الأول: في معنى الحصر والإحصار؛ الإحصار المنع والحبس عن الوجه الذي يقصده؛ يقال: أحصره المرض أو السلطان؛ إذا منعه عن مقصده، فهو محصر، والحصر الحبس، يقال: حصره؛ إذا حبسه فهو محصور، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12425القاضي إسماعيل: الظاهر أن الإحصار بالمرض، والحصر بالعدو، ومنه: " فلما حصر رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم"، وقال تعالى: فإن أحصرتم وقال nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي: يقال من العدو: حصر فهو محصور، ومن المرض: أحصر فهو محصر، وحكي عن nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء أنه أجاز كل واحد منهما مكان الآخر، وأنكر nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج، وقالا: هما مختلفان في المعنى، ولا يقال في المرض: حصره، ولا في العدو: أحصره، وإنما هذا كقولهم: حبسه؛ إذا جعله في الحبس، وأحبسه؛ أي: عرضه للحبس، وقتله أوقع به القتل، وأقتله؛ أي: عرضه للقتل، وكذلك حصره حبسه، وأحصره عرضه للحصر.
النوع الثاني: في سبب نزول هذه الآية، ذكروا أن هذه الآية نزلت في سنة ست، أي: عام الحديبية، حين حال المشركون بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الوصول إلى البيت، وأنزل الله في ذلك سورة الفتح بكمالها، وأنزل لهم رخصة أن يذبحوا ما معهم من الهدي، وكان سبعين بدنة، وأن يتحللوا من إحرامهم، فعند ذلك أمرهم عليه السلام أن يذبحوا ما معهم من الهدي وأن يحلقوا رؤوسهم ويتحللوا، فلم يفعلوا؛ انتظارا للنسخ حتى خرج فحلق رأسه ففعل الناس، وكان منهم من قص رأسه ولم يحلقه؛ فلذلك قال صلى الله عليه وسلم: " nindex.php?page=hadith&LINKID=659302رحم الله المحلقين، قالوا: والمقصرين يا رسول الله. فقال في الثالثة: والمقصرين"، وقد كانوا اشتركوا في هديهم ذلك كل سبعة في بدنة، وكانوا ألفا وأربعمائة، وكان منزلهم بالحديبية خارج الحرم، وقيل: بل كانوا على طرف الحرم.
النوع الثالث في تفسير هذه الآية: قوله فإن أحصرتم أي: منعتم عن تمام الحج والعمرة فحللتم فما استيسر أي: فعليكم ما استيسر من الهدي أي: ما تيسر منه، يقال: يسر الأمر واستيسر، كما يقال: صعب واستصعب، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري: الهدي جمع هدية كما يقال في جدية السرج: جدي، وقرئ: "من الهدي" بالتشديد جمع هدية، كمطية ومطي، وحاصل المعنى: فإن منعتم من المضي إلى البيت، وأنتم محرمون بحج أو عمرة، فعليكم إذا أردتم التحلل ما استيسر من الهدي من بعير أو بقرة أو شاة.
قوله ولا تحلقوا رءوسكم عطف على قوله وأتموا الحج والعمرة لله وليس معطوفا على قوله فإن أحصرتم كما زعمه nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه عام الحديبية لما حصرهم كفار قريش عن الدخول إلى الحرم حلقوا وذبحوا هديهم خارج الحرم، وأما في حال الأمن والوصول إلى الحرم فلا يجوز الحلق حتى يبلغ الهدي محله، ويفرغ الناسك من أفعال الحج والعمرة إن كان قارنا أو من فعل أحدهما إن كان مفردا أو متمتعا.
النوع الرابع: اختلاف العلماء في الحصر بأي شيء يكون؟ وبأي معنى يكون؟ فقال قوم، وهم: nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء بن أبي رباح، nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي، nindex.php?page=showalam&ids=16004وسفيان الثوري: يكون الحصر بكل حابس؛ من مرض أو غيره من عدو وكسر وذهاب نفقة ونحوها، مما يمنعه عن المضي إلى البيت، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة، nindex.php?page=showalam&ids=14954وأبي يوسف، ومحمد، nindex.php?page=showalam&ids=15922وزفر، وروي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود، nindex.php?page=showalam&ids=47وزيد بن ثابت.
وقال آخرون، وهم: nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث بن سعد، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد، وإسحاق: لا يكون الإحصار إلا بالعدو فقط، ولا يكون بالمرض، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=14002الجصاص في كتاب الأحكام: وقد اختلف السلف في حكم المحصر على ثلاثة أنحاء؛ روي عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس: العدو والمرض سواء، يبعث دما ويحل به إذا أنحر في الحرم، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة وأصحابه.
والثاني: قول nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر: إن المريض لا يحل ولا يكون محصرا إلا بالعدو، وهو قول [ ص: 141 ] nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي.
