قوله ( وجبت ) ; أي وجبت الجنة في الأول ، ووجبت النار في الثاني . والمراد بالوجوب الثبوت ، أو هو في صحة الوقوع كالشيء الواجب ، وحاصل المعنى أن ثناءهم عليه بالخير يدل على أن أفعاله كانت خيرا فوجبت له الجنة وثناءهم عليه بالشر يدل على أن أفعاله كانت شرا فوجبت له النار ، وذلك لأن المؤمنين شهداء بعضهم على بعض لما صرح في الحديث ، والتكرير فيه في رواية nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم وغيره لتأكيد الكلام وتحقيقه لئلا يشكوا فيه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14277الداودي : معنى هذا الحديث عند الفقهاء إذا أثنى عليه أهل الفضل والصدق لأن الفسقة قد يثنون على الفسقة فلا يدخلون في معنى هذا الحديث ، والمراد - والله أعلم - إذا كان الثناء بالشر ممن ليس له بعدو لأنه قد يكون للرجل الصالح العدو ، وإذا مات عدوه فذكر عن ذلك الرجل الصالح شرا فلا يدخل الميت في معنى هذا الحديث ; لأن شهادته كانت لا تجوز عليه في الدنيا وإن كان عدلا للعداوة ، والبشر غير معصومين . فإن قيل : كيف يجوز ذكر شر الموتى مع ورود الحديث الصحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم في النهي عن سب الموتى وذكرهم إلا بخير ؟ أجيب بأن النهي عن سب الأموات غير المنافق والكافر والمجاهر بالفسق أو بالبدعة ، فإن هؤلاء لا يحرم ، وذكرهم بالشر للحذر من طريقهم ومن الاقتداء بهم . وقيل : لا بد أن يكون ثناؤهم مطابقا لأفعاله . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي : يحتمل أن يكون النهي عن سب الموتى متأخرا عن هذا الحديث ، فيكون ناسخا . وقيل : حديث nindex.php?page=showalam&ids=9أنس المذكور يجري مجرى الغيبة في الأحياء ، فإن كان الرجل أغلب أحواله الخير - وقد يكون منه الغلبة - فالاغتياب له محرم ، وإن كان فاسقا معلنا فلا غيبة فيه ، فكذلك الميت ، فليس ذلك مما ينهى عنه من سب الأموات . وقال بعضهم : الثناء على عمومه لكل مسلم مات ، فإذا ألهم الله الناس أو معظمهم الثناء عليه كان ذلك دليلا أنه من أهل الجنة سواء كانت أفعاله تقتضي ذلك أم لا ; لأنه وإن لم تكن أفعاله مقتضية فلا تتحتم عليه العقوبة ، بل هو في المشيئة ، فإذا ألهم الله الناس الثناء عليه استدللنا بذلك أن الله تعالى قد شاء المغفرة له ، وبهذا تظهر فائدة الثناء في قوله " وجبت " . وقيل : هذا خاص بالمثنين المذكورين لغيب أطلع الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - عليه ، ورد بأن كلمة " من " تستدعي العموم ، والتخصيص بلا مخصص لا يجوز .