صفحة جزء
2972 48 - حدثنا مسدد ، قال : حدثنا يوسف بن الماجشون ، عن صالح بن إبراهيم بن عبد [ ص: 66 ] الرحمن بن عوف ، عن أبيه ، عن جده قال : بينا أنا واقف في الصف يوم بدر فنظرت عن يميني وشمالي فإذا أنا بغلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت أن أكون بين أضلع منهما ، فغمزني أحدهما فقال : يا عم هل تعرف أبا جهل ؟ قلت : نعم ، ما حاجتك إليه يا ابن أخي ؟ قال : أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا ، فتعجبت لذلك فغمزني الآخر ، فقال لي مثلها ، فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يجول في الناس ، قلت : ألا إن هذا صاحبكما الذي سألتماني ، فابتدراه بسيفيهما فضرباه حتى قتلاه ، ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه ، فقال : أيكما قتله ؟ قال كل واحد منهما : أنا قتلته ، فقال : هل مسحتما سيفيكما ؟ قالا : لا ، فنظر في السيفين ، فقال : كلاكما قتله ، سلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح ، وكانا معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح .


مطابقته للترجمة من حيث إن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لم يخمس سلب أبي جهل .

ويوسف هو ابن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمة واسمه دينار التيمي القرشي ، والماجشون هو يعقوب وهو بالفارسية تفسيره المورد ، وهو بكسر الجيم وفتحها وضم الشين المعجمة ، وصالح بن إبراهيم يروي عن أبيه إبراهيم بن عبد الرحمن ، وإبراهيم بن عبد الرحمن سمع أباه عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه .

والحديث أخرجه أيضا في المغازي عن علي بن عبد الله ، وعن يعقوب بن إبراهيم ، وأخرجه مسلم في المغازي عن يحيى بن يحيى عن يوسف بن الماجشون .

قوله بينا أنا قد مر غير مرة أن أصله بين ، فأشبعت الفتحة فصار بينا ، ويضاف إلى جملة ويحتاج إلى جواب فجوابه هو قوله فإذا أنا بغلامين وهما معاذ بن عمرو ومعاذ بن عفراء ، ويجيء ذكرهما عن قريب .

قوله " حديثة أسنانهما " صفة الغلامين ، فلذلك جر لفظ " حديثة " و " أسنانهما " بالرفع لأنه فاعل حديثة .

قوله " بين أضلع " بالضاد المعجمة والعين المهملة أي بين أشد وأقوى منهما أي من الغلامين المذكورين وهو على وزن أفعل من الضلاعة وهي القوة ، يقال : اضطلع بحمله أي قوي عليه ونهض به ، وهذا هكذا رواية الأكثرين .

ووقع في رواية الحموي وحده بين أصلح منهما بالصاد والحاء المهملتين ، ونسب ابن بطال هذه الرواية لمسدد شيخ البخاري ، وقال : خالفه إبراهيم بن حمزة عند الطحاوي ، وموسى بن إسماعيل عند ابن سنجر ، وعفان عند ابن أبي شيبة فكلهم رووا أضلع بالضاد المعجمة والعين المهملة ، ورواية ثلاثة حفاظ أولى من رواية واحد خالفهم .

وقال القرطبي : الذي في مسلم أضلع ، ووقع في بعض رواياته أصلح ، والأول الصواب .

قوله " هل تعرف أبا جهل ؟ " هو عمرو بن هشام بن المغيرة المخزومي القرشي فرعون هذه الأمة ، قوله " أخبرت " بضم الهمزة على صيغة المجهول ، قوله " لا يفارق سوادي سواده " يعني لا يفارق شخصي شخصه ، وأصله أن الشخص يرى على البعد أسود .

قوله " الأعجل منا " أي الأقرب أجلا ، وهو كلام مستعمل يفهم منه أن يلازمه ولا يتركه إلى وقوع الموت بأحدهما ، وصدور هذا الكلام في حال الغضب والانزعاج يدل على صحة العقل الوافر والنظر في العواقب ، فإن مقتضى الغضب أن يقول حتى أقتله لكن العاقبة مجهولة .

قوله " فلم أنشب " أي فلم ألبث ، يقال : نشب بعضهم في بعض أي دخل وتعلق ، ونشب في الشيء إذا وقع فيما لا مخلص له منه ، ولم ينشب أن فعل كذا أي لم يلبث ، وحقيقته لم يتعلق بشيء غيره ولا بسواه ، ومادته نون وشين معجمة وباء موحدة .

قوله " يجول في الناس " بالجيم ، وفي رواية مسلم " يزول " وهو بمعناه أي يضطرب في المواضع ولا يستقر على حال ، قوله " ألا " للتحضيض والتنبيه ، قوله " فابتدراه " أي سبقاه مسرعين .

قوله " فنظر في السيفين " ليستدل بهما على حقيقة كيفية قتلهما ، فعلم أن ابن الجموح هو المثخن ، وقال المهلب : نظره صلى الله تعالى عليه وسلم في السيفين ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار عمق دخولهما في جسم المقتول ليحكم بالسيف لمن كان في ذلك أبلغ ، ولذلك سألهما أولا : هل مسحتما سيفيكما ؟ لأنهما لو مسحاهما لما بين المراد من ذلك .

