صفحة جزء
793 213 - حدثنا عبد الله بن مسلمة ، عن مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن عبد الله بن عبد الله أنه أخبره أنه كان يرى عبد الله ابن عمر رضي الله تعالى عنهما يتربع في الصلاة إذا جلس ، ففعلته وأنا يومئذ حديث السن ، فنهاني عبد الله بن عمر ، وقال : إنما سنة الصلاة أن تنصب رجلك اليمنى وتثني اليسرى ، فقلت : إنك تفعل ذلك ، فقال : إن رجلي لا تحملاني .


مطابقته للترجمة في قوله : " إنما سنة الصلاة أن تنصب " إلى آخره .

ورجاله مشهورون وهم عبد الله بن عبد الله بن [ ص: 102 ] عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم ، والعبد مكبر في الابن والأب معا ، وهو تابعي ، ثقة ، سمي باسم أبيه ، وكني بكنيته .

قوله : “ أنه أخبره " صريح في أن عبد الرحمن بن القاسم روى عن عبد الله المذكور . وروى الإسماعيلي عن مالك ، عن عبد الرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عبد الله . وكذا رواه ابن نافع والأكثرون ، عن القعنبي فقالوا : عن أبيه ، وعلم من رواية عبد الله بن مسلمة أن عبد الرحمن سمعه عن أبيه ، عن عبد الله ، ثم لقي عبد الله ، وسمعه منه بلا واسطة ، أو يكون عبد الرحمن سمعه من عبد الله وأبوه معه .

( ذكر من أخرجه غيره )

أخرجه أبو داود أيضا في الصلاة عن القعنبي . وعن عبيد الله بن معاذ . وعن عثمان بن أبي شيبة . وعن هناد بن السري . وأخرجه النسائي فيه عن قتيبة ، عن الليث . وعن الربيع بن سليمان .

( ذكر معناه ) :

قوله : “ إنما سنة الصلاة " تدل على أن هذا الحديث مسند ; لأن الصحابي إذا قال : سنة فإنما يريد سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ; إما بقوله أو بفعل شاهده ، كذا قاله ابن التين .

قوله : “ وأنا يومئذ " الواو فيه للحال . قوله : " أن تنصب " أي لا تلصقه بالأرض . قوله : " ويثني " أي يعطف ، لم يبين فيه ما يصنع بعد ثنيها ; هل يجلس فوقها أو يتورك ، ووقع في ( الموطأ ) ، عن يحيى بن سعيد أن القاسم بن محمد أراهم الجلوس في التشهد ، فنصب رجله اليمنى وثنى اليسرى وجلس على وركه اليسرى ، ولم يجلس على قدمه ، ثم قال : أراني هذا عبد الله بن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهم ، وحدثني أن أباه كان يفعل ذلك . فظهر من رواية القاسم الإجمال الذي في رواية ابنه . وروى النسائي من طريق عمرو بن الحارث ، عن يحيى بن سعيد أن القاسم حدثه عن عبد الله بن عبد الله بن عمر ، عن أبيه قال : من سنة الصلاة أن تنصب اليمنى وتجلس على اليسرى .

قوله : “ تفعل ذلك “ أي التربع . قوله : " إن رجلي " كذا هو في رواية الأكثرين ، وفي رواية حكاها ابن التين " إن رجلاي " ووجه هذه بوجهين : أحدهما : أن تكون " إن " بمعنى نعم ، افعل ذلك ، ويكون حرف جواب ، وقد ورد ذلك في كلام العرب نظما ونثرا ; أما النظم ففي قوله :

ويقلن شيب قد علا ك وقد كبرت فقلت : إنه

وأما النثر فقد قال عبد الله بن الزبير - لمن قال : لعن الله ناقة حملتني إليك - : "إن ، وراكبها “ أي نعم ولعن راكبها . والوجه الثاني : أن يكون على لغة بني الحارث ، فإنهم لا ينصبون بإن اسمها ، وعليه قراءة إن هذان لساحران . وقال الشاعر :

إن أباها وأبا أباها

قوله : “ لا تحملاني " روي بتشديد النون وبتخفيفها .

( ذكر ما يستفاد منه ) :

فيه أن السنة أن ينصب المصلي رجله اليمنى ويثني اليسرى . وقد اختلفوا في صفة الجلوس في الصلاة ; فذهب يحيى بن سعيد الأنصاري والقاسم بن محمد وعبد الرحمن بن القاسم ومالك - إلى أن المصلي ينصب رجله اليمنى ويثني رجله اليسرى ويقعد بالأرض في القعدة الأولى ، وفي الأخيرة ، وهذا هو التورك الذي ينقل عن مالك ، وفي ( الجواهر ) : المستحب في الجلوس كله الأول والأخير وبين السجدتين - أن يكون توركا ، وفي ( التمهيد ) : المرأة والرجل سواء في ذلك عند مالك ، وذهب الشافعي وأحمد وإسحاق إلى أن المصلي يفعل في القعود الأول مثل ما ذكرنا الآن ، وإن كان في القعود الثاني يقعد على رجله اليسرى وينصب اليمنى ، وقال أبو عمر : قال الشافعي : إذا قعد في الرابعة أماط رجليه جميعا ، فأخرجهما عن وركه الأيمن ، وأفضى بمقعدته إلى الأرض ، وأضجع اليسرى ونصب اليمنى في القعدة الأولى . وقال أحمد مثل قول الشافعي ، إلا في الجلوس في الصبح ، فإن عنده كالجلوس في ثنتين ، وهو قول داوود . وقال الطبري : إن فعل هذا فحسن ، وإن فعل هذا فحسن ; لأن ذلك كله قد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقال النووي : الجلسات عند الشافعي أربع ; الجلوس بين السجدتين ، وجلسة الاستراحة عقيب كل ركعة يعقبها قيام ، والجلسة للتشهد الأول ، والجلسة للتشهد الأخير . فالجميع يسن مفترشا إلا الأخيرة ، فلو كان مسبوقا وجلس إمامه في آخر الصلاة متوركا ، جلس المسبوق مفترشا في تشهده ، فإذا سجد سجدتي السهو تورك ، ثم سلم . انتهى .

وعندنا السنة أن يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها ، وينصب اليمنى نصبا في القعدتين جميعا . وبه قال الثوري ، واستدلوا بحديث عائشة في ( صحيح مسلم ) قالت : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يفتتح الصلاة ... إلى أن قالت : وكان يفرش رجله اليسرى وينصب رجله اليمنى الحديث ، وأما جلوس المرأة فهو التورك عندنا ، وقال النووي : وجلوس المرأة كجلوس الرجل . وحكى القاضي عياض عن بعض السلف أن سنة المرأة التربع . وعن بعضهم التربع في النافلة . وقال أبو عمر : اختلفوا في التربع في النافلة ، وفي الفريضة للمريض ، فأما الصحيح فلا يجوز له التربع في الفريضة [ ص: 103 ] بإجماع العلماء . وروى ابن أبي شيبة عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال : لأن أقعد على رضفتين أحب إلي من أن أقعد متربعا في الصلاة ، وهذا يشعر بتحريمه عنده ، ولكن المشهور عند أكثر العلماء أن هيئة الجلوس في التشهد سنة ، وقال ابن بطال : روي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يتربعون في الصلاة ، كما فعله ابن عمر ، منهم ابن عباس وأنس وسالم وعطاء وابن سيرين ومجاهد ، وجوزه الحسن في النافلة ، وفي رواية كرهه هو والحكم وابن مسعود .

التالي السابق


الخدمات العلمية