فقال : فلا أنساب بينهم في النفخة الأولى ، ثم ينفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون ، ثم في النفخة الآخرة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون وأما قوله ما كنا مشركين ولا يكتمون الله حديثا فإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم ، وقال المشركون : تعالوا نقول : لم نكن مشركين ، فختم على أفواههم ، فتنطق أيديهم ، فعند ذلك عرف أن الله لا يكتم حديثا ، وعنده يود الذين كفروا الآية ، وخلق الأرض في يومين ، ثم خلق السماء ، ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ، ثم دحا الأرض ، ودحوها أن أخرج منها الماء والمرعى ، وخلق الجبال والجمال والآكام وما بينهما في يومين آخرين ، فذلك قوله دحاها وقوله خلق الأرض في يومين فجعلت الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام ، وخلقت السماوات في يومين ، وكان الله غفورا ، سمى نفسه بذلك ، وذلك قوله : أي لم يزل كذلك ، فإن الله لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد ، فلا يختلف عليك القرآن ، فإن كلا من عند الله ) .
لما ذكر الله تعالى في هذه السورة الكريمة خلق السماوات والأرض ، ذكر ما علقه من المنهال أولا ، ثم أسنده عقيبه ، وهو بكسر الميم وسكون النون ، ابن عمرو الأسدي ، مولاهم الكوفي ، صدوق ، من طبقة nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ، وثقه nindex.php?page=showalam&ids=17336ابن معين ، nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، والعجلي ، وآخرون ، وتركه nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة لأمر لا يوجب فيه قدحا ، وليس له في nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري سوى هذا الحديث ، وآخر تقدم في قصة إبراهيم - عليه السلام - .
قوله : " عن nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد " هو ابن جبير ، وصرح به nindex.php?page=showalam&ids=13722الأصيلي والنسفي في روايتهما ، قوله : " قال : قال رجل " الظاهر أنه نافع بن الأزرق الذي صار بعد ذلك رأس الأزارقة من الخوارج ، وكان يجالس nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس بمكة ويسأله ويعارضه ، وحاصل سؤاله في أربعة مواضع على ما نذكره ، قوله : " يختلف علي " أي يشكل ويضطرب علي ، إذ بين ظواهرها تناف وتدافع ، أو تفيد شيئا لا يصح عقلا ، الأول من الأسئلة : قال : فلا أنساب بينهم إلى قوله ولا يتساءلون فإن بين قوله : ولا يتساءلون ، وبين قوله : يتساءلون ، تدافعا ظاهرا .
الثاني : قوله ولا يكتمون الله حديثا فإن بينه وبين قوله ما كنا مشركين تدافعا ظاهرا ; لأنه علم من الأول أنهم لا يكتمون الله حديثا ، ومن الثاني : أنهم يكتمون كونهم مشركين .
الثالث : قوله أم السماء بناها إلى قوله قبل خلق السماء [ ص: 151 ] فإن في الآيتين المذكورتين تدافعا ; لأن في إحداهما خلق السماء قبل الأرض ، وفي الأخرى بالعكس ، ووقع في رواية nindex.php?page=showalam&ids=12002أبي ذر والسماء وما بناها وهو في سورة والشمس ، وقوله والأرض بعد ذلك دحاها يدل على أن المراد أم السماء بناها الذي في سورة والنازعات .
الرابع : قوله وكان الله غفورا رحيما إلى قوله : ثم مضى ، فإن قوله وكان الله غفورا رحيما ، وسميعا بصيرا ، يدل على أنه كان موصوفا بهذه الصفات في الزمان الماضي ثم تغير عن ذلك ، وهو معنى قوله فكأنه كان ثم مضى ، قوله : " فقال فلا أنساب " إلى قوله : ولا يتساءلون ، جواب عن سؤال الأول ، أي قال : فقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - في الجواب ما ملخصه أن التساؤل بعد النفخة الثانية وعدم التساؤل قبلها ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي أن نفي المساءلة عند تشاغلهم بالصعق والمحاسبة والجواز على الصراط ، وإثباتها فيما عدا ذلك .
قوله : " وأما قوله ما كنا مشركين " إلى قوله يود الذين كفروا " فهو جواب عن السؤال الثاني ، وملخصه أن الكتمان قبل إنطاق الجوارح ، وعدمه بعده ، قوله : " فعند ذلك " أي عند نطق أيديهم ، قوله : " وعنده يود الذين كفروا " أي وعند علمهم أن الله لا يكتم حديثا يود الذين كفروا ، هذا في سورة النساء ، وهو قوله : يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا أي يوم القيامة يود الذين كفروا بالله وعصوا رسوله لو تسوى بهم الأرض أي لو تسوت بهم الأرض ، وصاروا هم والأرض شيئا واحدا ، وأنهم لم يكتموا أمر محمد - صلى الله عليه وسلم - ولا نعته ; لأن ما عملوه لا يخفى على الله تعالى فلا يقدرون كتمانه لأن جوارحهم تشهد عليهم .
قوله خلق الأرض في يومين إلى قوله : وخلق السماوات في يومين ، جواب عن السؤال الثالث ملخصه أن خلق نفس الأرض قبل السماء ، ودحوها بعده ، يقال : دحوت الشيء دحوا بسطته بسطا ، وقيل في جوابه : إن خلق بمعنى قدر ، قوله : " أن أخرج " بأن أخرج ، فأن مصدرية ، قوله : " والآكام " جمع أكمة بفتحتين ، وهو الموضع المرتفع من الأرض كالتل والرابية ، ويروى والأكوام جمع كوم ، قوله وكان الله غفورا رحيما الخ جواب عن السؤال الرابع ، وملخصه : أنه سمى نفسه بكونه غفورا رحيما ، وهذه التسمية مضت لأن التعلق انقطع ، وأما معنى الغفورية والرحيمية فلا يزال كذلك لا ينقطع ، وأن الله إذا أراد المغفرة أو الرحمة أو غيرهما من الأشياء في الحال أو الاستقبال فلا بد من وقوع مراده قطعا ، قوله : " سمى نفسه ذلك " أي سمى الله تعالى ذاته بالغفور والرحيم ونحوهما ، وذلك قوله : " وإنه لا يزال كذلك لا ينقطع وأن ما شاء كان " وقالت النحاة : كان لثبوت خبرها ماضيا دائما ، ولهذا لا يقال : صار موضع كان ; لأن معناه التجدد والحدوث ، فلا يقال في حق الله ذلك ، قوله : " فلا يختلف " بالجزم أي قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس للسائل المذكور لا يختلف عليك القرآن فإنه من عند الله ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا