4994 فإذا قذف الأخرس امرأته بكتابة أو إشارة أو بإيماء معروف فهو كالمتكلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أجاز الإشارة في الفرائض ، وهو قول بعض أهل الحجاز وأهل العلم ، وقال الله تعالى : فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا وقال الضحاك : إلا رمزا إلا إشارة . وقال بعض الناس : لا حد ولا لعان ، ثم زعم أن الطلاق بكتاب أو إشارة أو إيماء جائز ، وليس بين الطلاق والقذف فرق ، فإن قال : القذف لا يكون إلا بكلام ، قيل له : كذلك الطلاق لا يجوز إلا بكلام وإلا بطل الطلاق والقذف ، وكذلك الأصم يلاعن . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة : إذا قال : أنت طالق فأشار بأصابعه تبين منه بإشارته . وقال إبراهيم : الأخرس إذا كتب الطلاق بيده لزمه . وقال حماد : الأخرس والأصم إن قال برأسه جاز .
أراد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بهذا الكلام كله بيان الاختلاف بين أهل الحجاز وبين الكوفيين في حكم الأخرس في اللعان والحد ، فلذلك قال : فإذا قذف الأخرس . . . إلى آخره بالفاء عقيب ذكر قوله تعالى : والذين يرمون أزواجهم الآية وأخذ بعموم قوله : يرمون لأن الرمي أعم من أن يكون باللفظ أو بالإشارة المفهمة ، وبنى على هذا كلامه فقال : إذا قذف الأخرس امرأته [ ص: 291 ] بكتابة ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=15086الكشميهني بكتاب بدون التاء إذا فهم الكتابة .
قوله : " أو إشارة " أي : أو قذفها بإشارة مفهمة أو إيماء مفهم أشار إليه بقوله : " معروف " وقيد به لأنه إذا لم يكن معروفا منه ذلك لا يبنى عليه حكم ، والفرق بين الإشارة والإيماء بأن المتبادر إلى الذهن في الاستعمال أن الإشارة باليد والإيماء بالرأس أو الجفن ونحوه .
قوله : " فهو كالمتكلم " جواب فإذا قذف أي : فحكمه حكم المتكلم يعني : حكم الناطق به ، وإنما أدخل الفاء لتضمن إذا معنى الشرط وهو قوله : " معروف " وهو وإن كان صفة لقوله " أو إيماء " بحسب الظاهر ولكنه في نفس الأمر يرجع إلى الكل لأنه إذا لم يفهم الكتابة أو الإشارة أو الإيماء لا يبنى عليه حكم ، ثم إنه إذا كان كالمتكلم يكون قذفه بهذه الأشياء معتبرا فيترتب عليه اللعان وحكمه .
قوله : " لأن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم " أشار به إلى الاستدلال بما ذكره بيانه أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قد أجاز الإشارة في الفرائض أي : في الأمور المفروضة كما في الصلاة ، فإن العاجز عن غير الإشارة يصلي بالإشارة .
قوله : " وهو قول بعض أهل الحجاز " أي : ما ذكر من قذف الأخرس إلى آخره قول بعض أهل الحجاز ، وأراد به الإمام مالكا ومن تبعه فيما ذهب إليه .
قوله : " وأهل العلم " أي : وبعض أهل العلم من غير أهل الحجاز ، وممن قال من أهل العلم nindex.php?page=showalam&ids=11956أبو ثور فإنه ذهب إلى ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك .
قوله : " قال الله تعالى : فأشارت إليه إلى قوله : إلا إشارة استدلال من البخاري لقول بعض أهل الحجاز بقوله تعالى : فأشارت إليه أي : أشارت مريم إلى عيسى عليه الصلاة والسلام وقالت لقومها بالإشارة لما قالوا لها : لقد جئت شيئا فريا كلموا عيسى وهو في المهد : قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا فعرفوا من إشارتها ما كانوا عرفوه من نطقها .
