قوله : “ إذا جاء أحدكم الجمعة " ظاهره أن يكون الغسل عقيب المجيء ، لأن الفاء للتعقيب ، ولكن ليس ذلك المراد ، وإنما المعنى إذا أراد أحدكم الجمعة فليغتسل ، وقد جاء مصرحا به في رواية nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع ، ولفظه : " nindex.php?page=hadith&LINKID=658401إذا أراد أحدكم أن يأتي الجمعة فليغتسل " ونظير ذلك قوله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله تقديره : إذا أردت أن تقرأ القرآن فاستعذ ، والظاهرية قالوا بظاهره في القراءة وهاهنا لم يقولوا به لظاهر رواية nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث المذكورة ، وقال الكرماني : " إذا جاء أحدكم " علم منه أن الغسل إنما هو للمجموع ، وهذا عام للصبي وللنساء أيضا . ( فإن قلت ) : من أين يستفاد العموم ؟ ( قلت ) : من لفظ الأحد المضاف . ( فإن قلت ) : ما وجه دلالته على شهودهما وهذه شرطية فلا يدل على وقوع المجيء . ( قلت ) : لفظة " إذا " لا تدخل إلا فيما كان وقوعه مجزوما به ، انتهى . ( قلت ) : هذا الذي قاله بناء على أنه فهم من الاستفهام في الترجمة الجزم بالحكم وليس كذلك على ما قررناه . قوله : " إذا جاء " المراد بالمجيء هو أن يحضر إلى الصلاة أو إلى المكان الذي تقام فيه الجمعة ، وذكر المجيء باعتبار الغالب ، وإلا فالحكم شامل لمن كان مجاورا للجامع أو مقيما به .
( ذكر ما يستفاد منه )
احتجت به الظاهرية على أن الأمر فيه للوجوب ، وليس كذلك ، لأن الأمر بالغسل ورد على سبب ، وقد زال السبب فزال الحكم بزوال علته ، لما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري من حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : " nindex.php?page=hadith&LINKID=63034كان الناس مهنة أنفسهم ، وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في مهنتهم ، فقيل لهم : لو اغتسلتم " وسيأتي هذا في باب وقت الجمعة إذا زالت الشمس ، وبعض أصحابنا قالوا : إن الحديث المذكور منسوخ بقوله صلى الله عليه وسلم : " nindex.php?page=hadith&LINKID=672223من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فهو أفضل " . واعترض بأنه ضعيف ، فكيف يحكم أن الصحيح منسوخ به . قلت : هذا الحديث روي من سبعة أنفس من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وهم : nindex.php?page=showalam&ids=24سمرة بن جندب ، أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة عن الحسن عن سمرة ، فذكره . nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس عند nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=14695والطحاوي nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار nindex.php?page=showalam&ids=14687والطبراني . nindex.php?page=showalam&ids=44وأبو سعيد الخدري عند nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي nindex.php?page=showalam&ids=13863والبزار . nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة عند nindex.php?page=showalam&ids=13863البزار nindex.php?page=showalam&ids=13357وابن عدي . nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر عند nindex.php?page=showalam&ids=13357ابن عدي في الكامل . nindex.php?page=showalam&ids=77وعبد الرحمن بن سمرة عند nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني . nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس عند nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في سننه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : حديث حسن . واختلف في سماع الحسن عن سمرة ، فعن nindex.php?page=showalam&ids=16604ابن المديني إمام هذا الفن : أنه سمع منه مطلقا . ولئن سلمنا ما قاله المعترض فالأحاديث الضعيفة إذا ضم بعضها إلى بعض أخذت قوة فيما اجتمعت فيه من الحكم ، كذا [ ص: 166 ] قاله nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وغيره . وقال المحققون من أصحابنا : إن حديث الكتاب خبر الواحد ، فلا يخالف الكتاب ، لأنه يوجب غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس عند القيام إلى الصلاة مع وجود الحدث ، فلو وجب الغسل لكان زيادة على الكتاب بخبر الواحد ، وهذا لا يجوز لأنه يصير كالنسخ ، فافهم . قلت : إذا حملنا الأمر فيه على الاستحباب توفيقا بين الحديثين لا يحتاج حينئذ إلى شيء آخر . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله تعالى عنه : ومما يدل على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالغسل يوم الجمعة فضيلة على الاختيار لا على الوجوب ، حديث nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ، حيث قال nindex.php?page=showalam&ids=7لعثمان : nindex.php?page=hadith&LINKID=662825والوضوء أيضا وقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بالغسل يوم الجمعة ! فلو علما أن أمره على الوجوب لم يترك nindex.php?page=showalam&ids=2عمر عثمان حتى يرده ويقول له ارجع فاغتسل . وقال ابن دقيق العيد : في الحديث دليل على تعليق الأمر بالغسل بالمجيء إلى الجمعة . واستدل به nindex.php?page=showalam&ids=16867لمالك في أنه يعتبر أن يكون الغسل متصلا بالذهاب ، ووافقه nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث والجمهور ، قالوا : يجزئ من بعد الفجر ، انتهى . قلت : قال صاحب الهداية : ثم هذا الغسل - أي : غسل يوم الجمعة - للصلاة عند أبي يوسف - يعني لا يصل له الثواب إلا إذا صلى صلاة الجمعة بهذا الغسل حتى لو اغتسل بعد الجمعة أو أول اليوم وانتقض ثم توضأ وصلى ، لا يكون مدركا لثواب الغسل . وهو الصحيح ، واحترز به عن قول الحسن بن زياد ، فإنه قال : لليوم إظهارا لفضيلته . وبقوله قال داود ، وفي المبسوط وهو قول محمد ، وفي المحيط وهو رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف ، فعلى هذا عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف روايتان ، وقيل : تظهر الفائدة أيضا في هذا الخلاف فيمن اغتسل بعد الصلاة قبل الغروب إن كان مسافرا ، أو عبدا أو امرأة أو ممن لا يجب عليه الجمعة ، وهذا بعيد ، لأن المقصود منه إزالة الرائحة الكريهة كيلا يتأذى الحاضرون بها ، وذلك لا يتأتى بعدها ، ولو اتفق يوم الجمعة ويوم العيد أو يوم عرفة ، وجامع ثم اغتسل ، ينوب عن الكل ، وفي صلاة الجلابي : لو اغتسل يوم الخميس ، أو ليلة الجمعة ، استن بالسنة لحصول المقصود ، وهو قطع الرائحة الكريهة .