باب الطلاق في الإغلاق والكره والسكران والمجنون وأمرهما والغلط والنسيان في الطلاق والشرك وغيره
أي : هذا باب في بيان حكم الإغلاق أي الإكراه ; لأن المكره يغلق عليه في أمره ، ويقال كأنه يغلق عليه الباب ويضيق عليه حتى يطلق ، وقيل : لا يطلق التطليقات في دفعة واحدة حتى لا يبقى منه شيء ، لكن يطلق طلاق السنة . وفي المحكم وغيره : احتد فلان فنشب في حدته وغلق . وفي الجامع : غلق إذا غضب غضبا شديدا . ولما ذكر الفارسي في كتابه مجمع الغرائب قول من قال الإغلاق الغضب قال : هذا غلط ; لأن أكثر طلاق الناس في الغضب ، إنما هو الإكراه .
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة " nindex.php?page=hadith&LINKID=30928لا طلاق ولا عتاق في إغلاق " ، قال nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود : الغلاق أظنه الغضب . وترجم على الحديث " الطلاق على غيظ " ، ووقع عنده بغير ألف في أوله .
وحكى nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي أنه روي بالوجهين ; فوقع عند nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه في هذا الحديث " الإغلاق " بالألف وترجم عليه طلاق المكره ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12887ابن المرابط : الإغلاق حرج النفس ، وليس يقع على أن مرتكبه فارق عقله حتى صار مجنونا فيدعى أنه كان في غير عقله ، ولو جاز هذا لكان لكل واحد من خلق الله عز وجل ممن يجوز عليه الحرج أن يدعي في كل ما جناه أنه كان في حال إغلاق فتسقط عنه الحدود وتصير الحدود خاصة لا عامة لغير الحرج . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : فإذا ضيق على المكره وشدد عليه لم يقع حكم طلاقه ، فكأنه لم يطلق . وفي مصنف nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة أن nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي كان يرى طلاق المكره جائزا ، وكذا قاله إبراهيم nindex.php?page=showalam&ids=12134وأبو قلابة nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=16097وشريح ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : وصح أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير . وبه أخذ nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة وأصحابه ، وروى الفرج بن فضالة عن عمرو بن شراحيل أن امرأة أكرهت زوجها على طلاقها فطلقها ، فرفع ذلك إلى nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فأمضى طلاقها . وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر نحوه ، وكذا عن nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز ، وأما من لم يره شيئا فعلي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=16414وابن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز وعطاء والحسن بن أبي الحسن nindex.php?page=showalam&ids=11وعبد الله بن عباس nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر بن الخطاب nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم : وصح أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد . قال : وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي والحسن بن حيي nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأبي سليمان وأصحابهم ، وعن إبراهيم تفصيل آخر وهو أنه إن ورى المكره لم يقع وإلا وقع ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي : إن أكرهه اللصوص وقع ، وإن أكرهه السلطان فلا - أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة .
قوله ( والكره ) بضم الكاف وسكون الراء في النسخ كلها ، وهو بالجر ، ظاهره أنه عطف على قوله " في الإغلاق " ، لكن هذا لا يستقيم إلا إذا فسر الإغلاق بالغضب كما فسره أبو داود وترجم عليه بقوله " الطلاق على غيظ " ، ولكن في روايته " الغلاق " بدون الألف في أوله ، وقد فسروه أيضا مع وجود الألف في أوله بالغضب ولكن إن قدر قبل الكاف ميم لأنه [ ص: 251 ] عطف عليه لفظ " السكران " فيستقيم الكلام ويكون المعنى : باب حكم الطلاق في الإغلاق وحكم المكره والسكران - إلى آخره .
فهذه الترجمة تشتمل على أحكام لم يذكرها اكتفاء بالحديث الذي ذكره .
أما حكم الطلاق في الغضب فإنه يقع ، وفي رواية عن الحنابلة أنه لا يقع ، قيل : وأراد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بذلك الرد على مذهب من يرى أن الطلاق في الغضب لا يقع .