قوله : " وقال nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك : إلا رمزا إلا إشارة " هذا استدلال آخر بقوله تعالى : آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك بن مزاحم قال بعضهم : كذا ابن مزاحم ، وقال الكرماني : الضحاك بن شراحيل الهمداني التابعي المفسر .
( قلت ) : الضحاك بن مزاحم أبو القاسم الهلالي الخراساني كان يكون بسمرقند وبلخ ونيسابور روى عن جماعة من الصحابة : nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=13وابن عمرو nindex.php?page=showalam&ids=68وزيد بن أرقم nindex.php?page=showalam&ids=44وأبي سعيد الخدري ، ولم يثبت سماعه منهم ، ووثقه nindex.php?page=showalam&ids=17336يحيى بن معين ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12007أبو زرعة : ثقة كوفي مات سنة خمس ومائة ، وروى له nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه وفسر قوله : إلا رمزا بقوله : إلا إشارة ، ولولا أنه يفهم منها ما يفهم من الكلام لم يقل الله عز وجل : لا تكلمهم إلا رمزا ، وهذا في قضية زكريا عليه الصلاة والسلام ولما قال الله تعالى : يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى فقال : يا رب أنى يكون لي غلام إلى قوله : قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا وذكر في سورة آل عمران قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا وفسره nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك بقوله : إلا إشارة .
قوله : " وقال بعض الناس " أراد به الكوفيين لأنه لما فرغ من الاحتجاج لكلام أهل الحجاز شرع في بيان قول الكوفيين في قذف الأخرس ، وقال الكرماني : قوله : " بعض الناس " يريد به الحنفية حيث قالوا : لا حد على الأخرس لأنه لا اعتبار لقذفه ولا لعان عليه ، وقال صاحب ( الهداية ) : قذف الأخرس لا يتعلق به اللعان لأنه يتعلق بالصريح كحد القذف ثم قال : ولا يعتد بالإشارة في القذف لانعدام القذف صريحا ، ثم قال : وطلاق الأخرس واقع بالإشارة لأنها صارت معهودة فأقيمت مقام العبارة دفعا للحاجة .
قوله : " ثم زعم . . . إلخ " أي : ثم زعم بعض الناس وأراد بهم الحنفية ، وقيل : ثم زعم أي : nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة لأن مراده من قوله : " وقال بعض الناس " هو nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، وأشار بهذا الكلام إلى أن ما قاله الحنفية من ذلك تحكم لأنهم قالوا : لا اعتبار لقذف الأخرس ، واعتبروا طلاقه فهو فرق بدون الافتراق وتخصيص بلا اختصاص ، وأجابت الحنفية بأن صحة القذف تتعلق بصريح الزنا دون معناه ، وهذا لا يحصل من الأخرس ضرورة ، فلم يكن قاذفا ، والشبهة تدرأ الحدود .
قوله : وليس بين الطلاق والقذف فرق من كلام nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ودعوى عدم الفرق بينهما ممنوعة لأن لفظ الطلاق صريح في أداء معناه بخلاف القذف فإنه إن لم يكن فيه التصريح بالزنا لا يترتب عليه شيء ، والفرق بينهما ظاهر لفظا ومعنى .
قوله : " فإن قال القذف لا يكون إلا بكلام " أي : فإن قال ذلك البعض المذكور في قوله : " وقال بعض الناس " وهذا سؤال يورده nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من جهة البعض من الناس على قوله : " فإذا قذف الأخرس . . . إلخ " بيان السؤال إذا قالوا القذف لا يكون إلا بكلام وقذف الأخرس ليس بكلام ، فلا يترتب عليه حد ولا لعان ، ثم [ ص: 292 ] أجاب عن هذا السؤال بقوله كذلك الطلاق لا يجوز إلا بكلام ، وهذا الجواب واه جدا لأن بين الكلامين فرقا عظيما دقيقا لا يفهمه كما ينبغي إلا من له دقة نظر ، وذلك أن المراد بالكلام في الطلاق إظهار معناه ، فإن لم يتلفظ بلفظ الطلاق لا يقع شيء بخلاف الأخرس فإنه ليس له كلام ضرورة وإنما له الإشارة ، والإشارة تتضمن وجهين ، فلم يجز إيجاب الحد بها كالكتابة والتعريض ، ألا ترى أن من قال لآخر : وطئت وطأ حراما لم يكن قذفا لاحتمال أن يكون وطئ وطأ شبهة فاعتقد القائل بأنه حرام ، والإشارة لا يتضح بها التفصيل بين المعنيين ، ولذلك لا يجب الحد بالتعريض ، وقال بعضهم : وأجاب ابن القصار بالنقض عليهم بنفوذ القذف بغير اللسان العربي وهو ضعيف ونقض غيره بالقتل فإنه ينقسم إلى عمد وشبه عمد وخطإ ، ويتميز بالإشارة وهو قوي ، واحتجوا أيضا بأن اللعان شهادة وشهادة الأخرس مردودة بالإجماع وتعقب بأن مالكا ذكر قبولها فلا إجماع وبأن اللعان عند الأكثرين يمين . انتهى .
( قلت ) : الإيرادات المذكورة كلها غير واردة ، أما الأول فلأن الشرط التصريح بلفظ الزنا ولا يتأتى هذا كما ينبغي في غير لسان العرب . وأما الثاني الذي قال هذا القائل وهو قوي فأضعف من الأول لأن القتل ينقسم إلى عمد وشبه عمد وخطإ ، والجاري مجرى الخطإ ، والقتل بالسبب فالتمييز عن الأخرس فيها متعذر . وأما الثالث فإن شهادة الأخرس مردودة فاللعان عندنا شهادة مؤكدة باليمين فلا يحتاج أن يقول بالإجماع لأن شهادته مردودة عندنا سواء كان فيه قول بالقبول أو لا . وأما الرابع : فقد قلنا : إن اللعان شهادة فلا مشاحة في الاصطلاح .
قوله : " وإلا بطل الطلاق والقذف " يعني وإن لم يقل بالفرق فلا بد من بطلانهما لا بطلان القذف فقط .
قوله : " وكذلك العتق " أي : كذلك حكمه حكم القذف فيجب أيضا أن تبطل إشارته بالعتق ولكنهم قالوا بصحته .
قوله : " وكذلك الأصم يلاعن " أي : إذا أشير إليه حتى فهم ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15350المهلب في أمره إشكال لكن قد يرتفع بترداد الإشارة إلى أن ينفهم معرفة ذلك .
قوله : " وقال nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي " وهو عامر بن شراحيل nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة بن دعامة إذا قال أي : الأخرس لامرأته : أنت طالق فأشار بأصابعه تبين منه بإشارته واحدة أو ثنتان أو ثلاث ، يعني إذا عبر عما نواه من العدد بالإشارة يظهر منها ما نواه من واحدة أو أكثر .
قوله : " وقال nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم " أي : النخعي إذا كتب الأخرس الطلاق بيده لزمه وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، وقال الكوفيون : إذا كان رجل أصمت أياما فكتب لم يجز من ذلك شيء ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي : الخرس مخالف للصمت كما أن العجز عن الجماع العارض بالمرض يوما أو نحوه مخالف للعجز المأنوس منه الجماع نحو الجنون في باب خيار المرأة في الفرقة .
قوله : " وقال nindex.php?page=showalam&ids=15741حماد " أي : ابن أبي سليمان شيخ nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رضي الله تعالى عنهما : الأخرس والأصم إن قال برأسه جاز أي : إن أشار برأسه فيما يسأل عنه ، وقال بعضهم : كأن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أراد إلزام الكوفيين بقول شيخهم .
( قلت ) : لم يدر هذا القائل ما مراد الشيخ من هذا ولو عرف لما قال هذا ، ومراد الشيخ من هذا أن إشارة الأخرس معهودة فأقيمت مقام العبارة ، والكوفيون قائلون به ، فمن أين يأتي إلزامهم ؟