علل كون الصدقة من كسب طيب بقوله تعالى : ويربي الصدقات أي : يزيد فيها ، ويبارك في الدنيا ، ويضاعف الثواب في الآخرة ، والكسب الطيب هو من الحلال ، قال تعالى : أنفقوا من طيبات ما كسبتم و كلوا من طيبات ما رزقناكم [ ص: 269 ] وإنما لا يقبل الله المال الحرام ; لأنه غير مملوك للمتصدق ، وهو ممنوع من التصرف فيه ، والتصدق به تصرف فيه ، فلو قبلت لزم أن يكون مأمورا به ومنهيا عنه من وجه واحد ، وذلك محال .
( فإن قلت ) : قوله : " ويربي الصدقات " لفظ عام لما يكون من الكسب الطيب ومن غيره فكيف يدل على الترجمة .
( قلت ) : قوله تعالى : يمحق الله الربا أقرب للاستدلال على ما ذكره من قوله ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون لأن الله تعالى أخبر في هذه الآية الكريمة أنه يمحق الربا ، أي : يذهبه ، إما بأن يذهب بالكلية من يد صاحبه أو يحرمه بركة ماله ، فلا ينتفع به ، بل يعذبه به في الدنيا ، ويعاقبه عليه يوم القيامة ، وروى الإمام nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في مسنده ، فقال : حدثنا حجاج ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16100شريك ، عن الركين بن الربيع ، عن أبيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : nindex.php?page=hadith&LINKID=684412الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل ، وهذا من باب المعاملة بنقيض المقصود ، ثم إن الله تعالى لما أخبر بأنه يمحق الربا ; لأنه حرام ، أخبر أنه يربي الصدقات التي من الكسب الحلال .
وفي الصحيح عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من تصدق بعدل تمرة " الحديث على ما يأتي عن قريب إن شاء الله تعالى ، ولما قرن بين قوله يمحق الله الربا وبين قوله ويربي الصدقات بواو العطف علم أن إرباء الصدقات إنما يكون إذا كانت من الكسب الحلال بقرينة محقه الربا لكونه حراما ، قوله : والله لا يحب كل كفار أثيم أي : لا يحب كفور القلب أثيم القول والفعل ، ولا بد من مناسبة في ختم هذه الآية بهذه الصفة ، وهي أن المرابي لا يرضى بما قسم الله له من الحلال ، ولا يكتفي بما شرع له من التكسب المباح ، فهو يسعى في أكل أموال الناس بالباطل بأنواع المكاسب الخبيثة ، فهو جحود لما عليه من النعمة ، ظلوم آثم بأكل أموال الناس بالباطل ، ثم قال تعالى وتقدس مادحا للمؤمنين بربهم المطيعين أمره المؤدين شكره ، المحسنين إلى خلقه في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة مخبرا عما أعد لهم من الكرامة ، وأنهم يوم القيامة آمنون من التبعات ، فقال : إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون أي : لا خوف عليهم عند الموت ، ولا هم يحزنون يوم القيامة .