أي: هذا باب في بيان قول الله عز وجل مخاطبا للمسلمين بقوله: وكلوا واشربوا بعد أن كانوا ممنوعين منهما بعد النوم، وبين فيه غاية وقت الأكل بقوله: حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود والمراد بالخيط الأبيض: أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود، والخيط الأسود ما يمتد معه من غبش الليل شبها بخيطين أبيض وأسود، وقوله: من الفجر بيان للخيط الأبيض، واكتفى به عن بيان الخيط الأسود؛ لأن بيان أحدهما بيان للثاني، قال الزمخشري: ويجوز أن تكون "من" للتبعيض؛ لأنه بعض الفجر، وقال: وقوله: من الفجر أخرجه من باب الاستعارة، كما أن قولك: "رأيت أسدا" مجاز، فإذا زدت: "من فلان" رجع تشبيها. انتهى.
ولما نزل قوله: وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود أولا ولم ينزل " من الفجر " كان رجال إذا أرادوا الصوم ربط أحدهم في رجليه الخيط الأبيض والخيط الأسود، فلا يزال يأكل ويشرب ويأتي أهله حتى يظهر له الخيطان، ثم لما نزل قوله: من الفجر علموا أن المراد من الخيطين الليل والنهار، فالأسود سواد الليل، والأبيض بياض الفجر، كما يأتي الآن بيانه في حديث الباب. قوله: ثم أتموا الصيام إلى الليل أي: من بعد انشقاق الفجر الصادق، كفوا عن الأكل والشرب والجماع إلى أن يأتي الليل، وهو غروب الشمس، قالوا: فيه دليل على جواز النية بالنهار في صوم رمضان، وعلى جواز تأخير الغسل إلى الفجر، وعلى نفي صوم الوصال.