صفحة جزء
3211 باب قول الله تعالى عز وجل: وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين


أي هذا باب في بيان ما ذكر في حال أيوب في قول الله تعالى عز وجل وأيوب إذ نادى ربه الآية، وأيوب اسم أعجمي لا ينصرف للعجمة والعلمية، ذكره الله في القرآن في خمسة مواضع، وقوله: وأيوب عطف على ما قبله: وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث والتقدير: واذكر أيوب، كما أن التقدير في قوله: وداود اذكر داود، واختلفوا في نسبه فقيل: أيوب بن أموص بن رزاح بن روم بن عيصو بن إسحاق بن إبراهيم عليهما السلام نقل هذا عن كعب وابن إسحاق، وقيل: أيوب بن أموص بن زيرح بن رعويل بن عيصو، وقيل: أيوب بن ساري بن رغوال بن عيصو، والمشهور الأول، وقيل: كان أبوه ممن آمن بإبراهيم عليه الصلاة والسلام يوم ألقي في النار، والمشهور أنه من ذرية إبراهيم؛ لقوله تعالى: ومن ذريته داود وسليمان وأيوب الآية، والمشهور أن الضمير عائد إلى إبراهيم دون نوح عليهما الصلاة والسلام، وكانت أمه من ولد لوط بن هاران، وقال ابن الجوزي: وأمه بنت لوط عليه الصلاة والسلام، وكان أيوب في زمن يعقوب وتزوج ابنة يعقوب، واسمها رحمة، وقيل دنيا، وقيل ليا، وقيل: إنما تزوج أيوب رحمة بنت ميشا بن يوسف بن يعقوب، وقيل: رحمة بنت إفرائيم بن يوسف، وذكر ابن الجوزي في التبصرة أنه كان في زمن يعقوب، ولكن لم يكن نبيا في زمانه، ونبئ بعد يوسف عليه السلام، وقيل: كان بعد سليمان، روي عن مقاتل: وكان أيوب رجلا غنيا وكان له خمسمائة فدان يتبعها خمسمائة عبد، لكل عبد امرأة وولد، وتحمل آلة كل فدان أتان، لكل أتان ولد من اثنين وثلاثة وأربعة وخمسة وفوق ذلك، وقيل: له ستمائة عبد ولكل عبد امرأة ومال، وكان له ثلاثة عشر ولدا، وكان كثير الضيافة على مذهب إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وكان يكفل الأرامل واليتامى ويحمل المنقطعين، وما كان يشبع حتى يشبع الجائع، ولا يكتسي حتى يكسو العاري.

قوله: إذ نادى ربه أي حين نادى ربه، أي حين دعا ربه: "أني مسني الضر" قرأ حمزة: "مسني" بسكون الياء، والباقون بفتحها، والضر بالضم الضرر في النفس من مرض وهزال، وبالفتح الضرر في كل شيء، واختلفوا في معنى قوله: أني مسني الضر فقيل: قال ذلك عند بيع امرأته قرنا من شعرها لشيء اشتهاه فلم يقدر عليه، وقيل: إنما قال ذلك لما سمع نفرا يقولون: إنما أصيب هذا لذنب عظيم فعله، وقيل: إنما قال ذلك عند انقطاع الوحي عنه أربعين يوما، فخاف الهجران، وقيل: إنما قال ذلك عند أكل الدود جميع جسده، ثم أراد الدب إلى قلبه، وقيل: إنما قال ذلك عند تأخر زوجته عنه أياما لمرض حصل لها، فلم يبق من ينظر في أمره.

وقال الحسن: أتى إبليس إلى امرأته بسخلة فقال: قولي له ليذبحها لي حتى يبرأ، فجاءت وحكت بذلك فقال: كدت أن تهلكيني لئن فرج الله عني لأجلدنك مائة تأمريني أن أذبح لغير الله، ثم طردها عنه، وبقي وحيدا ليس له معين، فقال: مسني الضر، وقيل غير ذلك.

فإن قلت: فلم لم يدع أول ما نزل به البلاء؟

قلت: لأنه علم أمر الله فيه، ولا تصرف للعبد مع مولاه، أو أراد مضاعفة الثواب، فلم يسأل كشف البلاء.

قوله: "وأنت أرحم الراحمين" تعريض منه بسؤال الرحمة إذ أثنى عليه بأنه أرحم وألطف في السؤال؛ حيث ذكر نفسه بما يوجب الرحمة، وذكر ربه بغاية الرحمة، ولم يصرح بالمطلوب، وقال بعضهم: لم يثبت عند البخاري في قصة أيوب شيء فاكتفى بهذا الحديث الذي على شرطه. قلت: إنه أراد به حديث الباب، وفيما قاله نظر; لعدم الدليل على عدم ثبوت غير هذا الحديث عنده، ولا يلزم من عدم ذكره غير هذا الحديث أن لا يكون عنده شيء غير هذا الحديث على شرطه، ثم قال: وأصح ما ورد في قصته ما أخرجه ابن أبي حاتم، وابن جرير، وابن حبان، والحاكم - من طريق نافع بن يزيد، عن عقيل، عن الزهري عن أنس أن أيوب - صلى الله عليه وسلم - ابتلي، فلبث في بلائه ثلاث عشرة سنة، فرفضه القريب والبعيد الحديث.

وروى أحمد بن وهب، عن عمه عبد الله بن وهب، أخبرنا نافع، عن يزيد، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أنس مرفوعا: أن أيوب مكث في بلائه ثماني عشرة سنة، وعن خالد بن دريك أصابه البلاء على رأس ثمانين سنة من عمره، وعن ابن عباس: مكث في البلاء سبع سنين، وكان [ ص: 283 ] أصابه بعد السبعين من عمره، وعن ابن عباس: سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات، وقال الحسن: مكث أيوب مطروحا على كناسة مزبلة لبني إسرائيل سبع سنين وأشهرا، وقال الطبري وابن الجوزي رحمهم الله تعالى: كان عمره حين مات ثلاثا وتسعين سنة، وقيل: عاش مائة وستا وأربعين سنة، ودفن في الموضع الذي ذهب فيه بلاؤه، وهو بالبثنية بالشام، وقبره ظاهر بها.

التالي السابق


الخدمات العلمية