أحمد من رواية نبيح : أتيت عمتي بالمدينة فقلت لها : ألم تري أني بعت ناضحنا فما رأيتها أعجبها ، ( قلت ) : نبيح بضم النون وفتح الباء الموحدة وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة ، واسم خال جابر جد بفتح الجيم وتشديد الدال ابن قيس ، واسم عمته هند بنت عمر ، وقوله : ( على إثري ) بكسر الهمزة أي ورائي ، قوله : ( ما كنت لآخذ جملك ) ووقع في رواية أبي نعيم شيخ البخاري بلفظ : أتراني إنما ماكستك لآخذ [ ص: 295 ] جملك ودراهمك هما لك ، قوله : ( ماكستك ) من المماكسة أي المناقصة في الثمن ، ووقع في رواية البزار من طريق أبي المتوكل عن جابر أن الجمل كان أحمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية