صفحة جزء
وقول الله تعالى: فيه شفاء للناس


وقول الله بالجر عطفا على قوله: "الدواء بالعسل" إنما ذكر قوله: فيه شفاء للناس لينبه به على فضيلة العسل على سائر ما يشرب من المشروبات، وكيف وقد أخبر الله بأنه شفاء، وكان ابن عمر رضي الله تعالى عنهما إذا خرجت به قرحة أو شيء لطخ الموضع بالعسل، ويقرأ يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس وكان يقول: عليكم بالشفاءين القرآن والعسل. وقال شقيق: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المبطون شهيد ودواء المبطون العسل.

فإن قلت: الرجل الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أخي يشتكي بطنه فقال: اسقه عسلا فسقاه فلم يفده حتى أتى الثانية والثالثة، فكذلك حتى قال صلى الله عليه وسلم: صدق الله وكذب بطن أخيك. الحديث، على ما يأتي في هذا الباب.

قلت: قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، عن غيب أطلعه الله عليه، وأعلمه بالوحي أن شفاءه بالعسل، فكرر عليه الأمر بسقي العسل ليظهر ما وعد به، وأيضا قد علم أن ذلك النوع من المرض يشفيه العسل.

وقال النووي: اعترض بعض الملاحدة فقال: العسل مسهل فكيف يشفي صاحب الإسهال؟ وهذا جهل من المعترض وهو كما قال: بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه فإن الإسهال يحصل من أنواع كثيرة ومنها الإسهال الحادث من الهيضة، وقد أجمع الأطباء على أن علاجه بأن تترك الطبيعة وفعلها، وإن احتاجت إلى معين على الإسهال أعينت، فيحتمل أن يكون إسهاله من الهيضة، وأمره بشرب العسل معاونة إلى أن فنيت المادة فوقف الإسهال، وقد يكون ذلك من باب التبرك ومن دعائه وحسن أثره، ولا يكون ذلك حكما عاما لكل الناس، وقد يكون ذلك خارقا للعادة من جملة المعجزات، وقيل: المعنى فيه شفاء لبعض الناس وأولوا الآية، وحديث أبي سعيد الذي يأتي على الخصوص وقالوا: الحجامة وشرب العسل والكي إنما هي شفاء لبعض الأمراض دون بعض ألا ترى قوله: "أو لذعة بنار توافق الداء" فشرط صلى الله عليه وسلم موافقتها للداء، فدل هذا على أنها إذا لم توافق الداء فلا دواء فيها، وقد جاء في القرآن ما لفظه لفظ العموم، والمراد به الخصوص كقوله [ ص: 233 ] تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون يريد المؤمنين، وقال في بلقيس: وأوتيت من كل شيء ولم تؤت ملك سليمان عليه الصلاة والسلام، ومثله كثير.

واختلف أهل التأويل فيما عادت عليه الهاء في قوله: فيه شفاء للناس فقال بعضهم: على القرآن وهو قول مجاهد، وقال آخرون: على العسل روي ذلك عن ابن مسعود وابن عباس، وهو قول الحسن وقتادة، وهو أولى بدليل حديثي الباب.

التالي السابق


الخدمات العلمية