مطابقته للترجمة تؤخذ من موضعين : الأول من قوله : " حنط " ; لأن التحنيط يستلزم الغسل ، فكأنه قال : " غسله وحنطه " وهو مطابق لقوله : " باب غسل الميت " والثاني من قوله : " ولم يتوضأ " ; لأنا قد ذكرنا أن الضمير في قوله : " ووضوئه " يرجع إلى الميت . وقوله " لم [ ص: 37 ] يتوضأ " يدل على أن الغاسل ليس عليه وضوء ، فوقع التطابق من هذه الحيثية ، وقال بعضهم : وقيل تعلق هذا الأثر وما بعده بالترجمة من جهة أن المصنف يرى أن المؤمن لا ينجس بالموت ، وأن غسله إنما هو للتعبد ; لأنه لو كان نجسا لم يطهره الماء والسدر ، ولا الماء وحده ، ولو كان نجسا ما مسه nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ، ولغسل ما مسه من أعضائه . قلت : ليس بين هذا الأثر وبين الترجمة تعلق أصلا من هذه الجهة البعيدة ، والذي ذكرناه هو الأوجه .
نعم هذا الذي ذكره يصلح أن يكون وجه التطابق بين الترجمة وبين أثر nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس الآتي ; لأن إيراده أثر nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في هذا الباب يدل على أنه يرى فيه رأي nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، ويفهم منه أن غسل الميت عنده أمر تعبدي ، وإن كان قوله: " باب غسل الميت " أعم من ذلك ، لكن إيراده أثر nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وأثر سعد والحديث المعلق يدل على ذلك فافهم .
وقال هذا القائل أيضا وكأنه أشار إلى تضعيف ما أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود من طريق عمرو بن عمير عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة مرفوعا : " nindex.php?page=hadith&LINKID=674672من غسل الميت فليغتسل ومن حمله فليتوضأ " ، رواته ثقات إلا عمرو بن عمير ، فليس بمعروف ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان من طريق nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله تعالى عنه نحوه ، وهو معلول ; لأن nindex.php?page=showalam&ids=12045أبا صالح لم يسمعه من nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم عن أبيه : الصواب عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة موقوف ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود بعد تخريجه : هذا منسوخ ، ولم يبين ناسخه ، وقال الذهلي فيما حكاه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم في تاريخه : ليس فيمن غسل ميتا فليتغسل حديث ثابت. انتهى .
. قلت : أيش وجه إشارة nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بهذه الترجمة إلى تضعيف الحديث المذكور ، فأي عبارة تدل على هذا بدلالة من أنواع الدلالات ، وهذا كلام واه .
قلت : أما حديث nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود فقد قال في سننه : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12265أحمد بن صالح ، أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=12523ابن أبي فديك، حدثني nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب عن القاسم ابن عباس ، عن عمرو بن عمير عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من غسل الميت " ، الحديث وابن أبي فديك هو محمد بن إسماعيل بن أبي فديك، nindex.php?page=showalam&ids=12493وابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث ابن أبي ذئب ، وعمرو بن عمير بفتح العين في الابن وضمها في الأب . قلت : قوله : عمرو بن عمير ليس بمعروف إشارة إلى تضعيف الحديث ، فهذا nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود قد روى له وسكت عليه ، فدل على أنه قد رضي به ، ولكنه قال : " هذا منسوخ " ، فرده هذا الحديث لم يكن إلا من جهة كونه منسوخا ، ثم قال هذا القائل ولم يبين ناسخه. قلت : بتركه بيان الناسخ لا يلزم تضعيف الحديث ، والنسخ يعلم بأمور منها : ترك العمل بالحديث ، فإنه يدل على وجود ناسخ وإن لم يطلع عليه .
