صفحة جزء
881 46 - حدثنا محمد بن معمر قال : حدثنا أبو عاصم ، عن جرير بن حازم قال : سمعت الحسن يقول : حدثنا عمرو بن تغلب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتي بمال أو سبي فقسمه فأعطى رجالا [ ص: 225 ] وترك رجالا ، فبلغه أن الذين ترك عتبوا ; فحمد الله ، ثم أثنى عليه ، ثم قال : أما بعد ، فوالله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل ، والذي أدع أحب إلي من الذي أعطي ، ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع ، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير ، فيهم عمرو بن تغلب ، فوالله ما أحب أن لي بكلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حمر النعم .


مطابقته للترجمة في قوله : " ثم قال أما بعد " .

( ذكر رجاله ) ، وهم خمسة : الأول : محمد بن معمر بفتح الميمين أبو عبد الله البصري العبسي المعروف بالبحراني ضد البراني ، الثاني : أبو عاصم النبيل ، واسمه الضحاك بن مخلد ، الثالث : جرير بفتح الجيم ، وتكرار الراءين ، ابن حازم بالحاء المهملة ، وبالزاي ، الرابع : الحسن البصري ، الخامس : عمرو بفتح العين ابن تغلب بفتح التاء المثناة من فوق وسكون الغين المعجمة ، وكسر اللام ، وفي آخره باء موحدة العبدي التميمي البصري ، روي له عن النبي - صلى الله عليه وسلم - حديثان رواهما البخاري .

( ذكر لطائف إسناده ) : فيه التحديث بصيغة الجمع في موضعين في الرواة ، وفي موضع آخر عن الصحابي ، وفيه العنعنة في موضع واحد ، وفيه السماع ، وفيه القول في ثلاثة مواضع ، وفيه أن رواته كلهم بصريون ، وفيه أن هذا الحديث من أفراد البخاري ، وأخرجه أيضا في الخمس عن موسى بن إسماعيل ، وفي التوحيد عن أبي النعمان .

وقال عبد الغني : لم يرو عن عمرو بن تغلب غير الحسن البصري فيما قاله غير واحد . قلت : لعل مراده في الصحيح ، وإلا فقد قال ابن عبد البر : إن الحكم بن الأعرج روى عنه أيضا ، كما نبه عليه المزي رحمه الله . فإن قلت : قال الحاكم وعليه الجمهور : إن شرط البخاري في صحيحه أن لا يذكر إلا حديثا رواه صحابي مشهور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وله راويان ثقتان فأكثر ، ثم يرويه عنه تابعي مشهور ، وله أيضا راويان ثقتان فأكثر ، ثم كذلك في كل درجة ، وهذا الحديث لم يروه عن عمرو بن تغلب إلا راو واحد ، وهو الحسن . قلت : قد ذكرت لك أن الحكم بن الأعرج روى عنه أيضا .

( ذكر معناه ) ، قوله : “ أتى بالمال أو بشيء " بالشين المعجمة وسكون الياء آخر الحروف بعدها همزة ، ويروى بسبي بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة بعدها ياء آخر الحروف ، ويروى " أو سي " بدون حرف الباء ، وفي رواية الإسماعيلي " أتي بمال من البحرين " ، قوله : “ فبلغه أن الذين ترك " كذا بخط الحافظ الدمياطي ، وقال الحافظ قطب الدين : الذي في أصل روايتنا " أن الذي ترك " ، قلت : الضمير الذي في ترك يرجع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ومفعوله محذوف تقديره : أن الذين تركهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عتبوا ; حيث حرموا عن العطاء ، وأما وجه " أن الذي " بإفراد الموصول فعلى تقدير أن الصنف الذي تركه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

قوله : “ أما بعد " أي : أما بعد الحمد لله تعالى ، والثناء عليه ، قوله : “ وإني أعطي الرجل " أعطي بلفظ المتكلم لا بلفظ المجهول من الماضي ، قوله : “ وأدع الرجل " أي : الرجل الآخر ، وأدع بلفظ المتكلم أيضا ، أي : أترك ، قوله : “ من الذي أعطي " على لفظ المتكلم أيضا ، ومفعول أعطي الذي هو صلة الموصول محذوف ، قوله : “ لما أرى " من نظر القلب لا من نظر العين ، قوله : “ من الجزع " بالتحريك ضد الصبر يقال جزع جزعا ، وجزوعا فهو جزع ، وجازع ، وقال يعقوب : الجزع الفزع ، وقال ابن سيده : وجزع ، وجزاع .

قوله : “ والهلع " بالتحريك أيضا ، وهو أفحش الفزع ، وقال محمد بن عبد الله بن طاهر لأحمد بن يحيى : ما الهلوع ؟ فقال : قد فسره الله تعالى حيث قال : إن الإنسان خلق هلوعا بقوله : إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا ويقال : الهلع والهلاع والهلعان : الجبن عند اللقاء ، وفي أمالي ثعلب : الهلواعة الرجل الجبان ، وفي تهذيب أبي منصور قال الحسن بن أبي الحسن : الهلوع الشره ، وعن الفراء : الضجور ، وقال أبو إسحاق : الهلوع الذي يفزع ويجزع من الشر ، وقال القزاز : الهلع سوء الجزع ، ورجل هلعة مثال همزة : إذا كان يجزع سريعا .

قوله : “ من الغنى والخير " أي : أتركهم مع ما وهب الله تعالى لهم من غنى النفس فصبروا وتعففوا عن المسألة والشره ، قوله : “ بكلمة رسول الله " مثل هذه الباء تسمى بالباء البدلية ، وباء المقابلة ; نحو : اعتضت بهذا الثوب خيرا منه ، أي : ما أحب أن حمر النعم لي بدل [ ص: 226 ] كلمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، أي : يقابلها ، أي : هذه الكلمة كانت أحب إلي منها ، وكيف لا والآخرة خير وأبقى ، والحمر بضم الحاء المهملة وسكون الميم .

التالي السابق


الخدمات العلمية