مطابقته للترجمة في قوله: " خطب الناس يوم النحر"، وقد ذكرنا أن قوله: " خطب" ليس من الخطبة المعهودة، وإطلاق الخطبة عليه باعتبار أنها في الأصل كلام وقول، وعلي بن عبد الله هو المعروف بابن المديني، nindex.php?page=showalam&ids=17293ويحيى هو القطان، وفضيل، بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة، ابن غزوان، بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي وبالنون في آخره، وفيه أن شيخه nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة مدنيان، ويحيى بصري، وفضيل كوفي، والحديث أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أيضا في الفتن عن nindex.php?page=showalam&ids=12223أحمد بن إشكاب، وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي فيه عن nindex.php?page=showalam&ids=14923عمرو بن علي عن يحيى به.
(ذكر معناه): قوله: " خطب الناس يوم النحر" قد ذكرنا أن إطلاق لفظ الخطبة ليس على حقيقة الخطبة المعهودة؛ لأنه ليس فيه ما يدل على أمر من أمور الحج كما ذكرناه عن قريب، والخطبة الحقيقية في حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ما رواه nindex.php?page=showalam&ids=11867جابر بن زيد عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب بعرفات كما سيأتي في هذا الباب، فهذه الخطبة الحقيقية؛ لأن فيها تعليم الناس الوقوف بعرفة والمزدلفة والإفاضة منها، ورمي جمرة العقبة يوم النحر، والذبح، والحلق، وطواف الزيارة، وليس في خطبة يوم النحر شيء من ذلك، وإنما هي سؤالات وأجوبة كما ذكرنا، وكذلك في حديث nindex.php?page=showalam&ids=8840الهرماس بن زياد وأبي أمامة عند nindex.php?page=showalam&ids=11998أبي داود، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله عند nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد: nindex.php?page=hadith&LINKID=695306خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر فقال: أي يوم أعظم حرمة.. الحديث. وإطلاق الخطبة في كل ذلك ليس على حقيقته.
قوله: " فقال يا أيها الناس" خطاب لمن كان معه في ذلك الوقت، ووصية أيضا للشاهدين بأن يبلغوا الغائبين، كما يأتي ذلك عن قريب.
قوله: " أي يوم هذا" خرج مخرج الاستفهام والمراد به التقرير؛ لأنه أبلغ، وكذلك الاستفهامان الآخران. قوله: " قالوا: يوم حرام" ؛ يعني يحرم فيه القتال، وتوصيف اليوم بالحرام مجاز مرسل من قبيل قولهم: رجل عدل؛ لأن الحرام ليس عين اليوم وإنما هو الذي يقع فيه من القتال، وكذلك الكلام في قوله: " بلد حرام، وشهر حرام". وقال الكرماني: (فإن قلت): المستفاد من الحديث الأول، وهو حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنهم أجابوه بأنه يوم حرام، ومن الثاني، وهو حديث nindex.php?page=showalam&ids=130أبي بكرة أنهم سكتوا عنه وفوضوه إليه، فما التوفيق بينهما؟
(قلت): السؤال الثاني فيه فخامة ليست في الأول بسبب زيادة لفظ "أتدرون"؛ فلهذا سكتوا فيه، بخلاف الأول، أو أجابوا بأنه يوم كذا بعد أن قال صلى الله عليه وسلم: أليس هذا يوم النحر، وكذا في أخويه، فالسكوت كان أولا والجواب بالتعيين كان آخرا. انتهى.
ووفق بعضهم بين الحديثين بقوله: لعلهما واقعتان، ورده بعضهم بقوله: وليس بشيء؛ لأن الخطبة يوم النحر إنما تشرع مرة واحدة، وقد قال في كل منهما: إن ذلك كان يوم النحر. انتهى.
(قلت): ليس لهذا الرد وجه؛ لأنه لا مانع من تعدد القضية، وقوله: لأن الخطبة يوم النحر.. إلى آخره [ ص: 78 ] بناء على أن الخطبة في حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس على حقيقتها على زعمهم، وهذا لا يقول به خصمهم.
