صفحة جزء
5721 97 - حدثنا عبد العزيز بن عبد الله، حدثنا إبراهيم بن سعد، عن ابن أخي ابن شهاب، عن ابن شهاب، عن سالم بن عبد الله قال: سمعت أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كل أمتي معافى إلا المجاهرين، وإن من المجانة أن يعمل الرجل بالليل عملا، ثم يصبح وقد ستره الله فيقول: يا فلان، عملت البارحة كذا وكذا، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه.


قيل: لا مطابقة بين الترجمة وبين الحديث; لأن الترجمة عقدت لستر المؤمن على نفسه، وفي الحديث: "ستر الله على المؤمن"، وأجيب بأن ستر الله مستلزم لستر المؤمن على نفسه، فمن قصد إظهار المعصية والمجاهرة بها فقد أغضب الله تعالى فلم يستره، ومن قصد التستر بها حياء من ربه ومن الناس: من الله عليه بستره إياه.

وإبراهيم بن سعد بن عبد الرحمن بن عوف، وهنا روى عن الزهري بواسطة، وهو يروي عنه كثيرا بلا واسطة. وابن أخي ابن شهاب محمد بن عبد الله بن مسلم، يروي عن عمه، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبي هريرة، وفي رواية مسلم في آخر الكتاب عن زهير بن حرب، ومحمد بن حاتم، وعبد بن حميد، ثلاثتهم عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، كلاهما عن ابن أخي الزهري، عن عمه، عنه به.

قوله: " معافى"، بضم الميم وفتح الفاء مقصورا؛ اسم مفعول من العافية التي وضعت موضع المصدر، يقال: عافاه عافية، والعافية دفاع الله عن العبد، والمعنى هنا: عفا الله عنه. قوله: " إلا المجاهرين" [ ص: 139 ] كذا في رواية الأكثرين بالنصب، وفي رواية النسفي: " إلا المجاهرون" بالرفع على قول الكوفيين; لأن الاستثناء منقطع، وتكون "إلا" بمعنى لكن، والمعنى: لكن المجاهرون بالمعاصي لا يعافون، فـ"المجاهرون" مبتدأ والخبر محذوف، ووجه النصب هو الذي اختاره البصريون من أن الأصل في المستثنى أن يكون منصوبا.

وقال الكرماني: حقه النصب على الاستثناء إلا أن يكون العفو بمعنى الترك، وهو نوع من النفي، والمجاهر هو الذي جاهر بمعصيته وأظهرها، والمعنى: كل واحد من أمتي يعفى عن ذنبه، ولا يؤاخذ به إلا الفاسق المعلن. وقال النووي: إن من جاهر بفسقه أو بدعته جاز ذكره بما جاهر به دون من لم يجاهر به، فإن قلت: المجاهر من باب المفاعلة يقتضي الاشتراك؟ قلت: معنى جاهر به جهر به، كما في قوله تعالى: وسارعوا إلى مغفرة من ربكم أي أسرعوا.

وقال بعضهم: يحتمل أن يكون على ظاهر المفاعلة، والمراد: الذين يجاهر بعضهم بعضا بالتحدث بالمعاصي. قلت: فيه نظر لا يخفى.

قوله: " وإن من المجانة" بفتح الميم والجيم، وهو عدم المبالاة بالقول والفعل، وفي رواية ابن السكن والكشميهني: " وإن من المجاهرة"، ووقع في رواية يعقوب بن إبراهيم بن سعد: " وإن من الإجهار"، وكذا عند مسلم، وفي رواية له: " الهجار"، وفي رواية الإسماعيلي: " إلا هجار"، وفي رواية أبي نعيم في (المستخرج): " وإن من الجهار"، وقال عياض: وقع للعذري والسجزي في مسلم: "الإجهار"، وللفارسي: "إلا هجار"، والإهجار والمجاهرة كله صواب؛ بمعنى الظهور والإظهار. وأما الإهجار فهو الفحش والخنى، وكثرة الكلام، وهو قريب من معنى المجانة. وأما لفظة الهجار؛ فبعيد لفظا ومعنى; لأن الهجار الحبل، أو الوتر يشد به يد البعير، أو الحلقة التي يتعلم فيها الطعن، ولا يصح له هنا معنى، وقال بعضهم: بل له معنى صحيح أيضا؛ فإنه يقال: هجر وأهجر؛ إذا أفحش في كلامه، فهو مثل جهر وأجهر، فما صح في هذا صح في هذا، ولا يلزم من استعمال الهجار بمعنى الحبل أو غيره أن لا يستعمل مصدرا من الهجر، بضم الهاء. قلت: هذا كلام واه جدا.

(أما أولا)؛ ففيه إثبات اللغة بالقياس. (وأما ثانيا)؛ فقوله: "يستعمل مصدرا من الهجر، بضم الهاء" غير صحيح; لأن الهجر، بالضم، الاسم من الإهجار، وهو الإفحاش في المنطق والخنى، وكيف يؤخذ المصدر من الاسم، والمصدر أيضا مأخوذ منه، غير مأخوذ؟! فافهم. قوله: " عملا"؛ أي: معصية. قوله: " ثم يصبح"؛ أي: يدخل في الصباح. قوله: " وقد ستره الله" الواو فيه للحال. قوله: " عملت" بلفظ المتكلم " البارحة" هي أقرب ليلة مضت من وقت القول. قوله: " يكشف" جملة حالية.

التالي السابق


الخدمات العلمية