الأول : في غسل الميت هل هو فرض ، أو واجب ، أو سنة ، فقال أصحابنا : هو واجب على الأحياء بالسنة ، وإجماع الأمة : أما السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: " للمسلم على المسلم ست حقوق " وذكر منها : إذا مات أن يغسله ، وأجمعت الأمة على هذا ، وفي شرح الوجيز الغسل والتكفين والصلاة فرض [ ص: 36 ] على الكفاية بالإجماع ، وكذا نقل النووي الإجماع على أن غسل الميت فرض كفاية ، وقد أنكر بعضهم على النووي في نقله هذا ، فقال : وهو ذهول شديد ; فإن الخلاف مشهور جدا عند المالكية ; حتى إن nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي رجح في شرح nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أنه سنة ، ولكن الجمهور على وجوبه . انتهى .
قلت : هذا ذهول أشد من هذا القائل ; حيث لم ينظر إلى معنى الكلام ، فإن معنى قوله : سنة ، أي سنة مؤكدة ، وهي في قوة الوجوب حتى قال هو ، وقد رد nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي على من لم يقل بذلك ، أي بالوجوب ، وقال : توارد به القول والعمل وغسل الطاهر المطهر ، فكيف بمن سواه .
الثالث : في سبب وجوب غسل الميت ، فقال بعضهم : هو الحدث ، فإن الموت سبب لاسترخاء مفاصله ، وقال الشيخ أبو عبد الله الجرجاني وغيره من مشايخ العراق : إنما أوجب النجاسة الموت ; إذ الآدمي له دم مسفوح كسائر الحيوانات ، ولهذا يتنجس البئر بموته فيها ، وفي البدائع عن محمد بن الشجاع البجلي أن الآدمي لا ينجس بالموت كرامة له ; لأنه لو تنجس لما حكم بطهارته بالغسل كسائر الحيوانات التي حكم بنجاستها بالموت ، وسيأتي قول nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " إن المسلم لا ينجس حيا ولا ميتا ، وقال بعض الحنابلة : ينجس بالموت ولا يطهر بالغسل ، ويتنجس الثوب الذي ينشف به كسائر الميتات ، وهذا باطل بلا شك وخرق للإجماع .
الرابع : في وضوء الميت فوضوؤه سنة كما في الاغتسال في حالة الحياة ، غير أنه لا يمضمض ولا يستنشق عندنا ; لأنهما متعسران ، وقال صاحب المغني : ولا يدخل الماء فاه ولا منخريه في قول أكثر أهل العلم ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يمضمض ويستنشق كما يفعله الحي ، وقال النووي المضمضة جعل الماء في فيه . قلت : هذا خلاف ما قاله أهل اللغة ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=14038الجوهري : المضمضة تحريك الماء في الفم nindex.php?page=showalam&ids=12441وإمام الحرمين لم يصوب من قال مثل ما قال النووي .
الخامس : في الماء والسدر ، فالحكم فيه عندنا أن الماء يغلى بالسدر والأشنان مبالغة في التنظيف ، فإن لم يكن السدر أو الأشنان فالماء القراح ، وذكر في المحيط والمبسوط أنه يغسل أولا بالماء القراح ثم بالماء الذي يطرح فيه السدر ، وفي الثالثة يجعل الكافور في الماء ، ويغسل به ، هكذا روي عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري : يغسل في المرة الأولى والثانية بالماء القراح ، والثالثة بالسدر ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : يختص السدر بالأولى ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=2ابن الخطاب من الحنابلة ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : يستعمل السدر في الثلاث كلها ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء وإسحاق nindex.php?page=showalam&ids=16039وسليمان بن حرب ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي : يجعل السدر في ماء ، ويخضخض إلى أن تخرج رغوته ، ويدلك جسده ، ثم يصب عليه الماء القراح . فهذه غسلة . وكرهت الشافعية وبعض الحنابلة الماء المسخن وخيره nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ما ذكره في الجواهر ، وفي الختلي من كتب الشافعية قيل : المسخن أولى بكل حال ، وهو قول إسحاق ، وفي الدراية وعند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد : الماء البارد أفضل إلا أن يكون عليه وسخ أو نجاسة لا تزول إلا بالماء الحار ، أو يكون البرد شديدا . فإن قلت : الوضوء مذكور في الترجمة ، ولم يذكر له حديثا . قلت : اعتمد على المعهود من الاغتسال عن الجنابة ويمكن أن يقال : إنه اعتمد على ما ورد في بعض طرق حديث الباب من حديث nindex.php?page=showalam&ids=62أم عطية ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها . وقيل : أراد وضوء الغاسل ، أي لا يلزمه وضوء. قلت : هذا بعيد ; لأن الغاسل لم يذكر فيما قبله ولا يعود الضمير في قوله : " ووضوئه " إلا إلى الميت ووجه بعضهم هذا فقال : إلا أن يقال تقدير الترجمة باب غسل الحي الميت ; لأن الميت لا يتولى ذلك بنفسه ، فيعود الضمير على المحذوف . قلت : هذا عسف وإن كان له وجه مع أن رجوع الضمير إلى أقرب الشيئين إليه أولى .