وأما حكم الإكراه فقد مر .
وأما طلاق السكران هل يقع أم لا ؟ فإن الناس اختلفوا فيه ; فممن قال إنه لا يقع nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم nindex.php?page=showalam&ids=16673وعمر بن عبد العزيز - ذكره nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ، وزاد nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر : عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وربيعة nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث وإسحاق والمزني واختاره nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي . وذهب nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد إلى أن طلاقه يقع ، وكذا قاله محمد nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب وإبراهيم بن يزيد النخعي nindex.php?page=showalam&ids=17188وميمون بن مهران وحميد بن عبد الرحمن nindex.php?page=showalam&ids=16049وسليمان بن يسار nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي nindex.php?page=showalam&ids=15959وسالم بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة ، واختلف فيه قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فأجازه مرة ومنعه أخرى ، وألزمه مالك الطلاق والقود من الجراح ومن القتل ولم يلزمه النكاح والبيع . وقال الكوفيون : أقوال السكران وعقوده كلها ثابتة كفعل الصاحي إلا الردة ، فإذا ارتد لا تبين امرأته استحسانا . قال nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف : يكون مرتدا في حال سكره - وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي - إلا أنا لا نقتله في حال سكره ولا نستتيبه .
وأما المجنون فالإجماع واقع على أن طلاق المجنون والمعتوه واقع ، وقال مالك : وكذلك المجنون الذي يفيق أحيانا يطلق في حال جنونه ، والمبرسم قد رفع عنه القلم لغلبة العلم بأنه فاسد المقاصد .
وأما حكم طلاق الغالط أو الناسي فإنه واقع ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في قول وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=12526وابن أبي ليلى nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي والكوفيين ، وعن الحسن أن الناسي كالعامد إلا أنه اشترط فقال : إلا إن أنسي .
قوله ( وأمرهما ) ; أي أمر السكران والمجنون ، أي في بيان أمرهما من أقوالهما وأفعالهما هل حكمهما واحد أو مختلف على ما يجيء .
قوله ( والغلط والنسيان ) ; أي وفي بيان الغلط والنسيان الحاصلين في الطلاق ، أراد أنه لو وقع من المكلف ما يقتضي الطلاق غلطا أو نسيانا .
قوله ( والشرك ) ; أي وفي بيان الشرك لو وقع من المكلف ما يقتضي الشرك غلطا أو نسيانا هل يحكم عليه به ؟ وقال صاحب التوضيح : وقع في كثير من النسخ " والنسيان في الطلاق والشرك " بكسر الشين المعجمة وسكون الراء ، فهو خطأ ; والصواب " في الشك " مكان " الشرك " . قلت : سبقه بهذا ابن بطال حيث قال : وقع في كثير من النسخ " والنسيان في الطلاق والشرك " وهو خطأ ; والصواب " والشك مكان الشرك " .
وأما طلاق المشرك فجاء عن الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة وربيعة أنه لا يقع ، ونسب إلى nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وداود ، وذهب الجمهور إلى أنه يقع كما يصح نكاحه وعتقه وغير ذلك من أحكامه .
قوله ( وغيره ) ، قال بعضهم : أي وغير الشرك مما هو دونه . قلت : ليس معناه كذا ، وإنما المعنى وغير المذكور من الأشياء المذكورة نحو الخطإ وسبق اللسان والهزل ، وقد ذكرنا الآن حكم الخطإ وسبق اللسان .
وأما حكم الهازل في طلاقه ونكاحه ورجعته فإنه يؤخذ به ولا يلتفت إلى قوله كنت هازلا ، ولا يدين أيضا فيما بينه وبين الله تعالى ، وذلك لما روى nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ثلاث جدهن جد وهزلهن جد : النكاح ، والطلاق ، والرجعة . قال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم .
واعلم أنه ذكر هذه الأشياء ولم يذكر ما الجواب فيها اكتفاء بقوله :