صفحة جزء
( قال مجاهد : حم مجازها مجاز أوائل السور ) .


قوله : " حم " في محل الابتداء ، ومجازها مبتدأ ثان ، وقوله : " مجاز أوائل السور " خبره ، والجملة خبر المبتدأ الأول ، ومجازها بالجيم والزاي أي طريقها ، أي حكمها حكم سائر الحروف المقطعة التي في أوائل السور للتنبيه على أن هذا القرآن من جنس هذه الحروف ، وقيل : لقرع العصا عليهم ، وعن عكرمة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : حم اسم من أسماء الله تعالى ، وهي مفتاح خزائن ربك - جل جلاله - ، وعن ابن عباس هو اسم الله الأعظم ، وعنه قسم أقسم الله به ، وعن قتادة : اسم من أسماء القرآن ، وعن الشعبي شعار السورة ، وعن عطاء الخراساني الحاء افتتاح أسماء الله تعالى : حليم ، وحميد ، وحي ، وحنان ، وحكيم ، وحفيظ ، وحبيب ، والميم افتتاح اسمه : مالك ، ومجيد ، ومنان . وعن الضحاك والكسائي معناه : قضى ما هو كائن ، كأنهما أرادا الإشارة إلى حم بضم الحاء وتشديد الميم .

ويقال : بل هو اسم لقول شريح ابن أبي أوفى العبسي :


يذكرني حاميم والرمح شاجر فهلا تلا حاميم قبل التقدم

.

القائلون بأن لفظ حم اسم الذين ذكرناهم الآن ، واستدل على ذلك بقول الشاعر المذكور ، حيث وقع لفظ حم في الموضعين منصوبا على المفعولية ، وكذا قرأ عيسى بن عمر أعني بفتح الميم ، وقيل : يجوز أن يكون لالتقاء الساكنين ، قلت : القاعدة أن الساكن إذا حرك حرك بالكسر ، ويجوز الفتح والكسر في الحاء ، وهما قراءتان ، قوله : " ويقال " في رواية أبي ذر : قال البخاري : ويقال قوله : شريح ابن أبي أوفى هكذا وقع ابن أبي أوفى في رواية القابسي وليس كذلك بل هو شريح بن أوفى العبسي ، وكان مع علي ابن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه - يوم الجمل ، وكان شعار أصحاب علي - رضي الله تعالى عنه - يومئذ : حم ، فلما نهد شريح لمحمد بن طلحة بن عبيد الله الملقب بالسجاد وطعنه قال : حم ، فقال شريح : يذكرني حاميم الفاعل فيه محمد السجاد ، وقيل : لما طعنه شريح قال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ، فهو معنى قوله : " يذكرني حاميم " ، قوله : " والرمح شاجر " جملة اسمية وقعت حالا من شجر الأمر يشجر شجورا ، إذا اختلط ، واشتجر القوم وتشاجروا إذا تنازعوا واختلفوا ، والمعنى هنا : والرمح مشتبك مختلط ، قوله : " فهلا " حرف تحضيض مختص بالجمل الفعلية الخبرية ، والمعنى : هلا كان هذا قبل تشاجر الرماح عند قيام الحرب ، قوله : " قبل التقدم " أي إلى الحرب ، وأول هذا البيت على ما ذكره الحسن بن المظفر النيسابوري في ( مأدبة الأدباء ) :


وأشعث قوام بآيات ربه     قليل الأذى فيما ترى العين مسلم
هتكت بصدر الرمح جيب قميصه     فخر صريعا لليدين وللفم
على غير شيء غير أن ليس تابعا     عليا ومن لا يتبع الحق يظلم



يذكرني حميم ، وذكر عمر بن شبة بإسناده عن محمد بن إسحاق أن مالكا الأشتر النخعي قتل محمد بن طلحة وقال في ذلك شعرا ، وهو [ ص: 148 ]

وأشعث قوام بآيات ربه

، الأبيات ) .

وذكر أبو محنف لوط في كتابه ( حرب الجمل ) الذي قتل محمدا مدلج بن كعب ، رجل من بني سعد بن بكر ، وفي كتاب الزبير ابن أبي بكر : كان محمد أمرته عائشة - رضي الله تعالى عنها - بأن يكف يده ، فكان كلما حمل عليه رجل قال : نشدتك بحاميم ، حتى شد عليه رجل منبني أسد بن خزيمة يقال له : حديد ، فنشده بحاميم فلم ينته وقتله ، وقيل : قتله كعب بن مدلج من بني منقذ بن طريف ، ويقال : بل قتله عصام بن مقشعر النصري ، وعليه كثرة الحديث ، وقال المرزباني : هو الثبت ، وهو يخدش في إسناد البخاري ; لأن هذين الإمامين إليهما يرجع في هذا الباب ، قلت : الزمخشري العلامة ذكر هذا البيت في أول سورة البقرة ، ونسبه إلى شريح بن أوفى المذكور ، وفي ( الحماسة ) البحترية قال عدي بن حاتم :


من مبلغ أفناء مذحج إنني     ثأرت بحالي ثم لم أتأثم
تركت أبا بكر ينوء بصدره     بصفين مخضوب الكعوب من الدم
يذكرني ثأري غداة لقيته     فأجررته رمحي فخر على الفم
يذكرني ياسين حين طعنته     فهلا تلا ياسين قبل التقدم



التالي السابق


الخدمات العلمية