أي: هذا باب في بيان تفسير قول الله تعالى: الحج أشهر معلومات الكلام فيه على أنواع:
الأول: في إعرابها فقوله: (الحج) مبتدأ، وقوله: (أشهر) خبره، وقوله: (معلومات) صفة الأشهر، ومن شرط الخبر أن يصح به الإخبار عن المبتدأ، فلا يصح أن يخبر بالأشهر عن الحج؛ فلذلك قدر فيه حذف، تقديره: وقت الحج أشهر معلومات، ويقال: تقديره: الحج حج أشهر معلومات، فعلى الأول المقدر قبل المبتدأ، وعلى الثاني قبل الخبر، وإن كان يصلح فيه تقدير كلمة "في" فلا يقال إلا بالرفع، وكذلك كلام العرب يقولون: البرد شهران، فلا ينصبونه.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=15466الواحدي: يمكن حمله على غير إضمار، وهو أن الأشهر جعلت نفس الحج؛ اتساعا، لكون الحج يقع فيها، كقولهم: ليل نائم.
قوله: (أشهر) جمع شهر، وليس المراد منه ثلاثة أشهر كوامل، ولكن المراد [ ص: 190 ] شهران وبعض الثالث، ووجهه أن اسم الجمع يشترك فيه ما وراء الواحد بدليل قوله تعالى: فقد صغت قلوبكما ولو قال: "الحج ثلاثة أشهر" كان يتوجه السؤال.
وقيل: نزل بعض الشهر منزلة كله، كما يقال: رأيتك سنة كذا، أو على عهد فلان، ولعل العهد عشرون سنة أو أكثر، وإنما رآه في ساعة منها.
قوله: (معلومات) يعني: معروفات عند الناس لا تشكل عليهم، قال nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: وفيه أن الشرع لم يأت على خلاف ما عرفوه، وإنما جاء مقررا له.
قوله: فمن فرض فيهن الحج أي: فمن ألزم نفسه بالتلبية، أو بتقليد الهدي وسوقه.
وقوله: (فلا رفث) هو جواب "من" الشرطية.
وقال القتبي: الفرض هو وجوب الشيء، يقال فرضت عليكم، أي: أوجبت، قال الله تعالى: فنصف ما فرضتم أي: ألزمتم أنفسكم.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: الفرض التلبية.
وقال الضحاك: هو الإحرام، قال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء: فمن فرض فيهن، فمن أهل فيهن بالحج.
قوله: فلا رفث نفي، ومعناه النهي، أي: فلا ترفثوا، وقرأ ابن كثير وأبو عمر: (فلا رفث ولا فسوق) بالرفع مع التنوين، وقرأ الباقون بالنصب بغير تنوين، واتفقوا في قوله: ولا جدال بالنصب غير أبي جعفر المدني، فإنه قرأه بالرفع، وهذا يقال له "لا التبرئة" ففي كل موضع يدخل فيه لا التبرئة فصاحبه بالخيار إن شاء نصبه بغير تنوين، وإن شاء ضمه بالتنوين.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: والمراد بالنفي وجوب انتفائها، وأنها حقيقة بأن لا تكون، وقرئ المنفيات الثلاث بالنصب والرفع، وقرأ أبو عمرو وابن كثير رضي الله عنهما الأولين بالرفع والآخر بالنصب; لأنهما حملا الأولين على معنى النهي، كأنه قيل: فلا يكونن رفث ولا فسوق، والثالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال، كأنه قال: ولا شك ولا خلاف في الحج.
النوع الثاني: في معناها.
قوله: (الحج) في اللغة القصد، من حججت الشيء أحجه حجا إذا قصدته.
وقال الأزهري: وأصل الحج من قولك: حججت فلانا أحجه حجا إذا عدت إليه مرة بعد أخرى، فقيل: حج البيت; لأن الناس يأتونه كل سنة.
والحج في اصطلاح الشرع قصد إلى زيارة البيت الحرام على وجه التعظيم بأفعال مخصوصة.
قوله: (أشهر) جمع شهر جمع قلة; لأنه على وزن أفعل بضم العين، والشهر عبارة عن الزمان الذي بين الهلالين، واشتقاقه من الشهرة، والهلال أول ليلة من الشهر والثانية والثالثة، ثم هو قمر بعد ذلك إلى آخر الشهر، وفي الليلة الرابعة عشرة يقال له: "بدر" لتمامه.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14038الجوهري: إنما سمي بدرا لمبادرته الشمس بالطلوع.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء: هو في أول ليلة هلال، ثم قمير، ثم قمر، ثم بدر.
قوله: (فلا رفث) الرفث الجماع، كما في قوله تعالى: أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم وهو حرام على المحرم، وكذلك دواعيه من المباشرة والتقبيل، ونحو ذلك، وكذا التكلم بحضرة النساء.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير: حدثنا يونس، أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب، أخبرني يونس أن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافعا أخبره أن nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنه كان يقول: الرفث إتيان النساء، والتكلم بذلك بين الرجال والنساء إذا ذكروا ذلك بأفواههم.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب: وحدثني أبو صخر، عن nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب، مثله.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16446عبد الله بن طاوس، عن أبيه: سألت nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما عن قوله تعالى: فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج قال: الرفث التعرض بذكر الجماع، وهي العرابة في كلام العرب، وهو أدنى الرفث.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح: الرفث الجماع، وما دونه من قول الفحش، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار. وقال: وكانوا يكرهون العرابة، وهو التعريض بذكر الجماع وهو محرم.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس هو أن يقول للمرأة: "إذا حللت أصبتك" وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=11873أبو العالية.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر رضي الله تعالى عنهم: الرفث غشيان النساء، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير، nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، وإبراهيم، nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبو العالية، ومكحول، وعطاء الخراساني، وعطاء بن يسار، وعطية، والربيع، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك بن أنس، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل بن حيان، وعبد الكريم بن مالك، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك، وآخرون.
