أي: هذا باب في ذكر قول الله تعالى: يأتوك إلى آخره، وإنما ذكر هذه الآية مترجما بها؛ تنبيها على أن اشتراط الراحلة في وجوب الحج لا ينافي جواز الحج ماشيا مع القدرة على الراحلة وعدم القدرة؛ لأن الآية اشتملت على المشاة والركبان، وذلك أن سبب نزول الآية أنهم كانوا لا يركبون على ما روى nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني - رحمه الله تعالى - من طريق عمرو بن ذر -رحمه الله تعالى - قال: قال nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد -رضي الله تعالى عنه -: كانوا لا يركبون، فأنزل الله تعالى يأتوك رجالا وعلى كل ضامر فأمرهم بالزاد ورخص لهم في الركوب والمتجر، وأول الآية وأذن في الناس بالحج يأتوك الآية، قال المفسرون: لما فرغ إبراهيم صلى الله تعالى عليه وآله وسلم من بناء البيت أمره الله تعالى أن يؤذن، قال إبراهيم صلى الله عليه وسلم: يا رب وما يبلغ أذاني؟ قال: أذن وعلي البلاغ، فقام بالمقام.
وقيل: على جبل أبي قبيس، وأدخل إصبعيه في أذنيه، وأقبل بوجهه يمينا وشمالا وشرقا وغربا، وقال: يا أيها الناس إن الله يدعوكم إلى الحج ببيته الحرام، فأسمع من في أصلاب الرجال وأرحام النساء ممن سبق في علم الله تعالى أن يحج، فأجابوا: لبيك اللهم لبيك، فمن أجاب يومئذ بعدد حج على قدره. قيل: أول من أجابه أهل اليمن فهم أكثر الناس حجا، وهذا قول الجمهور.
وقال قوم: المأمور بالتأذين محمد صلى الله عليه وسلم، أمر أن يفعل ذلك في حجة الوداع.
والتوفيق بين القولين أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمره الله بذلك؛ إحياء لسنة إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
(قلت): يأتوك على القول الأول خطاب لإبراهيم عليه الصلاة والسلام، وعلى القول الثاني لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو مجزوم؛ لأنه جواب الأمر، وهو قوله: "أذن" .
قوله: رجالا نصب على الحال من الضمير الذي في يأتوك وهو جمع راجل، كذا قاله nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد في (كتاب المجاز) نحو صحاب وصاحب، وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: رجالا رجالة، وقرأ nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة مشددا، وقرأ nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد مخففا.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14038الجوهري: جمع الراجل رجل مثل صاحب وصحب، ورجالة ورجال، والأراجيل جمع الجمع.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11903أبو الليث: وعلى كل ضامر يعني: الإبل وغيرها، فلا يدخل بعير ولا غيره الحرم إلا وقد [ ص: 129 ] ضمر من طول الطريق، وضامر بغير هاء يستعمل للمذكر والمؤنث.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15401النسفي في (تفسيره) وعلى كل ضامر حال معطوفة على (رجالا) كأنه قيل: رجالا وركبانا، والضامر البعير المهزول.
قوله: (يأتين) صفة لكل ضامر; لأن كل ضامر في معنى الجمع، أراد النوق.
قوله: من كل فج عميق أي: من كل طريق بعيد، ومنه قيل: بئر عميقة، وقرأ nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود "معيق" فقال: بئر بعيدة القعر.
قوله: ويذكروا أي: وليذكروا اسم الله في أيام معلومات، يعني: يوم النحر، ويومين بعده.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة: المعلومات الأيام العشر، والمعدودات أيام التشريق.
قوله: على ما رزقهم من بهيمة الأنعام متعلق بذكروا، والمعنى: ويذكروا اسم الله على ذبح أنعامهم، والمراد بالذكر التسمية، وهي قوله: بسم الله، والله أكبر، اللهم منك وإليك، عن فلان، كان الكفار يدعون ويذبحون على أسماء أصنامهم، فبين الله تعالى أن الواجب الذبح على اسمه، وبهيمة الأنعام الإبل والبقر والغنم.
قوله: فكلوا منها فهو أمر إباحة، وكان أهل الجاهلية لا يرون ولا يستحلون الأكل من ذبائحهم.