"وقول" مجرور عطف على قوله: "زيادة الإيمان"، وقوله الثاني أيضا عطف عليه والتقدير: باب في بيان زيادة الإيمان، وبيان نقصانه، وبيان قول الله تعالى: وزدناهم هدى وبيان قوله تعالى: ويزداد الذين آمنوا إيمانا ثم إنه قال: وقال: اليوم أكملت لكم دينكم بلفظ الماضي، ولم يقل وقوله اليوم أكملت لكم دينكم على أسلوب أخويه لأن الغرض منه ما هو لازمه، وهو بيان النقصان والاستدلال به على أن الإيمان كما تدخله الزيادة فكذلك يدخله النقصان لأن الشيء إذا قبل أحد الضدين لا بد وأن يقبل الضد الآخر، وبين ذلك بقوله: "فإذا ترك شيئا من الكمال فهو ناقص"، بخلاف ما تقدم من الآيتين فإن المراد منهما إثبات الزيادة تصريحا لا استلزاما لأن الزيادة مصرحة فيهما بخلاف الآية الثالثة، فإن الصريح فيها الكمال الذي يقابله النقصان، وهو يفهم منه التزاما لا صريحا، ولما كان الباب مترجما بزيادة الإيمان ونقصانه احتج على الزيادة بصريح الآيتين، وعلى النقصان بالآية الثالثة بطريق الاستلزام، وقد ذكر الآيتين المتقدمتين في باب أمور الإيمان عند قوله كتاب الإيمان، وقد قلنا: إنه لو ذكر ما يتعلق بأمور الزيادة والنقصان في باب واحد، إما هناك وإما هاهنا كان أنسب ولكنه عقد في باب أمور الإيمان، هذا الباب هاهنا لأجل المناسبة التي ذكرناها آنفا، فالآية الأولى في سورة الكهف، والثانية في سورة المدثر، والثالثة في سورة المائدة، وقد مر الكلام في الآيتين الأوليين هناك، فإن قلت: دلالة الآية الثانية ظاهرة على زيادة الإيمان فكيف تدل الأولى وليس فيها إلا زيادة الهدى وهي الدلالة الموصلة إلى البغية؟ ويقال: هي الدلالة مطلقا، قلت: زيادة الهدى مستلزمة للإيمان أو المراد من الهدى هو الإيمان، وقال ابن بطال: هذه الآية يعني قوله تعالى: اليوم أكملت لكم دينكم حجة في زيادة الإيمان ونقصانه لأنها نزلت يوم كملت الفرائض والسنن، واستقر الدين، وأراد الله عز وجل قبض نبيه فدلت هذه الآية أن كمال الدين إنما يحصل بتمام الشريعة، فتصور كماله يقتضي تصور نقصانه، وليس المراد التوحيد لوجوده قبل نزول الآية [ ص: 259 ] فالمراد الأعمال، فمن حافظ عليها فإيمانه أكمل من إيمان من قصر، قلت: هذه الآية لا تدل أصلا على زيادة الدين ولا على نقصانه لأن المراد: أكملت لكم شرائع دينكم، وتعليل nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال على ما ادعاه دليل لما قلنا، وحجة عليه لأنه قال: لأنها نزلت يوم كملت الفرائض والسنن واستقر الدين، ولم يقل أحد: إن الدين كان ناقصا إلى وقت نزول هذه الآية حتى أكمله في هذا اليوم، وإنما المراد إكمال شرائع الدين في هذا اليوم لأن الشرائع نزلت شيئا فشيئا طول مدة النبوة، فلما كملت الشرائع قبض الله نبيه عليه السلام وهو أيضا صرح به بقوله: وليس المراد التوحيد لوجوده قبل نزول الآية، فإن ادعي أن الأعمال من الإيمان فليس يتصور لأنه يلزم أن يكون كمال الإيمان في هذا اليوم وقبله كان ناقصا لأن الشرائع التي هي الأعمال ما كملت إلا في هذا اليوم، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: أكملت لكم دينكم كفيتكم أمر عدوكم وجعلت اليد العليا لكم كما تقول الملوك: اليوم كمل لنا الملك، وكمل لنا ما نريد إذا كفوا من ينازعهم الملك، ووصلوا إلى أغراضهم ومباغيهم، أو أكملت لكم ما تحتاجون إليه في تكليفكم من تعليم الحلال والحرام والتوقيف على الشرائع وقوانين القياس وأصول الاجتهاد.