قوله: (ولا فسوق) قال مقسم وغير واحد عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: هي المعاصي، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن، nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري، ومكحول، وعطاء الخراساني، وعطاء بن يسار، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل بن حيان.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=12563محمد بن إسحاق، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر، قال: الفسوق ما أصيب من معاصي الله صيدا أو غيره، وروى nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب، عن يونس، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع أن nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله ابن عمر كان يقول: الفسوق إتيان معاصي الله تعالى في الحرم.
وقال آخرون: الفسوق هاهنا السباب، قاله nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر، nindex.php?page=showalam&ids=16414وابن الزبير، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي، وإبراهيم، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن، وقد تمسك هؤلاء بما في (الصحيحين) nindex.php?page=hadith&LINKID=670300 "سباب المسلم فسوق وقتاله كفر" وروى [ ص: 191 ] nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=16327عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: "الفسوق" هاهنا الذبح للأصنام.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك: الفسوق التنابز بالألقاب.
والثاني: أن المراد بالجدال هاهنا المخاصمة، وعن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود في قوله: ولا جدال في الحج قال أن تماري صاحبك حتى تغضبه، وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس الجدال المراء والملاحاة حتى تغضب أخاك وصاحبك، فنهى الله عن ذلك، وعن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر الجدال المراء والسباب والخصومات.
النوع الثالث: في الأحكام المتعلقة بأشهر الحج، قال الله تعالى أشهر معلومات وهي شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة، وهو قول أكثر العلماء، وهو المنقول عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء، nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن، nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين، ومكحول، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك، والربيع بن أنس، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل بن حيان، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد، nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبي ثور، واختاره nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير، ويحكى عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر، nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود، nindex.php?page=showalam&ids=16414وعبد الله بن الزبير، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس رضي الله تعالى عنهم.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي في القديم: هي شوال، وذو القعدة، وذو الحجة بكماله، وهو رواية عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أيضا.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير: حدثنا أحمد بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16100شريك، عن إبراهيم بن مهاجر، عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر، قال: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم في تفسيره: حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17418يونس بن عبد الأعلى، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب، أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج، قال: قلت nindex.php?page=showalam&ids=17191لنافع: سمعت nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر يسمي شهور الحج؟ قال: نعم، كان عبد الله يسمي شوالا، وذا القعدة، وذا الحجة قال nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج: وقال ذلك nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب ، وعطاء ، nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا إسناد صحيح إلى nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج، وحكي هذا أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس، nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير، والربيع بن أنس، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة.
قال ابن كثير في (تفسيره) وجاء فيه حديث مرفوع، ولكنه موضوع، رواه nindex.php?page=showalam&ids=13507الحافظ ابن مردويه من طريق حصين بن المخارق، وهو متهم بالوضع عن nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس بن عبيد، عن nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب، عن nindex.php?page=showalam&ids=481أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( nindex.php?page=hadith&LINKID=908399أشهر معلومات: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة ) وهذا كما رأيت لا يصح رفعه، واحتج الجمهور بما علقه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على ما يجيء، قال nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر: "هي شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة" ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير، حدثني أحمد بن حازم بن أبي عزرة، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12180أبو نعيم، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17275ورقاء، عن nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر ( أشهر الحج معلومات، قال: شوال، وذو القعدة، وعشر ذي الحجة ) إسناده صحيح، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم أيضا في (مستدركه) عن الأصم، عن الحسن بن علي بن عفان، عن nindex.php?page=showalam&ids=16421عبد الله بن نمير، عن عبيد الله، عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع، عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر، فذكره. وقال: على شرط الشيخين.
وعن nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم رواه nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي في (المعرفة) بإسناده ومتنه، ومما احتج به nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني في (سننه) عن nindex.php?page=showalam&ids=16100شريك، عن nindex.php?page=showalam&ids=11813أبي إسحاق، عن nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، قال: (أشهر الحج شوال، وذو القعدة، وذو الحجة) ورواه أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود نحوه. وعن nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير نحوه.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري: إنما أراد من قال: "أشهر الحج: شوال، وذو القعدة، وذو الحجة" أن هذه الأشهر ليست أشهر العمرة إنما هي للحج، وإن كان الحج ينقضي بانقضاء أيام منى.
(قلت): الإحرام بالحج فيها أكمل من الإحرام به فيما عداها، وإن كان صحيحا، والقول بصحة الإحرام في جميع السنة مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد، وإسحاق، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=12354إبراهيم النخعي، nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري، nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد، ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهر الحج، فلو أحرم به قبلها لم ينعقد إحرامه به، وهل ينعقد عمرة؟ فيه قولان عنه، والقول بأنه لا يصح الإحرام بالحج إلا في أشهر الحج مروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر، وبه يقول nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد.
(فإن قلت): هل يدخل يوم النحر في عشر ذي الحجة أم لا؟
(قلت): قال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد: يدخل.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: لا يدخل، وهو المشهور المصحح عنه.
وقال بعض الشافعية: تسع من ذي الحجة، ولا يصح في يوم النحر ولا ليلته، وهو شاذ.