والثالث: قول nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير: إن المرض والعدو سواء لا يحل إلا بالطواف، ولا نعلم لهما موافقا من فقهاء الأمصار، وفي شرح الموطأ مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي أن المحصر بالمرض لا يحل دون البيت، وسواء عند مالك شرط عند إحرامه التحلل للمرض أو لم يشترط. وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: له شرطه.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر: الإحصار عند أهل العلم على وجوه، منها: المحصر بالعدو، ومنها: بالسلطان الجائر، ومنها: المرض وشبهه، فقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأصحابهما: من أحصره المرض فلا يحله إلا الطواف بالبيت، ومن حصر بعدو فإنه ينحر هديه حيث حصر ويتحلل وينصرف، ولا قضاء عليه إلا أن تكون ضرورة فيحج الفريضة، ولا خلاف بين nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك وأصحابهما في ذلك، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب وغيره: كل من حبس عن الحج بعدما يحرم بمرض أو حصار من العدو أو خاف عليه الهلاك فهو محصر، فعليه ما على المحصر، ولا يحل دون البيت، وكذلك من أصابه كسر وبطن متحرق، وقال مالك: أهل مكة في ذلك كأهل الآفاق؛ لأن الإحصار عنده في المكي الحبس عن عرفة خاصة؛ قال: فإن احتاج المريض إلى دواء تداوى به وافتدى وهو على إحرامه لا يحل من شيء منه حتى يبرأ من مرضه، فإذا برئ من مرضه مضى إلى البيت فطاف به سبعا وسعى بين الصفا والمروة، وحل من حجه أو عمرته.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر: هذا كله قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي رحمه الله: إذا نحر المحصر هديه، هل يحلق رأسه أم لا؟ فقال قوم: ليس عليه أن يحلق؛ لأنه قد ذهب عنه النسك كله، وهذا قول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ومحمد. وقال آخرون: بل يحلق، فإن لم يحلق فلا شيء عليه، وهذا قول nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف. وقال آخرون: يحلق ويجب عليه ما يجب على الحاج والمعتمر، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك.
النوع الخامس: في الاحتجاجات في هذا الباب: احتج nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن تابعه في هذا الباب بما رواه nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد، حدثنا سفيان عن nindex.php?page=showalam&ids=16666عمرو بن دينار، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16446وابن طاوس، عن أبيه، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=16406وابن أبي نجيح عن nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: " لا حصر إلا حصر العدو"، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في مسنده عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: " لا حصر إلا حصر العدو، فأما من أصابه مرض أو وجع أو ضلال فليس عليه شيء"؛ قال: وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري nindex.php?page=showalam&ids=15944وزيد بن أسلم نحو ذلك.
واحتج nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ومن تابعه في ذلك بما رواه nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن سعيد، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15688حجاج الصواف عن nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير عن nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة عن الحجاج بن عمرو الأنصاري، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " nindex.php?page=hadith&LINKID=663232من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى، قال: فذكرت ذلك nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة فقالا: صدق"، فقد أخرجه الأربعة من حديث nindex.php?page=showalam&ids=17298يحيى بن أبي كثير به، وفي رواية nindex.php?page=showalam&ids=11998لأبي داود nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه: " nindex.php?page=hadith&LINKID=679582من عرج أو كسر أو مرض"، فذكر معناه، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد في تفسيره ثم قال: وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=16414وابن الزبير وعلقمة، nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب، nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء، ومقاتل بن حبان أنهم قالوا: " الإحصار من عدو أو مرض أو كسر"، وقال النووي: الإحصار من كل شيء أذاه. قلت: وفي المسألة قول ثالث حكاه nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير وغيره، وهو أنه لا حصر بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
النوع السادس: في حكم الهدي، فقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: من الأزواج الثمانية من الإبل والبقر والمعز والضأن. وقال nindex.php?page=showalam&ids=16004الثوري عن حبيب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى: فما استيسر من الهدي قال: شاة، وكذا قال nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس، nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبو العالية، ومحمد بن الحسين، وعبد الرحمن بن القاسم، nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي، nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك، ومقاتل بن حبان مثل ذلك، وهو مذهب الأئمة الأربعة.
وقال nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم: حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13708أبو سعيد الأشج، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=11994أبو خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد عن القاسم عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر أنهما كانا لا يريان ما استيسر من الهدي إلا من الإبل والبقر، وقد روي عن سالم والقاسم، nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة بن الزبير، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير نحو ذلك. وقيل: الظاهر أن مستند هؤلاء فيما ذهبوا إليه قصة الحديبية، فإنه لم ينقل عن أحد منهم أنه ذبح في تحلله ذاك شاة، وإنما ذبحوا الإبل والبقر، ففي الصحيحين: عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=846268أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشترك في الإبل والبقر كل سبعة منا في بقرة".
وقال عبد الرزاق: أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن nindex.php?page=showalam&ids=16446ابن طاوس عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في قوله تعالى: فما استيسر من الهدي قال: بقدر يسارته، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: إن كان موسرا، فمن الإبل، وإلا فمن البقر، وإلا فمن الغنم.