قوله: " وأعراضكم" جمع عرض، بكسر العين، وهو ما يحميه الإنسان ويلزمه القيام به. قاله أبو عمرو، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي: هو ما يمدح به ويذم، وقيل: العرض الحسب، وقيل: النفس، فإن العرض يقال للنفس وللحسب، يقال: فلان نقي العرض؛ أي: بريء أن يشتم أو يعاب، والعرض رائحة الجسد أو غيره، طيبة أو خبيثة. وفي شرح السنة: لو كان المراد من الأعراض النفوس لكان تكرارا؛ لأن ذكر الدماء كاف، إذ المراد بها النفوس، وقال الطيبي: الظاهر أن المراد بالأعراض الأخلاق النفسانية، وذكر في النهاية: العرض موضع المدح والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه، ولما كان موضع العرض النفس قال من قال: العرض النفس إطلاقا للمحل على الحال، وحين كان المدح نسبة الشخص إلى الأخلاق الحميدة، والذم نسبته إلى الذميمة، سواء كانت فيه أو لا، قال من قال: العرض الخلق إطلاقا لاسم اللازم على الملزوم.
قوله: " كحرمة يومكم هذا" إنما شبهها في الحرمة بهذه الأشياء؛ لأنهم كانوا لا يرون استباحة تلك الأشياء وانتهاك حرمتها بحال، وقيل: مثل باليوم وبالشهر وبالبلد؛ لتوكيد تحريم ما حرم من الدماء والأموال والأعراض.
قوله: " فأعادها مرارا" أي أعاد المذكورات مرارا، وأقله أن يكون ثلاث مرات.
قوله: " ثم رفع رأسه" وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه ثم رفع رأسه إلى السماء.
قوله: " اللهم هل بلغت" إنما قال ذلك لأنه كان فرضا عليه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ، ومنه سميت حجة البلاغ.
قوله: " إنها لوصيته" أي أن الكلمات التي قالها لوصيته إلى أمته، يريد بذلك قوله عليه الصلاة والسلام: " فليبلغ الشاهد الغائب.." إلى آخر الحديث. والمراد بالشاهد الحاضر في ذلك المجلس، وقوله: قال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: فوالذي نفسي بيده، إنها لوصيته إلى أمته، قسم من nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس صدر به كلامه للتأكيد، وهو إلى آخر كلامه معترض بين قوله صلى الله عليه وسلم: " هل بلغت" وبين قوله: " فليبلغ الشاهد الغائب" واللام في قوله: " لوصيته" مفتوحة، وهي لام التأكيد، والضمير فيه يرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكرنا أن الضمير في "إنها" يرجع إلى الكلمات التي قالها وهي " فليبلغ الشاهد.." إلى آخره، والضمير، وإن كان مقدما في الذكر، فالقرينة تدل على أنه مؤخر في المعنى.
قوله: " لا ترجعوا بعدي كفارا" قال الكرماني: أي كالكفار، أو لا يكفر بعضكم بعضا فتستحقوا القتال، وقال الطيبي: أي لا تكن أفعالكم شبيهة بأعمال الكفار في ضرب رقاب المسلمين.
(قلت): ذكروا فيه أقوالا: الأول: كفر في حق المستحل بغير حق. الثاني: كفر النعمة وحق الإسلام. الثالث: يقرب من الكفر ويؤدي إليه. الرابع: فعل كفعل الكفار. الخامس: حقيقة الكفر؛ يعني لا تكفروا بل دوموا مسلمين. السادس: المتكفرين بالسلاح، يقال للابس السلاح: كافر. السابع: لا يكفر بعضكم بعضا فتستحلوا قتال بعضكم بعضا.
(فإن قلت): ما معنى قوله: " بعدي" وهم لو رجعوا في زمانه صلى الله عليه وسلم كان لهم هذا الذي ذكره لهم.
(قلت): إنه صلى الله عليه وسلم قد علم أنهم لا يرجعون في حياته، أو أراد بعد فراقي من موقفي هذا، أو المعنى بعد حياتي.
قوله: " يضرب بعضكم رقاب بعض" الرواية برفع الباء ويصح به المقصود، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض: وضبطه بعضهم بسكون الباء، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14803أبو البقاء: على تقدير شرط مضمن؛ أي: أن ترجعوا بعدي، وقال الطيبي: "يضرب بعضكم رقاب بعض" جملة مستأنفة مبينة لقوله: " فلا ترجعوا بعدي كفارا" فينبغي أن يحمل على العموم، وأن يقال: لا يظلم بعضكم بعضا فلا تسفكوا دماءكم ولا تهتكوا أعراضكم ولا تستبيحوا أموالكم ونحوه؛ أي في إطلاق الخاص وإرادة العموم. قوله تعالى: " الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما ". انتهى.
(قلت): هذا كله في شرح قوله صلى الله عليه وسلم: " لا ترجعوا بعدي ضلالا"؛ لأن المتن الذي شرحه، وهو متن المشكاة، وقع " ضلالا" ثم قال: ويروى: " كفارا" ثم نقل كلام صاحب المظهر بقوله: يعني إذا فارقت الدنيا فاثبتوا بعدي على ما أنتم عليه من الإيمان والتقوى، ولا تظلموا أحدا، ولا تحاربوا المسلمين ولا تأخذوا أموالهم بالباطل، فإن هذه الأفعال من الضلالة والعدول من الحق إلى الباطل، ثم قال الطيبي بعد ذلك ما ذكرنا عنه من قوله: جملة مستأنفة.. إلى آخره.
(ذكر ما يستفاد منه): احتج به nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد على أن الخطبة يوم النحر سنة، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة وعن بعض أصحابنا: لا يخطب فيه وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك.
(قلت): الخطبة عند أصحابنا في الحج في ثلاثة أيام؛ الأولى: في اليوم السابع من [ ص: 79 ] ذي الحجة، والثانية: بعرفات يوم عرفة، والثالثة: بمنى في اليوم الحادي عشر، وعند nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر: يخطب في ثلاثة أيام متوالية أولها يوم التروية، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر: خطب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم السابع، وكذا أبو بكر رضي الله تعالى عنه، وقرأ سورة "براءة" عليهم. رواه nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر.
وفي التلويح: وأما الخطب التي وردت في الآثار أيام الحج؛ فمنها خطبة يوم التروية، وهو اليوم الثامن من ذي الحجة، وهو يوافق قول nindex.php?page=showalam&ids=15922زفر؛ لأن الجماعة لا يرون فيه خطبة، بل الخطبة الأولى قبل يوم التروية بيوم، وهو اليوم السابع من ذي الحجة، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء: أدركتهم يخرجون ولا يخطبون بمكة. قال nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر: قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك كقول nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه.
وقال النووي: الخطب المشروعة في الحج عندنا أربعة؛ أولها: بمكة عند الكعبة في اليوم السابع، قال: وهي مسنونة عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله تعالى عنه بعد صلاة الظهر، والثانية: ببطن عرنة يوم عرفة، والثالثة: يوم النحر، والرابعة: يوم النفر، وهو اليوم الثاني من أيام التشريق، وكلها أفراد إلا التي يوم عرفات فإنها خطبتان بعد صلاة الظهر وقبل الصلاة. انتهى.
ومنها: خطبة اليوم الحادي عشر من ذي الحجة، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم: وخطب الناس أيضا، يعني سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، يوم الأحد ثاني يوم النحر، وهو يوم الرءوس، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة، وهو أول أيام التشريق، وهو يوم النفر، وروى nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود من حديث سراء بنت نبهان قالت: خطبنا النبي صلى الله عليه وسلم يوم الرءوس فقال: أي يوم هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: أليس أوسط أيام التشريق.
وروى nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من حديث كعب بن عاصم الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب بمنى أوسط أيام الأضحى، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12927ابن المواز: هذه الخطبة بعد الظهر من غير جلوس فيها ولا قراءة جهرية في شيء من صلاتها.
ومنها خطبة يوم الأكارع، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم: وقد روي أيضا أنه صلى الله عليه وسلم خطبهم يوم الاثنين، وهو يوم الأكارع، وأوصى بذوي الأرحام خيرا. وروى nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني من حديث عبد العزيز بن الربيع بن أبي سبرة عن أبيه عن جده، nindex.php?page=hadith&LINKID=673590أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم خطب وسط أيام التشريق. قال nindex.php?page=showalam&ids=13439ابن قدامة: يعني يوم النفر الأول. وروى عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة [ ص: 80 ] رضي الله تعالى عنه أنه كان يخطب العشر كله، وفي المصنف: وكذلك nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير رضي الله تعالى عنهما.