أي : هذا باب في بيان حكم من صلى وبين يديه تنور أو شيء . . . إلى آخره ؛ يعني لا يكره ، ( فإن قلت ) : لم يوضح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ذلك بل أجمله وأبهمه ، يحتمل لا يكره ويحتمل يكره ، فمن أين ترجيح احتمال عدم الكراهة ؟ قلت : إيراده بالحديثين المذكورين في الباب يدل على احتمال عدم الكراهة لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يصلي صلاة مكروهة ، ولكن لا يتم استدلاله بهذا من وجوه ؛ الأول : ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي بقوله : ليس ما أراه الله تعالى من النار حين أطلعه عليها بمنزلة نار يتوجه المرء إليها وهي معبودة [ ص: 184 ] لقوم ولا حكم ما أري ليخبرهم كحكم من وضع الشيء بين يديه أو رآه قائما موضوعا فجعله أمام مصلاه وقبلته .
الوجه الثاني : ما ذكره nindex.php?page=showalam&ids=14486السفاقسي ليس فيه ما بوب عليه لأنه لم يفعله مختارا ، وإنما عرض ذلك لمعنى أراده الله تعالى ، ورؤيته - صلى الله عليه وسلم - للنار رؤية عين كشف الله عنها فأراه إياها ، وكذلك الجنة ، كما كشف له عن المسجد الأقصى .
الوجه الثالث : ما ذكره القاضي السروجي في شرح الهداية فقال : لا دلالة في هذا الحديث على عدم الكراهة لأنه - صلى الله عليه وسلم - قال : أريت النار ، ولا يلزم أن تكون أمامه متوجها إليها ، بل يجوز أن تكون عن يمينه أو عن يساره أو غير ذلك .
الوجه الرابع : ما ذكره هو أيضا فقال : ويحتمل أن يكون ذلك وقع له قبل شروعه في الصلاة ، انتهى .
قلت : قد تصدى بعضهم في نصرة nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري فأجاب عن هذين الوجهين بجواب تمجه الأسماع وتستمجه الطباع ، وهو أن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري كوشف بهذا الاعتراض فعجل بالجواب عنه حيث صدر الباب بالمعلق عن nindex.php?page=showalam&ids=9أنس ، ففيه : nindex.php?page=hadith&LINKID=656750عرضت علي النار وأنا أصلي . وأما كونه رآها أمامه فسياق حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يقتضيه ، ففيه أنهم قالوا له بعد أن انصرف : يا رسول الله ، رأيناك تناولت شيئا في مقامك ثم رأيناك تكعكعت ؛ أي : تأخرت إلى خلف ، وفي جوابه أن ذلك بسبب كونه أري النار ، انتهى . فانظر إلى هذا الأمر الغريب العجيب ؛ شخص يكاشف اعتراض شخص يأتي من بعده بمدة مقدار خمسمائة سنة أو أكثر بقليل ويجيب عنه بتصدير هذا الباب الذي فيه حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس معلقا وحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس موصولا ومع هذا لا يتم الجواب بما ذكره ولا يتم الاستدلال به nindex.php?page=showalam&ids=12070للبخاري ، بيان ذلك أن قوله : " وأنا أصلي " في حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس يحتمل أن يكون المعنى : وأنا أريد الصلاة ، ولا مانع من هذا التقدير ، وأما تناوله الشيء وتأخره إلى خلف في حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس لا يستلزم أن يكون ذلك بسبب رؤيته النار أمامه ولا يستحيل أن يكون ذلك بسبب رؤيته إياها عن يمينه أو عن شماله ، وقوله : " وفي جوابه أن ذلك بسبب كونه أري النار " مسلم أن ذلك كان بسبب كونه أري النار ، ولكن لا نسلم أنه كان ذلك بسبب كون رؤيته النار أمامه ، ولئن سلمنا جميع ذلك فنقول : لنا جوابان آخران غير الأربعة المذكورة ؛ أحدهما : أنه - صلى الله عليه وسلم - أريها في جهنم وبينه وبينها ما لا يحصى من بعد المسافة ، فعدم كراهة صلاته - صلى الله عليه وسلم - لذلك . والآخر : يجوز أن يكون ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - رؤية علم ووحي بإطلاعه وتعريفه في أمورها تفصيلا ما لم يعرفه قبل ذلك . وجواب آخر ذكره ابن التين وقال : لا حجة فيه على الترجمة ؛ لأنه لم يفعل ذلك اختيارا وإنما عرض عليه ذلك للمعنى الذي أراده الله من تنبيهه للعباد . وقال بعضهم : وتعقب بأن الاختيار وعدمه في ذلك سواء منه . قلت : لا نسلم التسوية ، فإن الكراهة تتأكد عند الاختيار ، وأما عند عدمه فلا كراهة لعدم العلة الموجبة للكراهة وهي التشبه بعبدة النار . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : الصلاة جائزة إلى كل شيء إذا لم يقصد الصلاة إليه وقصد بها الله تعالى والسجود لوجهه خالصا ، ولا يضره استقبال شيء من المعبودات وغيرها كما لم يضر النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ما رآه في قبلته من النار .
قوله ( وقدامه تنور ) جملة اسمية وقعت حالا ، فقوله " تنور " مبتدأ ، و : " قدامه " بالنصب على الظرف خبره ، والتنور بفتح التاء المثناة من فوق وضم النون المشددة . وقال الكرماني : حفيرة النار . قلت : التنور مشهور ، وهو تارة يحفر في الأرض حفيرة وتارة يتخذ من الطين ويدفن في الأرض وتوقد فيه النار إلى أن يحمى فيخبز فيه وتارة يطبخ فيه ، فقيل : هو عربي ، وقيل : معرب توافقت عليه العرب والعجم .
قوله ( أو نار ) عطف على قوله " تنور " ، ( فإن قلت ) : هذا يغني عن ذكر التنور - قلت : هذا من عطف العام على الخاص وفائدته الاهتمام به ؛ لأن عبدة النار من المجوس لا يعبدون إلا النار المكومة الظاهرة ، وربما لا تظهر النار من التنور لعمقه أو لقلة النار .
قوله ( أو شيء مما يعبد ) عطف على ما قبله ، والتقدير : أو من صلى وقدامه شيء مما يعبد كالأوثان والأصنام والتماثيل والصور ونحو ذلك مما يعبده أهل الضلال والكفر ، وهذا أعم من النار والتنور .
قوله ( فأراد به وجه الله ) ؛ أي : فأراد المصلي الذي قدامه شيء من هذه الأشياء ذات الله تعالى ، وأشار بهذا إلى أن الصلاة إلى شيء من الأشياء التي ذكرها لا تكون مكروهة إذا قصد به وجه الله تعالى ولم يقصد الصلاة إليه ، وعند أصحابنا يكره ذلك مطلقا لما فيه من نوع التشبه بعبدة الأشياء المذكورة ظاهرا ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة في مصنفه عن nindex.php?page=showalam&ids=16972ابن سيرين أنه كره الصلاة إلى التنور وقال : بيت نار .