أي هذا باب في بيان حكم صوم يوم عاشوراء ، والكلام فيه على أنواع :
الأول : في بيان اشتقاق عاشوراء ووزنه ، فاشتقاقه من العشر الذي هو اسم للعدد المعين ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي : عاشوراء معدول عن عاشرة للمبالغة والتعظيم ، وهو في الأصل صفة لليلة العاشرة ؛ لأنه مأخوذ من العشر الذي هو اسم الفعل ، واليوم مضاف إليها ، فإذا قيل : يوم عاشوراء ، فكأنه قيل : يوم الليلة العاشرة ، إلا أنهم لما عدلوا به عن الصفة غلبت عليها الاسمية ، فاستغنوا عن الموصوف فحذفوا الليلة ، وقيل : هو مأخوذ من العشر بالكسر في أوراد الإبل تقول العرب : وردت الإبل عشرا إذا وردت اليوم التاسع ، وذلك لأنهم يحسبون في الإظماء يوم الورد ، فإذا قامت في الرعي يومين ، ثم وردت في الثالثة قالوا : وردت ربعا ، وإن رعت ثلاثا ، وفي الرابع وردت خمسا ؛ لأنهم حسبوا في كل هذا بقية اليوم الذي وردت فيه قبل الرعي ، وأول اليوم الذي ترد فيه بعده ، وعلى هذا القول يكون التاسع عاشوراء ، وأما وزنه ففاعولاء .
[ ص: 117 ] قال أبو منصور اللغوي : عاشوراء ممدود ، ولم يجئ فاعولاء في كلام العرب إلا عاشوراء ، والضاروراء اسم الضراء ، والساروراء اسم للسراء ، والدالولاء اسم للدالة ، وخابوراء اسم موضع ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14038الجوهري : يوم عاشوراء وعاسوراء ممدودان ، وفي ( تثقيف اللسان ) للحميري ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12112أبي عمرو الشيباني : عاشورا بالقصر ، وروي عن أبي عمر قال : ذكر nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه فيه القصر ، والمد بالهمز ، وأهل الحديث تركوه على القصر ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل : بنوه على فاعولاء ممدودا ؛ لأنها كلمة عبرانية ، وفي ( الجمهرة ) : هو اسم إسلامي لا يعرف في الجاهلية ؛ لأنه لا يعرف في كلامهم فاعولاء ، ورد على هذا بأن الشارع نطق به ، وكذلك أصحابه قالوا بأن عاشوراء كان يسمى في الجاهلية ، ولا يعرف إلا بهذا الاسم .
النوع الثاني : اختلفوا فيه في أي يوم ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل : هو اليوم العاشر : والاشتقاق يدل عليه ، وهو مذهب جمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم ، فممن ذهب إليه من الصحابة nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، ومن التابعين : nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب ، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن البصري ، ومن الأئمة : nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وإسحاق ، وأصحابهم ، وذهب nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس إلى أن عاشوراء هو اليوم التاسع ، وفي ( المصنف ) عن nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك : عاشوراء اليوم التاسع ، وفي ( الأحكام ) لابن بزيزة : اختلف الصحابة فيه هل هو اليوم التاسع أو اليوم العاشر أو اليوم الحادي عشر ، وفي ( تفسير nindex.php?page=showalam&ids=11903أبي الليث السمرقندي ) : عاشوراء يوم الحادي عشر ، وكذا ذكره المحب الطبري ، واستحب قوم صيام اليومين جميعا روي ذلك عن nindex.php?page=showalam&ids=12003أبي رافع صاحب nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين ، وبه يقول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وإسحاق ، وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه كان يصوم اليومين خوفا أن يفوته ، وكان يصومه في السفر ، وفعله nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب ، وصام أبو إسحاق عاشوراء ثلاثة أيام يوما قبله ويوما بعده في طريق مكة ، وقال : إنما أصوم قبله وبعده كراهية أن يفوتني ، وكذا روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا أنه قال : صوموا قبله يوما وبعده يوما ، وخالفوا اليهود . وفي ( المحيط ) : وكره إفراد يوم عاشوراء بالصوم لأجل التشبه باليهود ، وفي ( البدائع ) : وكره بعضهم إفراده بالصوم ، ولم يكرهه عامتهم ؛ لأنه من الأيام الفاضلة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : باب ما جاء في يوم عاشوراء أي يوم هو : حدثنا هناد ، وأبو كريب قالا : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن حاجب بن عمر ، عن الحكم بن الأعرج قال : انتهيت إلى nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وهو متوسد رداءه في زمزم ، فقلت : أخبرني عن يوم عاشوراء أي يوم أصومه ؟ فقال : إذا رأيت هلال المحرم فاعدد ، ثم أصبح من اليوم التاسع صائما ، قلت : أهكذا كان يصومه محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم .
حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16501عبد الوارث ، عن يونس ، عن الحسن ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عاشوراء اليوم العاشر . قال nindex.php?page=showalam&ids=13948أبو عيسى : حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس حديث حسن صحيح .
قلت : حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس الأول رواه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، nindex.php?page=showalam&ids=14724وأبو داود ، والثاني انفرد به nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي ، وهو منقطع بين nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ، فإنه لم يسمع منه ، وقول nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : حديث حسن صحيح - لم يوضح مراده أي حديثي nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أراد ، وقد فهم أصحاب الأطراف أنه أراد تصحيح حديثه الأول ، فذكروا كلامه هذا عقيب حديثه الأول ، فتبين أن الحديث الثاني منقطع وشاذ أيضا لمخالفته للحديث الصحيح المتقدم .
فإن قلت : هذا الحديث الصحيح يقتضي بظاهره أن عاشوراء هو التاسع ؟
قلت : أراد nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس من قوله ( فإذا أصبحت من تاسعه فأصبح صائما ) أي : صم التاسع مع العاشر ، وأراد بقوله ( نعم ) ما روي من عزمه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم على صوم التاسع من قوله ( nindex.php?page=hadith&LINKID=658925لأصومن التاسع ) . وقال القاضي : ولعل ذلك على طريق الجمع مع العاشر ؛ لئلا يتشبه باليهود كما ورد في رواية أخرى : فصوموا التاسع والعاشر . وذكر رزين هذه الرواية ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عنه ، وقيل : معنى قول nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : نعم ، أي : نعم يصوم التاسع لو عاش إلى العام المقبل . وقال nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر : وهذا دليل على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم كان يصوم العاشر إلى أن مات ، ولم يزل يصومه حتى قدم المدينة ، وذلك محفوظ من حديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، والآثار في هذا الباب عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مضطربة .
النوع الرابع : اتفق العلماء على أن صوم يوم عاشوراء سنة ، وليس بواجب ، واختلفوا في حكمه أول الإسلام ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : كان واجبا ، واختلف أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي على وجهين : أشهرهما أنه لم يزل سنة من حين شرع ، ولم يك واجبا قط في هذه الأمة ، ولكنه كان يتأكد الاستحباب ، فلما نزل صوم رمضان صار مستحبا دون ذلك الاستحباب ، والثاني : كان واجبا كقول nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14961عياض : كان بعض السلف يقول : كان فرضا ، وهو باق على فرضيته لم ينسخ ، قال : وانقرض القائلون بهذا ، وحصل الإجماع على أنه ليس بفرض إنما هو مستحب .
وعند النقاش في ( كتاب عاشوراء ) : من صام عاشوراء فكأنما صام الدهر كله ، وقام ليله . وفي لفظ : من صامه يحتسب له بألف سنة من سني الآخرة .
النوع السادس : ما ورد في صلاة ليلة عاشوراء ، ويوم عاشوراء ، وفي فضل الكحل يوم عاشوراء لا يصح ، ومن ذلك حديث جويبر ، عن nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رفعه : nindex.php?page=hadith&LINKID=65357من اكتحل بالإثمد يوم عاشوراء لم يرمد أبدا . وهو حديث موضوع . وضعه قتلة nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين رضي الله تعالى عنه . وقال nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : والاكتحال يوم عاشوراء لم يرو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه أثر ، وهو بدعة ، وفي ( التوضيح : ، ومن أغرب ما روي فيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الصرد : إنه أول طائر صام عاشوراء . وهذا من قلة الفهم ، فإن الطائر لا يوصف بالصوم . قال nindex.php?page=showalam&ids=14070الحاكم : وضعه قتلة nindex.php?page=showalam&ids=17الحسين رضي الله تعالى عنه .
قلت : إطلاق الصوم للطائر ليس بوجه الصوم الشرعي حتى ينسب قائله إلى قلة الفهم ، وإنما غرضه أن الطائر أيضا يمسك عن الأكل يوم عاشوراء تعظيما له ، وذلك بإلهام من الله تعالى ، فيدل ذلك على فضله بهذا الوجه .