الأول: إن العدة بكسر العين، وتشديد الدال هي الجماعة. قلت: أو كثرت، وفي (العباب) تقول أنفدت عدة كتب، أي: جماعة كتب، ويقال: فلان إنما يأتي أهله العدة، أي: يأتي أهله في الشهر، والشهرين، وعدة المرأة أيام إقرائها، وأما [ ص: 185 ] العد بدون الهاء فهو الماء الذي لا ينقطع كماء العين، وماء البئر، والعد أيضا الكثرة.
قوله: " عدة " مرفوع بقال، ويجوز فيه: قال، وقالت: لأن التأنيث في عدة غير حقيقي، وكلمة " من " في قوله: " من أهل العلم " للبيان.
قوله: " في قوله " يتعلق بقال، والخطاب في " فوربك " للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم، والواو فيه للقسم، وقوله: " لنسألنهم " جواب القسم مؤكدا باللام.
الثاني: أن الجماعة الذين ذهبوا إلى ما ذكره نحو nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك، nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد بن جبر رضي الله عنهم. وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي مرفوعا عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون قال: " عن لا إله إلا الله "، وفي إسناده nindex.php?page=showalam&ids=16861ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف لا يحتج به، والذي روى عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر في (التفسير) nindex.php?page=showalam&ids=16935للطبري، وفي كتاب (الدعاء) للطبراني، والذي روى عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد في تفسير nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق وغيره. وقال النووي : في الآية وجه آخر، وهو المختار، والمعنى لنسألنهم عن أعمالهم كلها التي يتعلق بها التكليف، وقول من خص بلفظ التوحيد دعوى تخصيص بلا دليل فلا تقبل، ثم روى حديث nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وضعفه. وقال بعضهم: لتخصيصهم وجه من جهة التعميم في قوله: " أجمعين " فيدخل فيه المسلم والكافر، فإن الكافر مخاطب بالتوحيد بلا خلاف بخلاف باقي الأعمال، ففيها الخلاف، فمن قال: إنهم مخاطبون، يقول: إنهم مسؤولون عن الأعمال كلها، ومن قال: إنهم غير مخاطبين يقول: إنما يسألون عن التوحيد فقط، فالسؤال عن التوحيد متفق عليه، فحمل الآية عليه أولى بخلاف الحمل على جميع الأعمال لما فيها من الاختلاف. قلت: هذا القائل قصد بكلامه الرد على النووي، ولكنه تاه في كلامه، فإن النووي لم يقل بنفي التخصيص لعدم التعميم في الكلام، وإنما قال: دعوى التخصيص بلا دليل خارجي لا تقبل، والأمر كذلك فإن الكلام عام في السؤال عن التوحيد وغيره، ثم دعوى التخصيص بالتوحيد يحتاج إلى دليل من خارج، فإن استدلوا بالحديث المذكور فقد أجاب عنه بأنه ضعيف. وهذا القائل فهم أيضا أن النزاع في أن التخصيص والتعميم هنا إنما هو من جهة التعميم في قوله: " أجمعين "، وليس كذلك، وإنما هو في قوله: " عما كانوا يعملون " فإن العمل هنا أعم من أن يكون توحيدا أو غيره، وتخصيصه بالتوحيد تحكم قوله: فيدخل فيه المسلم، والكافر غير مسلم; لأن الضمير في لنسألنهم يرجع إلى المستهزئين الذين جعلوا القرآن عضين، وهم ناس مخصوصون، ولفظة أجمعين وقعت توكيدا للضمير المذكور في النسبة مع الشمول في أفراده المخصوصين، ثم تفريع هذا القائل بقوله: فإن الكافر... إلخ ليس له دخل في صورة النزاع على ما لا يخفى.
الثالث: ما قيل: إن هذه الآية أثبتت السؤال على سبيل التوكيد القسمي، وقال في آية أخرى: " فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان. " فنفت السؤال، وأجيب بأن في القيامة مواقف مختلفة، وأزمنة متطاولة، ففي موقف أو زمان يسألون، وفي آخر لا يسألون سؤال استخبار بل سؤال توبيخ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في هذه الآية لنسألهم سؤال تقريع، ويقال.
قوله: " لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان " نظير قوله: " ولا تزر وازرة وزر أخرى. "
قوله: " تالله إن كدت إن مخففة من الثقيلة، وهي تدخل على كاد كما تدخل على كان، واللام هي الفارقة بينها وبين النافية، والإرداء الإهلاك، وأراد بالنعمة العصمة، والتوفيق، والبراءة من قرين السوء، وإنعام الله بالثواب، وكونه من أهل الجنة.
قوله: " من المحضرين أي: من الذين أحضروا العذاب، وقوله: إن هذا لهو الفوز العظيم، أي: إن هذا الأمر الذي نحن فيه، ويقال: هذا من قول الله تعالى [ ص: 186 ] تقريرا لقولهم وتصديقا له، وقوله: لمثل هذا فليعمل العاملون. مرتبط بقوله: إن هذا، أي: لأجل مثل هذا الفوز العظيم، وهو دخول الجنة، والنجاة من النار فليعمل العاملون في الدنيا، وقال بعضهم: يحتمل أن يكون قائل ذلك المؤمن الذي رأى قرينه، ويحتمل أن يكون كلامه انقضى عند قوله: الفوز العظيم والذي بعد ابتداء من قول الله عز وجل لا حكاية عن قول المؤمن، ولعل هذا هو السر في إبهام المصنف القائل. قلت: المفسرون ذكروا في قائل هذا ثلاثة أقوال:
الأول: أن القائل هو ذلك المؤمن. والثاني: أنه هو الله عز وجل. والثالث: أنه هو بعض الملائكة، ولا يحتاج أن يقال في ذلك بالاحتمال الذي ذكره هذا الشارح; لأن كلامه يوهم بأن هذا تصرف من عنده فلا يصح ذلك، ثم قوله: " ولعل هذا هو السر في إبهام المصنف، أراد به nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري كلام غير صحيح أيضا من وجهين أحدهما أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري لم يقصد ما ذكره هذا الشارح قط; لأن مراد من ذكر هذه الآية بيان إطلاق العمل على الإيمان ليس إلا، والآخر ذكر فعل، وإبهام فاعله من غير مرجع له، ومن غير قرينة على تعيينه غير صحيح.