صفحة جزء
5802 177 - حدثنا عبيد الله بن موسى، أخبرنا حنظلة، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا، خير له من أن يمتلئ شعرا.


مطابقته للترجمة تؤخذ من معناه; لأن امتلاء الجوف بالشعر كناية عن كثرة الاشتغال به حتى يكون وقته مستغرقا به، فلا يتفرغ لذكر الله عز وجل، ولا لقراءة القرآن، وتحصيل العلم، وهذا هو المذموم، وفيه إشارة إلى أن ذكر الله تعالى، وقراءة القرآن، والاشتغال بالعلم إذا كانت غالبة عليه فلا يدخل تحت هذا الذم.

وعبيد الله بن موسى هو أبو محمد العبسي الكوفي. وحنظلة، بفتح الحاء المهملة وسكون النون وفتح الظاء المعجمة وباللام، ابن أبي سفيان الجمحي القرشي، من أهل مكة، واسم أبي سفيان الأسود. وسالم هو ابن عبد الله بن عمر، يروي عن أبيه.

والحديث أخرجه الطحاوي، حدثنا يونس قال: حدثنا ابن وهب قال: سمعت حنظلة قال: سمعت سالم بن عبد الله يقول: سمعت عبد الله بن عمر يحدث عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مثله، وهذا السند أقوى من سند البخاري على ما لا يخفى. ويونس هو ابن عبد الأعلى الصدفي المصري، شيخ مسلم، والنسائي، وابن ماجه.

قوله: " لأن يمتلئ" اللام فيه للتأكيد، و"أن" مصدرية، وهو في محل الرفع على الابتداء، وخبره هو قوله: " خير له". قوله: " قيحا" نصب على التمييز، وهو الصديد الذي يسيل من الدمل والجرح، ويقال: هو المدة التي لا يخالطها الدم، وروى الطحاوي أيضا بإسناده، عن عمرو بن حريث، عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال: " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا، خير له من أن يمتلئ شعرا".

وأخرجه البزار، ثم قال: وهذا الحديث قد رواه غير واحد عن إسماعيل، عن عمرو بن حريث، عن عمر رضي الله تعالى عنه موقوفا، ولا نعلم أحدا أسنده إلا خلاد عن سفيان، وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا موقوفا، وأخرج الطحاوي أيضا بإسناده من حديث محمد بن سعد، عن أبيه قال: " قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا حتى يريه، خير له من أن يمتلئ شعرا"، وأخرجه مسلم أيضا، وروى الطحاوي أيضا، عن أبي هريرة على ما نذكره عن قريب، وروى أيضا من حديث عوف بن مالك قال: " سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: لأن يمتلئ جوف أحدكم من عانته إلى لهاته قيحا يتخضخض، خير له من أن يمتلئ شعرا".

ولما أخرج الترمذي حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه قال: وفي الباب عن أبي سعيد، وأبي الدرداء، قلت: حديث أبي سعيد الخدري أخرجه مسلم، قال: " بينما نحن نسير مع رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بالعرج، إذ عرض علينا شاعر ينشد؛ فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: احذروا الشيطان، أو أمسكوا الشيطان; لأن يمتلئ جوف رجل قيحا، خير له من أن يمتلئ شعرا" وحديث أبي الدرداء أخرجه الطبراني من حديث خالد بن معدان، عن أبي الدرداء قال: [ ص: 189 ] قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: " لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا، خير له من أن يمتلئ شعرا"، ولما أخرج الطحاوي الأحاديث المذكورة قال: فكره قوم رواية الشعر، واحتجوا بهذه الآثار. قلت: أراد بالقوم هؤلاء: مسروقا، وإبراهيم النخعي، وسالم بن عبد الله، والحسن البصري، وعمرو بن شعيب؛ فإنهم قالوا: يكره رواية الشعر وإنشاده، واحتجوا في ذلك بهذه الأحاديث المذكورة.

وروى ذلك عن عمر بن الخطاب، وابنه عبد الله، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنهم، ثم قال الطحاوي: وخالفهم في ذلك آخرون؛ فقالوا: لا بأس برواية الشعر الذي لا قذع فيه.

قلت: أراد بالآخرين: الشعبي، وعامر بن سعد، ومحمد بن سيرين، وسعيد بن المسيب، والقاسم، والثوري، والأوزاعي، وأبا حنيفة، ومالكا، والشافعي، وأحمد، وأبا يوسف، ومحمدا، وإسحاق بن راهويه، وأبا ثور، وأبا عبيد؛ فإنهم قالوا: لا بأس برواية الشعر الذي ليس فيه هجاء، ولا نكت عرض أحد من المسلمين، ولا فحش.

وروي ذلك عن أبي بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، والبراء بن عازب، وأنس بن مالك، وعبد الله بن عباس، وعمرو بن العاص، وعبد الله بن الزبير، ومعاوية بن أبي سفيان، وعمران بن الحصين، والأسود بن سريع، وعائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنهم أجمعين. قوله: " لا قذع فيه" بفتح القاف وسكون الذال المعجمة وبعين مهملة؛ وهو الفحش والخنى، ثم أجاب الطحاوي عن الأحاديث المذكورة بما ملخصه: " قيل لعائشة: إن أبا هريرة يقول: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا؟ فقالت عائشة: يرحم الله أبا هريرة، حفظ أول الحديث ولم يحفظ آخره: " إن المشركين كانوا يهاجون رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، فقال: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا من مهاجاة رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم".

وقوله: " جوف أحدكم" ظاهره الجوف مطلقا بما فيه من القلب وغيره، ويحتمل أن يراد به القلب خاصة، وهذا هو الأظهر; لأن القلب إذا وصل إليه شيء منه، وإن كان يسيرا فإنه يموت لا محالة، بخلاف غير القلب؛ وقوله: " شعرا" ظاهره العموم، لكنه مخصوص بما لم يكن مدحا لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم، وما يشتمل على الذكر والزهد، وسائر المواعظ مما لا إفراط فيه.

التالي السابق


الخدمات العلمية