قوله " فقال كلاكما قتله " إنما قال ذلك وإن كان أحدهما هو الذي [ ص: 67 ] أثخنه تطييبا لقلب الآخر من حيث إن له مشاركة في القتل ، قوله " سلبه " أي سلب أبي جهل لمعاذ بن عمرو بن الجموح ، وإنما حكم له مع أنهما اشتركا في القتل لأن القتل الشرعي الذي يتعلق به استحقاق السلب هو الإثخان وهو إنما وجد منه ، وقال الإسماعيلي : إن الأنصاريين ضرباه فأثخناه وبلغا به المبلغ الذي يعلم أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال إلا قدر ما يطفأ ، فدل قوله " كلاكما قتله " على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة وإبانتها ، وبه يعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت لجراحه حتى وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في القتل إلا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت ، فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى إثخانه .

ولما روى الطحاوي هذا الحديث قال : فيه دليل على أن السلب لو كان واجبا للقاتل بقتله إياه لكان قد وجب سلبه لهما ولم يكن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ينتزعه من أحدهما فيدفعه إلى الآخر ألا يرى أن الإمام لو قال من قتل قتيلا فله سلبه وقتل رجلان قتيلا أن سلبه لهما نصفان ، وأنه ليس للإمام أن يحرم أحدهما ويدفعه إلى الآخر لأن كل واحد منهما له فيه من الحق مثل ما لصاحبه وهما أولى به من الإمام ، فلما كان للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم في سلب أبي جهل أن يجعله لأحدهما دون الآخر دل ذلك أنه كان أولى به منهما لأنه لم يكن قال يومئذ : من قتل قتيلا فله سلبه ، وقال أيضا : إن سلب المقتول لا يجب للقاتل بقتله صاحبه إلا أن يجعل الإمام إياه له على ما فيه صلاح المسلمين من التحريض على قتال عدوهم .

قوله " وكانا " أي الغلامان المذكوران من الأنصار معاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح ، أما معاذ بن عفراء بفتح العين المهملة وسكون الفاء وبالراء وبالمد ، وهي أمه عفراء بنت عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ، وهو معاذ بن الحارث بن رفاعة بن سواد .

هكذا قاله محمد بن إسحاق ، وقال ابن هشام : هو معاذ بن الحارث بن عفراء بن سواد بن مالك بن النجار ، وقال موسى بن عقبة : معاذ بن الحارث بن رفاعة بن الحارث ، شهد بدرا هو وأخواه عوف ومعوذ بنو عفراء وهم بنو الحارث بن رفاعة .

وقال أبو عمر : ولمعاذ بن عفراء رواية عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر ، مات في خلافة علي رضي الله تعالى عنه ، وأما معاذ بن عمرو بن الجموح فالجموح ابن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن كعب بن سلمة بن سعيد بن علي بن أسد بن ساردة بن يزيد بن جشم بن الخزرج السلمي الخزرجي الأنصاري ، شهد العقبة وبدرا هو وأبوه عمرو وقتل عمرو بن الجموح رضي الله عنه يوم أحد .

وذكر ابن هشام عن زياد عن ابن إسحاق أنه الذي قطع رجل أبي جهل بن هشام وصرعه ، قال : وضرب ابنه عكرمة بن أبي جهل يد معاذ فطرحها ثم ضربه معوذ بن عفراء حتى أثبته وتركه وبه رمق ، ثم وقف عليه عبد الله بن مسعود واحتز رأسه حين أمره رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم أن يلتمسه في القتلى .

وفي صحيح مسلم : أن ابني عفراء ضرباه حتى برد بالدال أي مات ، وفي رواية : حتى برك بالكاف أي سقط على الأرض ، وكذا في البخاري في باب قتل أبي جهل ، وادعى القرطبي أنه وهم التبس على بعض الرواة معاذ بن الجموح بمعاذ بن عفراء .

وقال ابن الجوزي : ابن الجموح ليس من ولد عفراء ، ومعاذ بن عفراء ممن باشر قتل أبي جهل ، فلعل بعض إخوته حضره أو أعمامه أو يكون الحديث ابن عفراء ، فغلط الراوي فقال ابنا عفراء ، وقال أبو عمر : أصح من هذا حديث أنس بن مالك أن ابن عفراء قتله ، وقال ابن التين : يحتمل أن يكونا أخوين لأم أو يكون بينهما رضاع ، وقال

الداودي : ابنا عفراء سهل وسهيل ، ويقال : معوذ ومعاذ .

وروى الحاكم في إكليله من حديث الشعبي عن عبد الرحمن بن عوف : حمل رجل كان مع أبي جهل على ابن عفراء فقتله ، فحمل ابن عفراء الآخر على الذي قتل أخاه فقتله ، ومر ابن مسعود على أبي جهل ، فقال : الحمد لله الذي أعز الإسلام ، فقال أبو جهل : تشتمني يا رويعي هذيل ؟ فقال : نعم ، والله وأقتلك ، فحذفه أبو جهل بسيفه ، وقال : دونك هذا إذا ، فأخذه عبد الله فضربه حتى قتله ، وقال : يا رسول الله ، قتلت أبا جهل ، فقال : آلله الذي لا إله إلا هو ؟ فحلف له فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم بيده ، ثم انطلق معه حتى أراه إياه فقام عنده ، وقال : الحمد لله الذي أعز الإسلام وأهله . ثلاث مرات .

والتوفيق بين هذه الروايات بإثبات الاشتراك في قتل أبي جهل ، ولكن السلب ما ثبت إلا للذي أثخنه على ما مر ، فافهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية