أي هذا باب في بيان ما جاء من الأخبار في حقية عذاب القبر ، وأشار بهذه الترجمة إلى مجرد وجود عذاب القبر دون التعرض أنه يقع على الروح وحده أو عليه وعلى البدن ، وفي هذا الباب خلاف مشهور بين أهل السنة والمعتزلة وقد بسطنا الكلام فيه في باب الميت يسمع خفق النعال ، ثم إن nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ذكر هذه الآيات الكريمة الثلاث تنبيها على ثبوت ذكر عذاب القبر في القرآن وردا على من ادعى عدم ذكره في القرآن وأن ذكره ورد في أخبار الآحاد .
الآية الأولى هو قوله تعالى في سورة الأنعام : ولو ترى إذ الظالمون أشار إليها بقوله " وقوله تعالى " ; بالجر عطفا على قوله " عذاب القبر " .
قوله ولو ترى خطاب للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم ، وجواب " لو " محذوف ; أي لرأيت أمرا عجيبا عظيما ، وكلمة " إذ " ظرف مضاف إلى جملة اسمية وهي قوله " الظالمون في غمرات الموت " . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يريد الظالمين الذين ذكرهم من اليهود والمتنبئة فتكون اللام للعهد ، ويجوز أن تكون للجنس فيدخل فيه هؤلاء لاشتماله . وقال غيره : المراد من الظالمين هؤلاء قوم كانوا أسلموا بمكة أخرجهم الكفار إلى قتال بدر ، فلما أبصروا أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجعوا عن الإيمان . وقيل : هم الذين قالوا : ما أنـزل الله على بشر من شيء
قوله في غمرات الموت أي في شدائده وسكراته وكرباته ، وهو جمع غمرة ، وأصل الغمرة ما يغمر من الماء فاستعيرت للشدة الغالبة .
قوله باسطو أيديهم قال nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : يبسطون إليهم يقول هاتوا أرواحكم أخرجوها إلينا من أجسادكم ، وهذه عبارة عن العنف في السياق والإلحاح والتشديد في الإزهاق من غير تنفيس وإمهال . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح : باسطو أيديهم بالعذاب . وروى nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني nindex.php?page=showalam&ids=11970وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما في قوله تعالى : ولو ترى إذ الظالمون الآية ، قال : هذا عند الموت ، والبسط الضرب ; يضربون وجوههم وأدبارهم . فإن قلت : الترجمة في عذاب القبر وهذا قبل الدفن ! قلت : هذا من جملة العذاب [ ص: 199 ] الواقع قبل يوم القيامة ، وإضافة العذاب إلى القبر لكثرة وقوعه على الموتى في القبور وإلا فالكافر ومن شاء الله تعذيبه من العصاة يعذب بعد موته ولو لم يدفن ، ولكن هذا محجوب عن الخلق إلا من شاء الله تعالى لحكمة اقتضت ذلك .
قوله أخرجوا أنفسكم أي تقول الملائكة : أخرجوا أنفسكم ، وذلك لأن الكافر إذا احتضر بشرته الملائكة بالعذاب والنكال والسلاسل والجحيم وغضب الرحمن الرحيم ، فتفرق روحه في جسده ويعصى ويأبى الخروج ، فتضربهم الملائكة حتى تخرج أرواحهم من أجسادهم قائلين لهم : أخرجوا أنفسكم . وقيل : معناه أخرجوا أنفسكم من العذاب إن قدرتم تقريعا لهم وتوبيخا .
واختلف في النفس والروح ; فقال القاضي أبو بكر وأصحابه : إنهما اسمان لشيء واحد . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13055ابن حبيب : الروح هو النفس الجاري يدخل ويخرج ، لا حياة للنفس إلا به ، والنفس يألم ويلذ والروح لا يألم ولا يلذ . وعن nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم عن عبد الرحمن بن خلف : بلغني أن الروح له جسد ويدان ورجلان ورأس وعينان ، يسل من الجسد سلا . وعن nindex.php?page=showalam&ids=16338ابن القاسم : الروح مثل الماء الجاري .
قوله اليوم تجزون عذاب الهون أي : اليوم تهانون غاية الإهانة بما كنتم تكفرون على الله وتستكبرون عن اتباع آياته والانقياد لرسله . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : " اليوم تجزون " يجوز أن يريدوا وقت الإماتة وما يعذبون به من شدة النزع ، وأن يريدوا الوقت الممتد المتطاول الذي يلحقهم فيه العذاب في البرزخ والقيامة . وفسر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري الهون بقوله : هو الهوان ، وهو الهوان الشديد ، وإضافة العذاب إليه كقولك : رجل سوء ; يريد العراقة في الهون والتمكن فيه .
قوله ( والهون الرفق ) ; أي الهون بفتح الهاء معناه الرفق ، كما قال في قوله : الذين يمشون على الأرض هونا أي برفق وسكينة .
الآية الثالثة هي قوله تعالى : وحاق بآل فرعون إلى قوله : أشد العذاب وهي في سورة المؤمن التي تسمى بسورة غافر أيضا ، ومعنى " حاق بآل فرعون " يعني نزل بهم سوء العذاب ; يعني شدة العذاب . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : وحاق بآل فرعون ما هموا به من تعذيب المسلمين ورجع عليهم كيدهم ، يقال : حاق به الشيء يحيق ; أي أحاطه به ، ومنه قوله تعالى : ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله وحاق بهم العذاب أي أحاط بهم . ونزل قوله " النار يعرضون " بدل من قوله " سوء العذاب " أو خبر مبتدأ محذوف ، كأن قائلا يقول : ما سوء العذاب ؟ فقيل : هو النار . أو مبتدأ ، وخبره " يعرضون عليها " ، وعرضهم عليها إحراقهم بها ، يقال عرض الأسارى على السيف إذا قتلهم به ، وقرئ النار بالنصب ، وتقديره يدخلون النار يعرضون عليها ، ويجوز أن ينتصب على الاختصاص . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : " يعرضون " يعني أرواحهم على النار غدوا وعشيا ، يعني في هذين الوقتين . وهكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل : تعرض روح كل كافر على منازلهم من النار كل يوم مرتين . وقال nindex.php?page=showalam&ids=11903أبو الليث السمرقندي : الآية تدل على عذاب القبر ; لأنه ذكر دخولهم النار يوم القيامة ، وذلك أنه يعرض عليهم النار قبل ذلك غدوا وعشيا . وقال nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود : إن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود تعرض على النار مرتين ، يقال لهم : هذه داركم . وقال nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : غدوا وعشيا من أيام الدنيا . وقال nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء : ليس في القيامة غدو ولا عشي ، لكن مقدار ذلك . ويرد عليه قوله " النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة " ، فدل على أن الأول بمنزلة عذاب القبر ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=48البراء مفسر للآية .
قوله ويوم تقوم الساعة يعني يقال لهم يوم القيامة : أدخلوا آل فرعون قرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو " ادخلوا " ; بضم [ ص: 200 ] الهمزة ، وهكذا قرأ عاصم في رواية أبي بكر ، وقرأ الباقون بفتح الهمزة ; فمن قرأ بالضم فمعناه : ادخلوا يا آل فرعون أشد العذاب ، فصار الآل نصبا بالنداء . ومن قرأ " أدخلوا " بفتح الهمزة فمعناه يقال للخزنة : أدخلوا آل فرعون - يعني قوم فرعون - أشد العذاب ، يعني أشد العقاب ، وصار الآل نصبا لوقوع الفعل عليه .