وأما حديث nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي فقد قال : حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب ، حدثنا عبد العزيز بن المختار ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16068سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " nindex.php?page=hadith&LINKID=663284من غسله الغسل ومن حمله الوضوء " يعني الميت ، وقال : حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة حديث حسن ، وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة موقوفا ثم قال : وقد اختلف أهل العلم في الذي يغسل الميت ، فقال بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم : إذا غسل ميتا فعليه الغسل ، وقال بعضهم : عليه الوضوء ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس : استحب الغسل من غسل الميت ، ولا أرى ذلك واجبا ، وهكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : من غسل ميتا أرجو أن لا يجب عليه الغسل، فأما الوضوء فأقل ما فيه ، وقال إسحاق : لا بد من الوضوء ، وقد روي عن nindex.php?page=showalam&ids=16418عبد الله بن المبارك أنه قال : لا يغتسل ولا يتوضأ من غسل الميت ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ، وفي الباب عن علي nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة. قلت : كلاهما عند nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود ، وفي الباب عن nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة عند nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي بإسناد ساقط ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في العتبية : أدركت الناس على أن غاسل الميت يغتسل ، واستحسنه nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم nindex.php?page=showalam&ids=12321وأشهب ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب : لا غسل عليه ولا وضوء ، وفي التوضيح nindex.php?page=showalam&ids=13790وللشافعي قولان الجديد هذا ، والقديم الوجوب ، وبالغسل قال nindex.php?page=showalam&ids=15990ابن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري قاله nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : لا أعلم أحدا قال بوجوب الغسل منه ، وأوجب nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد وإسحاق الوضوء منه .
وأما التعليق المذكور فقد وصله nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك في موطئه عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر حنط ابنا nindex.php?page=showalam&ids=85لسعيد بن زيد وحمله ثم دخل المسجد فصلى ، ولم يتوضأ ، وروى nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة عن nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه أن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر كفن ميتا وحنطه ، ولم يمس ماء ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=11820أبي الأحوص عن nindex.php?page=showalam&ids=16571عطاء بن السائب عن nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير قال : قلت nindex.php?page=showalam&ids=12لابن عمر : أغتسل من غسل الميت ؟ قال : لا ، وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16285عباد بن العوام عن حجاج عن سليمان بن ربيع ،عن nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير قال : غسلت أمي ميتة ، فقالت لي : سل - علي غسل؟ فأتيت nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر فسألته ، فقال : أنجسا غسلت ثم أتيت nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس فسألته ، فقال مثل ذلك أنجسا غسلت ؟ وحدثنا عباد عن حجاج عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر أنهما قالا : ليس على غاسل الميت غسل.
قوله : " حنط " بفتح الحاء المهملة وتشديد النون ، أي استعمل الحنوط ، وهو كل شيء خلط من الطيب [ ص: 38 ] للميت خاصة قاله الكرماني، وتبعه بعضهم على هذا ، وفي الصحاح : الحنوط ذريرة ، وهو طيب الميت . قلت : الحنوط عطر مركب من أنواع الطيب يجعل على رأس الميت ولحيته ولبقية جسده إن تيسر ، وفي الحديث " أن ثمود لما استيقنوا بالعذاب تكفنوا بالأنطاع ، وتحنطوا بالصبر لئلا يجيفوا وينتنوا " ، وفي المحيط : لا بأس بسائر الطيب في الحنوط غير الزعفران والورس في حق الرجال ، ولا بأس بهما في حق النساء ، فيدخل فيه المسك ، وأجازه أكثر العلماء ، وأمر به علي رضي الله تعالى عنه ، واستعمله nindex.php?page=showalam&ids=9أنس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد وإسحاق ، وكرهه nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، وقالوا : إنه ميتة ، واستعماله في حنوط النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حجة عليهم ، وفي الروضة : ولا بأس بجعل المسك في الحنوط ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12354النخعي : يوضع الحنوط على الجبهة والراحتين والركبتين والقدمين ، وفي المفيد : وإن لم يفعل فلا يضر ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي والقرافي : يستحب في المرة الثالثة شيء من الكافور قالا : وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : لا يستحب . قلت : نقلهما ذلك عنه خطأ .
قوله : " ابنا لسعيد " ، واسم الابن عبد الرحمن ، روى عن nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع أنه رأى nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر حنط عبد الرحمن بن سعيد بن زيد nindex.php?page=showalam&ids=85وسعيد بن زيد هذا أحد العشرة المبشرة بالجنة ، أسلم قديما ومات بالعقيق ، ونقل إلى المدينة فدفن بها سنة إحدى وخمسين رضي الله تعالى عنه .