هذا باب في قول الله عز وجل إلخ قوله تعالى: قل لو كان البحر ساق الآية كلها في رواية nindex.php?page=showalam&ids=16846كريمة، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=12021أبي زيد المروزي قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي إلى آخر الآية، وسبب نزولها أن اليهود قالوا لما نزل قوله: وما أوتيتم من العلم إلا قليلا كيف وقد أوتينا التوراة وفيها علم كل شيء فنزلت هذه الآية، والمعنى لو كان البحر مدادا للقلم، والقلم يكتب لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي; لأنها أعظم من أن يكون لها أمد; لأنها صفة من صفات ذاته، فلا يجوز أن يكون لها غاية ومنتهى.
وأخرج nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق في تفسيره من طريق أبي الجوزاء "لو كان كل شجرة في الأرض أقلاما والبحور مدادا لنفد الماء وتكسرت الأقلام قبل أن تنفد كلمات الله تعالى" وعن nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة أن المشركين قالوا في هذا القرآن: يوشك أن ينفد فنزلت، والنفاد الفراغ، وسمي المداد مدادا لإمداده الكاتب، وأصله من الزيادة.
فإن قلت: الكلمات لأقل العدد وأقلها عشرة فما دونها، فكيف جاء هنا؟
قلت: العرب تستغني بالجمع القليل عن الكثير وبالعكس; قال تعالى: وهم في الغرفات آمنون وغرف الجنة أكثر من أن تحصى.
فإن قلت: قال في أول الآية: مدادا وفي آخرها مددا وكلاهما بمعنى، واشتقاقهما غير مختلف؟ قلت: لأن الثانية آخر الآية فروعي فيها السجع، وهو الذي يقال في القرآن الفواصل، وقرأ nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة "مدادا" مثل الأول.
قوله: ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام الآية، وسبب نزول هذه الآية أن المشركين قالوا: القرآن كلام قليل يوشك أن ينفد فنزلت، ومعنى الآية لو كان شجر الأرض أقلاما، وكان البحر ومعه سبعة أبحر مدادا ما نفدت كلمات الله، وقيل: فيه حذف تقديره: فكتبت بهذه الأقلام وهذه الأبحر كلمات الله تعالى لتكسرت الأقلام ونفدت البحور، ولم تنفد كلمات الله.
قوله: "من بعده" أي: من خلفه سبعة أبحر تكتب، وقال أبو عبيدة: البحر هنا العذب، فأما الملح فلا تثبت فيه الأقلام.
قوله: إن ربكم الله الذي خلق السماوات الآية، بين الله عز وجل أن المنفرد بقدرة الإيجاد هذا الذي يجب أن يعبد دون غيره، واختلفوا أي يوم بدأ بالخلق على ثلاثة أقوال: أحدها يوم السبت كما جاء في صحيح مسلم، والثاني يوم الأحد قاله nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام وكعب nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، واختاره nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري، وبه يقول أهل التوراة، الثالث يوم الاثنين قاله إسحاق، وبه يقول أهل الإنجيل ومعنى [ ص: 144 ] قوله: "في ستة أيام" أي: مقدار ذلك; لأن اليوم يعرف بطلوع الشمس وغروبها، ولم يكن يومئذ شمس ولا قمر، والحكمة في خلقها في ستة أيام مع قدرته على خلقها في لحظة واحدة لوجوه:
الأول: أنه أراد أن يوقع في كل يوم أمرا تستعظمه الملائكة ومن يشاهده، وهذا عند من يقول: خلق الملائكة قبل السماوات والأرض.
قوله: مسخرات " أي: مذللات لما يراد منهن من طلوع وأفول وسير على حسب الإرادة.
قوله: ألا له الخلق والأمر " والغرض من إيراد الآية هنا هو أن يعلم أن الأمر غير الخلق; لأن بينهما حرف العطف، وعن nindex.php?page=showalam&ids=16008ابن عيينة فرق بين الخلق والأمر، فمن جمع بينهما فقد كفر، أي: من جعل الأمر من جملة ما خلقه فقد كفر، وفيه خلاف المعتزلة.
ومعنى هذا الباب إثبات الكلام لله تعالى صفة لذاته، ولم يزل متكلما ولا يزال كمعنى الباب الذي قبله، وإن كان وصف الله كلامه بأنه كلمات، فإنه شيء واحد لا يتجزأ ولا ينقسم، وكذلك يعبر عنه بعبارات مختلفة، تارة عربية وتارة سريانية، وبجميع الألسنة التي أنزلها الله على أنبيائه، وجعلها عبارة عن كلامه القديم الذي لا يشبه كلام المخلوقين، ولو كانت كلماته مخلوقة لنفدت كما ينفد البحار والأشجار، وجميع المحدثات، فكما لا يحاط بوصفه تعالى كذلك لا يحاط بكلماته وجميع صفاته.