أي : هذا باب فباب مرفوع على الخبرية منون لعدم صحة الإضافة ، قوله : « لا يستقبل القبلة " يجوز فيه الوجهان ، أحدهما : أن يكون تستقبل ، بضم التاء المثناة من فوق على صيغة المجهول ، وقوله : « القبلة " مرفوع ; لأنه مفعول ناب عن الفاعل " والآخر : أن يكون يستقبل ، بفتح الياء آخر الحروف على صيغة المعلوم ، أي : لا يستقبل قاضي حاجته القبلة ، والقبلة منصوب به ، ولام يستقبل يجوز فيها وجهان أيضا ، أحدهما : الضم على أن تكون لا نافية ، والآخر : الكسر على أن تكون ناهية ، قوله : « بغائط " الباء فيه ظرفية .
وفي المحكم : الغائط والغوط المتسع من الأرض مع طمأنينة ، وجمعه أغواط وغياط وغيطان ، وكل ما انحدر من الأرض فقد غاط ، ومن بواطن الأرض المنبتة الغيطان ، الواحد منها غائط ، وزعموا أن الغائط ربما كان فرسخا ، والغائط اسم للعذرة نفسها ; لأنهم كانوا يلقونها بالغيطان ، وقيل : لأنهم كانوا إذا أرادوا ذلك أتوا الغائط ، وتغوط الرجل كناية عن الخرأة ، والغوط أغمض من الغائط وأبعد ، وفي الصحاح : وجمع الغائط غوط ، وفي المخصص : الغائط أصله المطمئن من الأرض ، وسمي المتوضأ غائطا ; لأنهم كانوا يأتونه لقضاء الحاجة ، ثم سمي الشيء بعينه غائطا ، وقراءة nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ( أو جاء أحد منكم من الغيط ) مخففة الياء وأصله الغوط ، وقيل : لكل من قضى حاجته : قد أتى الغائط ، يكنى به عن العذرة .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : أصله المطمئن من الأرض ، كانوا يأتونه للحاجة ، فكنوا به عن نفس الحدث كراهة لذكره بخاص اسمه ، ومن عادة العرب التعفف في ألفاظها واستعمال الكناية في كلامها وصون الألسنة عما تصان الأبصار والأسماع عنه . قلت : الحاصل أنه استعمل للخارج ، وغلب على الحقيقة الوضعية فصار حقيقة عرفية ; لكن لا يقصد به إلا الخارج من الدبر فقط للتفرقة في الحديث بينهما في قوله : « بغائط أو بول " وقد يقصد به ما يخرج من القبل أيضا ; فإن الحكم عام .
وفي العباب : غاط في الشيء يغوط ويغيط غوطا وغيطا دخل فيه ، يقال : هذا رمل تغوط فيه الأقدام وتغيط ، والغوط والغائط المطمئن من الأرض الواسع ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13147ابن دريد : الغوط أشد انحطاطا من الغائط وأبعد ، وفي قصة نوح عليه الصلاة والسلام انسدت ينابيع الغوط الأكبر وأبواب السماء ، والجمع غوط وأغواط وغياط ، صارت الواو ياء لانكسار ما قبلها ، والغائط أيضا الغوط من الأرض ، والغوطة الوهدة في الأرض المطمئنة ، والتركيب يدل على اطمئنان وغور .
قوله : « إلا عند البناء " استثناء من قوله : « لا يستقبل القبلة " وقال nindex.php?page=showalam&ids=13779الإسماعيلي : ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء الذي ذكره ، ثم أجاب عن ذلك بما حاصله أنه أراد بالغائط معناه اللغوي لا معناه العرفي ، فحينئذ يصح استثناء الأبنية منه ، وقال بعضهم : هذا قوي الأجوبة . قلت : ليس كذلك ; لأنهم لما استعملوه للخارج وغلب هذا المعنى على المعنى الأصلي صار حقيقة عرفية غلبت على الحقيقة اللغوية ، فهجرت حقيقته اللغوية ، فكيف تراد بعد ذلك ؟ وقال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : هذا الاستثناء ليس مأخوذا من الحديث ، ولكن لما علم من حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما استثناء البيوت بوب به ; لأن حديثه عليه الصلاة والسلام كله كأنه شيء واحد ، وإن اختلفت طرقه ، كما أن القرآن كله كالآية الواحدة وإن كثر ، وتبعه ابن المنير في شرحه واستحسنه بعض الشارحين . قلت : فعلى هذا كان ينبغي أن يذكر حديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله تعالى عنهما في هذا الباب عقيب حديث nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب رضي الله تعالى عنه .
وقال الكرماني : [ ص: 276 ] يحتمل أن يكون أي : الاستثناء المذكور مأخوذا من هذا الحديث ، يعني حديث nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب إذ لفظ الغائط مشعر بأن الحديث ورد في شأن الصحارى إذ الاطمئنان ، أي : الانخفاض والارتفاع إنما يكون في الأراضي الصحراوية لا في الأبنية . قلت : العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب ، وقال ابن المنير : إن استقبال القبلة إنما يتحقق في الفضاء ، وأما الجدار والأبنية فإنها إذا استقبلت أضيف إليها الاستقبال عرفا . قلت : كل من توجه إلى نحو الكعبة يطلق عليه أنه مستقبل الكعبة سواء كان في الصحراء أو في الأبنية ; فإن كان في الأبنية فالحائل بينه وبين القبلة هو الأبنية ، وإن كان في الصحراء فهو الجبال والتلال ، والصواب أن يقال : إن الحديث عنده عام مخصوص ، وعليه يوجه الاستثناء .
قوله : « جدار " بالجر بدل من البناء ، قوله : « أو نحوه " أي : نحو الجدار كالأحجار الكبار والسواري والأساطين ونحو ذلك ، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15086الكشميهني "أو غيره" وهما متقاربان ، ووجه المناسبة بين البابين ظاهر .